سكك حديد مصر: الواقع المأساوي لا يمسح التاريخ العريق

01 مارس 2019
أول خطوط حديدية في الشرق الأوسط (Getty)
+ الخط -
لا تتناسب عراقة سكك حديد مصر مع ما آل إليه الحال من تدهور وإهمال يتسبب في نزيف لا يتوقف. لم تعد عمليات التطوير والتأمين والصيانة المناسبة تصل إلى هذا المرفق الحيوي الذي كان يُعد وسيلة المواصلات الأكثر أماناً لنقل الركاب والبضائع. يسقط الضحايا وتتناثر الأشلاء على الأرصفة في ذات الوقت الذي تتباهى فيه وسائل الإعلام الرسمية بأن مصر تساند أفريقيا في تطوير قطاراتها، وأنها بصدد مد خطوط حديدية تربط بين مصر بالسودان وشرق القارة السمراء. تمتد الخطوط الحديدية في مصر إلى حوالي 9 آلاف كيلومتر، تصل بين أكثر من 700 محطة، تنقل يومياً حوالي مليون ونصف راكب مسافر، عن طريق 3500 عربة نقل ركاب، أما عربات نقل البضائع فتقدّر بحوالي 15000 عربة تنقل حوالي 12 مليون طن سنوياً. ويعمل في شركة السكك الحديدية حوالي 86 ألف عامل.

تاريخ عريق
امتلكت مصر أول خطوط حديدية في الشرق الأوسط، وكانت ثانية دول العالم في هذا المجال بعد بريطانيا. وكان موقع مصر وأهميتها الإستراتيجية وطموح قادتها من الأسرة العلوية من أهم العوامل لمد الخطوط الحديدية في مصر، ومنها إلى البلدان المجاورة. ورغم أن افتتاحها كان في 1856، فإن بدايات العمل تصل إلى سنة 1834 أيام الوالي محمد علي باشا، حين شُيد خط حديدي بين السويس والإسكندرية لكن توقف العمل بسبب اعتراض فرنسا. وفي سنة 1851، عادت فكرة الخط الحديدي أيام محمد سعيد باشا، فبدأ العمل لربط القاهرة بالإسكندرية تحت إشراف المهندس الإنكليزي روبرت ستيفنسون، واستغرق خمس سنوات، وتم الافتتاح رسمياً في عهد محمد سعيد باشا. بعدها استمر مد الخطوط الحديدية بين كثير من المدن الرئيسية، في الدلتا والصعيد. أما مجموعة ورش أبو وافية بمنطقة الشرابية، فقد افتتحت لصيانة القطارات في أواخر القرن التاسع عشر على مساحة تبلغ 308 أفدنة.

الامتداد العربي
استمرت عمليات مد الخطوط وتطويرها إلى أن وصل القطار المصري جنوباً إلى وادي حلفا بالسودان أيام الخديوي إسماعيل. كما امتدت السكك الحديدية عبر سيناء إلى فلسطين بداية من الحرب العالمية الأولى، ومنها كان ينطلق المسافر عبر القطارات إلى الأردن وسورية ولبنان، وهو الأمر الذي توقف بسبب الاحتلال الصهيوني الذي دمّر الخط الحديدي، أما فكرة مد خط حديدي إلى ليبيا فإنها لم تكتمل. وبعد حرب 1967 استولت إسرائيل على معدات السكك الحديدية المصرية التاريخية، كما استخدمت القضبان الموجودة داخل سيناء في بناء تحصينات خط بارليف. امتلكت الدولة المصرية سنة 1914 مجموعة من الشركات الخاصة التي كانت تدير السكك الحديدية في الدلتا والصعيد قبل ذلك التاريخ، ويضم متحف السكة الحديدية الذي افتتح سنة 1933 مئات النماذج والوثائق والخرائط والبيانات التي تكشف تاريخ هذا المرفق العريق. وتضم هيئة السكك الحديدية حالياً عشر شركات تابعة لها. وفي 1958 افتتح مصنع مهمات السكك الحديدية (سيماف) على مساحة 150 ألف متر مربع بغرض صناعة عربات السكك الحديدية والمترو والترام، وهو الآن يتبع الهيئة العامة للتصنيع.

كوارث مروعة
تعاني السكك الحديدية المصرية حالياً من إهمال شديد، فالخلل الواضح في منظومة الصيانة والأمان جعل معدل الحوادث والضحايا يرتفع بصورة كارثية. ولا يوجد، في هذه الآونة، أملٌ في تطوير حقيقي لهذا المرفق، فالحكومة تولي اهتمامها لمشروعات أخرى بلا دراسات جدوى، وتنفق فيها مليارات الدولارات مثل العاصمة الإدارية الجديدة وشق تفريعة جديدة لقناة السويس وغيرهما، إذ تصدر تصريحات على أعلى المستويات تهوّن من قيمة ضخ أموال لتطوير السكك الحديدية؛ بحجة أن ذلك سيمثل إهداراً لأموال يمكن استثمارها بصورة أخرى. ولا تعد كارثة "رصيف نمرة 6" التي وقعت مؤخراً، وراح ضحيتها عشرات القتلى والمصابين أولى تلك الكوارث، فمنذ تسعينيات القرن الماضي ونزيف القضبان لا يتوقف، ومن أشهر تلك الكوارث؛ حادثة خروج قطار بالقرب من الإسكندرية عن قضبانه في 1998 وراح ضحيته 50 شخصاً وإصابة العشرات. وحادث احتراق قطار الصعيد في 2002 وراح ضحيته 361 شخصاً. وحادث اصطدام قطار رقم 165 بين أسيوط والقاهرة بأتوبيس مدرسي في 2012 وراح ضحيته 52 طفلاً وإصابة آخرين. وحادث قطار دهشور 2013 الذي راح ضحيته 30 شخصاً وأكثر من 20 مصاباً... وغيرها.
دلالات
المساهمون