01 أكتوبر 2022
سقف إصلاحات موعودة في مصر
"محدّش قالك إنك فقير أوي؟"، "أنا مش قادر أدّيك"، "نجوع بس نبني بلدنا".. بهذه العبارات وأمثالها رسم الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خطوطه الاقتصادية المعروفة، فالدعم من الكبائر، والدولة تاجر عقاري لا يساوم، والمواطنون أهداف لاعتصار الأموال لصالح المشاريع القومية التي ستأتي بالرخاء ذي المستقبل غير المحدّد، فتارة هو بعد عامين، وتارة هو في الجيل القادم.
فجأة انهار السد، ولأول مرة يتغير الخطاب الرئاسي بتصريحات السيسي عن متابعته ملف المحذوفين من بطاقات التموين. وبالفعل، أعلنت الوزارة فوراً أنها أعادت 1.8 مليون مواطن إلى البطاقات، بعدها صدر قرار تخفيض أسعار الوقود بنسبة طفيفة، لكنه يظل التخفيض الأول منذ اختراع الوقود كما قال متندّرون. وشهد الملف السياسي تغييرات خطابية درامية، فلأول مرة نشهد عودة لعبة "انتقاد الحكومة وتنزيه الرئيس"، على ألسنة النواب والإعلاميين، وذلك بعد عهد من اختفاء تلك الممارسة الكلاسيكية، فالرئيس السيسي سابقا هو من قال إنه يختار هؤلاء الوزراء بنفسه، داعياً إلى عدم انتقادهم. وفي تصريح آخر، انتقد بحدّة استخدام صحيفة لمانشيت "منورة يا حكومة" تعليقاً على انقطاع الكهرباء. بل إن الكاتب ياسر رزق، المقرّب من السيسي، انتقد القبض على مجموعة قضية خلية الأمل من أعضاء الأحزاب الذين حاولوا الترشّح للانتخابات، وقال إن هذا كان خطأ ارتكبه أحد الأجهزة.
وكان للحريات الإعلامية نصيب أيضاً من "ثورة المجلس"، كما أطلق عليها رئيس البرلمان، فتتابعت التصريحات عن أهمية السماح للمعارضة بفرصٍ متكافئة، والابتعاد عن الصوت الواحد. كلكم يبكي فمن سرق المصحف!
لا حاجة للقول إن حديث الإصلاحات مرتبط بشكل مباشر بالحراك الشعبي الذي أطلقته مقاطع محمد علي. لقد وصل الإنذار بكل جدّية، حين وجدت أجهزة الأمن أن من بين أكثر من 2200 شخص تم القبض عليهم هناك أغلبية كاسحة ممن لا علاقة لهم مطلقاً بالسياسة، أو بكل الحركات السياسية.
لا ينبغي الإفراط في التفاؤل، للدولة المصرية خبرات طويلة متراكمة مع "الإصلاحات" الشكلية، فالرئيس أنور السادات بعد انتفاضة 1977 سحب قرارا رفع الدعم عن السلع، وحسني مبارك استهل عهده بوعود الإصلاح التي شملت الإفراج عن معتقلين، والقبض على فاسدين.
ويبدو أن سقف الإصلاحات المتوقعة محدود للغاية، تعديلات وزارية، ومقاعد برلمانية محدودة لمعارضة مُنتقاة. حين نطالع قائمة المقبوض عليهم بالأحداث أخيرا، بمن فيهم سياسيون إصلاحيون مثل خالد داوود، وحسن نافعة، وعبد العزيز الحسيني، وعبد الناصر إسماعيل، وذلك بعد زياد العليمي وحسام مؤنس والقائمة تطول، فإننا يمكن تصور ما يراه النظام "معارضةً إيجابية".
وفي المقابل، لا يصح الإفراط في التشاؤم، فصحيحٌ أن النظام المصري يتجاوز موجات المعارضة، واحدة تلو أخرى، عبر السنوات الأخيرة، لكنه يخرج من كل منها فاقداً المزيد من الشعبية والصورة الداخلية والخارجية. وصحيحٌ أن أثر المقاول المنشق، محمد علي، يشهد بعض التراجع، خصوصا بعدما ارتكب أخطاء إعلامية، مثل الإفراط في الظهور، والاستعجال في رفع السقف السياسي، وتراجع سرد وقائع الفساد في محتواه لصالح خطاب سياسي ليس منفرداً به. ولكن في المقابل لم يزل أثر الحجر الرئيسي الذي ألقاه، والأهم أنه يفتح الباب لاحتمالات ظهور أمثال له في المستقبل.
لا تقدّم الأنظمة التنازلات إلا مضطرة وتحت الضغط، وما أسهل أن تسحبها إذا زال. ولا تمنح إصلاحاتٍ، إلا لو كانت ترى أنها تقلل الخطر على استمرارها، وليس العكس. ولم يصل النظام المصري حتى الآن إلى نقطة تفاوض مع المعارضين، بل يمنح ما يريده لمن يريده من طرف واحد، ولعله إذا أدرك لاحقاً حاجته لطرف ثانٍ أن يجد هذا الطرف مسلحاً بضغوط حقيقية، وسقف إصلاحات جدّية، يتناسب مع الشارع لا يسبق ولا يتأخر، وهو واجب الوقت على المعارضة المصرية، على الرغم من حاجة ذلك لمعجزة البناء تحت القصف.
وكان للحريات الإعلامية نصيب أيضاً من "ثورة المجلس"، كما أطلق عليها رئيس البرلمان، فتتابعت التصريحات عن أهمية السماح للمعارضة بفرصٍ متكافئة، والابتعاد عن الصوت الواحد. كلكم يبكي فمن سرق المصحف!
لا حاجة للقول إن حديث الإصلاحات مرتبط بشكل مباشر بالحراك الشعبي الذي أطلقته مقاطع محمد علي. لقد وصل الإنذار بكل جدّية، حين وجدت أجهزة الأمن أن من بين أكثر من 2200 شخص تم القبض عليهم هناك أغلبية كاسحة ممن لا علاقة لهم مطلقاً بالسياسة، أو بكل الحركات السياسية.
لا ينبغي الإفراط في التفاؤل، للدولة المصرية خبرات طويلة متراكمة مع "الإصلاحات" الشكلية، فالرئيس أنور السادات بعد انتفاضة 1977 سحب قرارا رفع الدعم عن السلع، وحسني مبارك استهل عهده بوعود الإصلاح التي شملت الإفراج عن معتقلين، والقبض على فاسدين.
ويبدو أن سقف الإصلاحات المتوقعة محدود للغاية، تعديلات وزارية، ومقاعد برلمانية محدودة لمعارضة مُنتقاة. حين نطالع قائمة المقبوض عليهم بالأحداث أخيرا، بمن فيهم سياسيون إصلاحيون مثل خالد داوود، وحسن نافعة، وعبد العزيز الحسيني، وعبد الناصر إسماعيل، وذلك بعد زياد العليمي وحسام مؤنس والقائمة تطول، فإننا يمكن تصور ما يراه النظام "معارضةً إيجابية".
وفي المقابل، لا يصح الإفراط في التشاؤم، فصحيحٌ أن النظام المصري يتجاوز موجات المعارضة، واحدة تلو أخرى، عبر السنوات الأخيرة، لكنه يخرج من كل منها فاقداً المزيد من الشعبية والصورة الداخلية والخارجية. وصحيحٌ أن أثر المقاول المنشق، محمد علي، يشهد بعض التراجع، خصوصا بعدما ارتكب أخطاء إعلامية، مثل الإفراط في الظهور، والاستعجال في رفع السقف السياسي، وتراجع سرد وقائع الفساد في محتواه لصالح خطاب سياسي ليس منفرداً به. ولكن في المقابل لم يزل أثر الحجر الرئيسي الذي ألقاه، والأهم أنه يفتح الباب لاحتمالات ظهور أمثال له في المستقبل.
لا تقدّم الأنظمة التنازلات إلا مضطرة وتحت الضغط، وما أسهل أن تسحبها إذا زال. ولا تمنح إصلاحاتٍ، إلا لو كانت ترى أنها تقلل الخطر على استمرارها، وليس العكس. ولم يصل النظام المصري حتى الآن إلى نقطة تفاوض مع المعارضين، بل يمنح ما يريده لمن يريده من طرف واحد، ولعله إذا أدرك لاحقاً حاجته لطرف ثانٍ أن يجد هذا الطرف مسلحاً بضغوط حقيقية، وسقف إصلاحات جدّية، يتناسب مع الشارع لا يسبق ولا يتأخر، وهو واجب الوقت على المعارضة المصرية، على الرغم من حاجة ذلك لمعجزة البناء تحت القصف.