سكان الطارمية العراقية يدفعون ثمن الفشل الأمني والطائفية السياسية

18 يوليو 2020
تخضع المينة لإجراءات أمنية مشددة (Getty)
+ الخط -
أعاد الهجوم المسلح الذي أودى بحياة قائد عسكري بارز في الجيش العراقي، ليلة أمس الجمعة، بلدة الطارمية (20 كم شمالي العاصمة العراقية بغداد)، إلى واجهة المشهد الأمني في البلاد مجدداً، خاصة مع حزمة من البيانات والتصريحات التي اعتبرت تحريضية ضد المدينة التي تفرض السلطات العسكرية، منذ سنوات، إجراءات مشددة داخلها وفي محيطها، إذ تعتمد نظام الكفيل في دخولها، مع عمليات التفتيش والاعتقالات التي لم تهدأ منذ سنوات.
واليوم السبت، شهدت المدينة والقرى المحيطة بها حملة عسكرية كبيرة بحثاً عن منفذي الهجوم الذي أودى بحياة قائد اللواء 59 في الجيش العراقي، العميد الركن علي غيدان، ليلة الجمعة، بهجوم مسلح استهدف موكبه في منطقة ابن سينا وسط المدينة.
والحملة هي الثانية من نوعها خلال أقل من شهر واحد، والسابعة منذ مطلع العام الحالي، إذ نفذت قوات الجيش والشرطة، فضلاً عن فصائل مسلحة ضمن "الحشد الشعبي"، عمليات اعتقال وتفتيش واسعة، عادة ما تستمر عدة أيام، وتعلن خلالها نتائج العملية.
تعد الحملة هي الثانية من نوعها خلال أقل من شهر واحد، والسابعة منذ مطلع العام الحالي
وقال مسؤولون عراقيون محليون في المدينة، إن حملة اعتقالات عشوائية نفذتها قوات من الجيش وفصائل مسلحة، اليوم السبت، في مناطق كانت تلك القوات نفسها قد أعلنت تأمينها و"تدقيق سكانها أمنيّاً"، قبل أيام قليلة، خلال عملية "أبطال العراق"، التي أطلقها الجيش في المدينة.
وأوضح مسؤول في مجلس مدينة الطارمية المحلي، لـ"العربي الجديد"، أن "الناس لا تعرف ما تفعل سوى التفكير في النزوح عن المدينة للعيش بكرامة في الوقت الحالي"، وفقاً لتعبيره، مبيناً أن "الهجمات التي تُجرى بين وقت وآخر باتت توحي بأنها مقصودة بشكل أو آخر لممارسة سلسلة مضايقات على السكان"، لافتاً إلى أن "الضابط الذي قتل كان من الذين أحبهم سكان المدينة وتعاونوا معهم".
وتابع: "بعد غياب الشمس لا أحد يبقى في الشارع من الأهالي، ونعتقد أن هناك جهات تريد أن تستهدف المدينة لغايات معروفة ولم تعد خافية على أحد"، معتبراً أن المدينة ضحية بسبب موقعها الجغرافي الذي فرض عليها حسابات طائفية وسياسية تتعلق بالانتخابات وثقلها السكاني، وسط فشل أمني واضح.
تقع مدينة الطارمية، ضاحية بغداد الشمالية، وسلتها الغذائية، على بعد 20 كم من مركز العاصمة، وهي أحد الأقضية الستة التي تحيط ببغداد، وتُعرَف حالياً بمناطق حزام بغداد، وتربط بغداد مع صلاح الدين وديالى والأنبار في طرفها الغربي، ويبلغ عدد سكانها نحو 91 ألف نسمة، ومساحتها 300 كم مربع، ويقطنها خليط من عدة عشائر، أبرزها المشاهدة والعبيد والدليم والجنابين والسلمان، ومهنتهم الرئيسة هي الزراعة.
وكانت تعرف في العصر العثماني باسم ريف بغداد، إلا أن تسميتها بـ"الطارمية"، جاءت مشتقة من الكلمة التركية "طغارمية"، ومعناها الأرض الخصبة ذات الإنتاج المضاعف.
ومنذ عام 2014، يشكو سكانها من سلسلة إجراءات أمنية وعسكرية بدواعٍ أمنية، بسبب موقعها الجغرافي، إذ لا يدخل أحد المدينة إلا بكفيل من سكانها، وحُدِّدَت مداخل ومخارج للمدينة تخضع للتفيش.
 
من جانبه، قال المتحدث العسكري باسم الحكومة، اللواء يحيى رسول، إن مقتل العميد علي غيدان في الطارمية لن يمرّ، والقتلة سيواجهون مصيرهم، مبيناً، في تصريح صحافي له، نقلته وسائل إعلام محلية عراقية، أن "العميد علي غيدان قتل بإطلاق نار من قبل مجموعة تتخذ من الطبيعة الجغرافية لقضاء الطارمية غطاءً لها"، وبيّن أن "عناصر داعش لم يدخلوا بمواجهة مباشرة في عملية استهداف العميد علي غيدان".
ودعا رئيس كتلة تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لمليشيات "الحشد الشعبي"، محمد الغبان، السبت، إلى ما أسماه "حملة تطهير" في الطارمية، بعد الهجوم الذي استهدف دورية آمر لواء 59 في الجيش العراقي، يوم أمس،
وقال الغبان، في تغريدة عبر حسابه في موقع "تويتر"، إن "استهداف قائد عسكري كبير في الطارمية شمال بغداد يستوجب حملة تطهير وإجراءات جذرية".
وعن هدف الحملة، قال إنها تأتي لـ"اقتلاع جذور التنظيمات الإرهابية التي استلبت أمن المنطقة وجعلت منها بؤرة تهدد العاصمة بغداد".
إلا أن القيادي في "التيار الصدري" حاكم الزاملي، زعم، في بيان له السبت، أن "مزارع المدينة وبساتينها يديرها فلاحون لمصلحة الجماعات الإرهابية"، داعياً إلى مصادرتها من قبل الحكومة، وهو ما اعتبر تحريضاً آخر على سكان المدينة من قبل مليشيات وجهات سياسية مختلفة.
المدينة تكاد لا يخلوا شارع ولا منطقة ولا أرض فيها من ثكنة أو موقع عسكري أو نقطة مراقبة
الشيخ محمد المشهداني، أحد أعيان المدينة، قال في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن مدينتهم باتت عبارة عن معسكر يعيش فيه سكان، في إشارة إلى التحشيد الأمني والعسكري داخلها.
وأضاف المشهداني أن "المدينة لا يكاد يخلو شارع ولا منطقة ولا أرض فيها من ثكنة أو موقع عسكري أو نقطة مراقبة، والسكان رضوا بذلك وباتوا لا يريدون سوى الاستقرار في أرضهم، لكن حتى هذا لم يتحقق؛ فمع كل حدث أمني يدفع السكان الثمن بالاعتقالات والتضييق"، معتبراً أن "جزءاً كبيراً من أهالي المدينة باتوا يرون أن هناك يداً تعبث بالأمن من أجل غايات سياسية وأخرى طائفية، سواء بعمليات إرهابية مفتعلة أو بتسهيل دخول إرهابيين عبر ثغرات يعرفونها هم".
وكشف عن أن العشرات من الأسر تفكر في الرحيل عن المدينة التي تدفع ثمن فشل السلطات في منحها الاستقرار، فضلاً عن المطامع السياسية والطائفية بسبب موقعها الجغرافي".