سقطة أمين عام مجلس التعاون
منذ زمن ليس قصيراً، والكاتب ينبه إلى أن الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي تحتاج إلى تفكيك وإعادة تركيب، لأنها بلا موقف من أي قضية من قضايا المجلس، سواء داخلية بينية أو خارجية. صحيح أن الأمانة العامة مجرد "سكرتارية كبيرة متضخمة للمجلس الوزاري الخليجي"، مهمتها حفظ ملفات وترتيب الاجتماعات الوزارية واستقبال الوزراء ووداعهم.
الأخطار السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية محدقة بدول مجلس التعاون الخليجي، وتحتاج إلى أمين عام له قدرات سياسية خلاقة وشخصية، يحترم الجميع رأيها، كما كان عبدالله بشارة في سابق عده، وجميل الحجيلان من بعده، موضع تقدير من الكل. والأمين العام الذي ليس له قدرة على التنبؤ بتلك المخاطر وإعداد الخطط الاستراتيجية لمواجهتها وتقديمها إلى قادة دول مجلس التعاون لتبنيها، ليس جديراً بأن يكون أمين عام لهذا التجمع الذي يعتبر أكبر وأهم تجمع اقتصادي عربي، إن لم يكن دولياً، وأكبر وأخطر موقع جغرافي قد يهدد أمن العالم وسلامه، إن اختل توازنه السياسي والاقتصادي. إنه قلب الأرض الأمني اليوم، ومن كل جهاته الجغرافية، يحيط به المتربصون، ومن يسيطر على هذه البقعة الجغرافية يسيطر على العالم.
(2)
في صباح يوم الخميس، الموافق 19 فبراير/شباط الجاري، في الساعة العاشرة بتوقيت الرياض، أعلن الأمين العام لمجلس التعاون، عبد اللطيف الزياني، رفضه "الاتهامات التي وجهها مندوب مصر لدى جامعة الدول العربية إلى دولة قطر بدعم الإرهاب"، وقال إنها اتهامات باطلة تجافي الحقيقة، وتتجاهل الجهود المخلصة التي تبذلها دولة قطر مع شقيقاتها دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية لمكافحة الإرهاب والتطرف على جميع المستويات. وكان هذا بيان حق لا لبس فيه، ومن واجبات الأمانة العامة أن تدافع عن مواقف الدول الأعضاء في هذا البيت الخليجي، وأن لا تنحاز لطرف من خارج إطار المجلس. ولنبين جوهر الخلاف القطري المصري حول فقرة من فقرات البيان الصحافي الذي صدر عن اجتماع المندوبين الدائمين لدى جامعة الدول العربية، نص الفقرة المتحفظ عليها من المندوب القطري تقول "الترحيب بالضربة الجوية التي قامت بها القوات الجوية المصرية على الأراضي الليبية"، لكنها لم تتحفظ على حق مصر في الدفاع عن نفسها بكل الوسائل. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، إذا كانت القوات الجوية المصرية التي قامت بالعدوان على ليبيا، بذريعة الانتقام من الذين قتلوا 21 مصرياً بلا ذنب اقترفوه، وإن مصر تعرف مواقعهم، فلماذا لم تنقذ الـ 21 مصريّاً قبل إعدامهم؟ والحق إن ما قامت به القوات الجوية المصرية يعتبر، في حكم القانون الدولي، عدواناً على سيادة دولة أخرى من دون تخويل دولي أو إقليمي. وللتأكيد، فإن دولة قطر قد دانت تلك الجريمة التي قام بها إرهابيون ضد مواطنين مصريين، وإن دولة قطر تقف مع شعب مصر للدفاع عن حقوقه المشروعة، لكنها لا ترحب بانتقام أعمى خارج الحدود المصرية. النقطة الثانية المتحفظ عليها قطريّاً تنص على "التحفظ على رفع الحظر على التسلح، فإن موقف قطر كان واضحاً في الاجتماع الوزاري المنعقد في 15 يناير/كانون أول 2015، بعدم تقوية فريق على فريق آخر، ولا يجوز رفع الحظر قبل نهاية الحوار الوطني الليبي وتشكيل حكومة وحدة وطنية ليبية". ما الخطأ في ذلك التحفظ؟ مصر تريد تسليح اللواء خليفة حفتر وجماعته المنشقين عن القيادة في العاصمة الليبية طرابلس الغرب، وهذا مرفوض دولياً، وقطر عضو في المجتمع الدولي.
(3)
في الخميس ذاته، قبيل الظهر، اختفى البيان، آنف الذكر، من موقع الأمانة العامة الإلكتروني، ثم أصدر الزياني بياناً ينفي ما قاله سابقاً، وقال "إن دول مجلس التعاون تؤيد كافة ما تتخذه مصر من إجراءات عسكرية ضد الجماعات الإرهابية في ليبيا، بعد العمل البربري الذي قام به تنظيم داعش الإرهابي بذبح 21 مصرياً في الأراضي الليبية". وكان حرياً بالأمين العام لدول مجلس التعاون، الزياني، إن أراد العودة عما سبق وأعلنه في الصباح أن يحذف من بيانه الثاني اسم ليبيا، الواردة في آخر الفقرة السابقة. والحق أن الأمين العام لم يكن متوازناً في بيانه الثاني، وكأنه لم يقرأ النص الأول، ولا الثاني، بعناية السياسي المحترف، ليختار كلماته بعناية.
(4)
ورد على بعض مواقع التواصل الاجتماعي أن البيان الأول، الصادر صباح الخميس، كان وارداً من خارج الأمانة العامة، وإذا كان ذلك صحيحاً، فإن البيان الثاني النافي للأول هو حقّاً أكثر وضوحاً بأنه صادر من خارج الأمانة العامة، وفي الحالتين، يتحمل السيد عبد اللطيف الزياني مسؤولية الاضطراب السياسي الذي أحدثه.
آخر القول: لو كنت أميناً عاماً لمجلس التعاون محل الزياني، لقدمت استقالتي فوراً، وبلا تردد، نتيجة ما حدث من اضطراب سياسي مخيف.