سفرياتي المشبوهة أيضاً وأيضاً
لماذا يتم التشويه؟ وهل يكون التشويه الإعلامي ناتجاً عن خطأ في وصول المعلومة، ويمكن وقفه بمجرد تصحيح المعلومة، أم أنه، دائماً، متعمد، وبأوامر من الجهات الأمنية التي تحكم مصر؟
كنت ساذجاً بعض الأوقات، عندما تصورت أنه ربما تكون هناك أخطاء غير مقصودة، وأنه يمكن تصحيح الخطأ بسهولة، بالظهور في وسائل الإعلام والتوضيح، أو إرسال بيان فيه المعلومات الحقيقية، أو حتى تقديم بلاغ للنائب العام، أو رفع قضية سب وقذف ضد الإعلاميين الذين يقومون بالتشويه الممنهج. ولكن، للأسف الشديد، من الصعب تصحيح المعلومات الكاذبة، أو توضيح الحقائق، إذا كانت هناك نيات لدى السلطة/ الأجهزة الأمنية، للتشويه المتعمد والممنهج. فالتشويه الذي تم ضد ثورة 25 يناير عموماً، وضدي، وضد حركة 6 أبريل خصوصاً، لم يكن عشوائياً، بل كان ممنهجاً، منذ اليوم الأول، والعيار اللي ما يصبش... يدوش، فقد كان مخططاً ومتعمداً أن تجيء اللحظة التي يتم التنكيل فيها بشباب الثورة وحبسهم، لتجد من يقول: أحسن.. دول خونة، وبيسافروا سفريات مشبوهة، ويستاهلوا الحبس بقانون التظاهر!
لم يكن من المصادفة أن يتم اختيار أسماء معينة لتشويهها في الأوساط الشبابية والشعبية، فعندما تجيء لحظة التنكيل تجد من يقول "يستاهلوا الحبس" عن اقتناع، "الزن على الودان أشد من السحر".
قبل أشهر، حضر عمرو موسى مؤتمراً في التشيك للحديث عن تجارب الشعوب، وكيفية دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم. مع احترامي الشديد للسيد موسى، إنه المؤتمر الذي حضرته قبل حبسي بأيام، المؤتمر نفسه والجهة الداعية نفسها. ولكن، عندما حضرت هذا المؤتمر في التشيك في أكتوبر/تشرين أول 2013، قامت الدنيا ولم تقعد. عشرات الصحف والبرامج كانت تتهمني بالعمالة والخيانة، لمجرد أني حضرت مؤتمراً في التشيك من تنظيم مؤسسة الرئيس الراحل، فاتسلاف هافيل، الذي كان له دور مهم في ثورة تشيكوسلوفاكيا 1989، لكنه المؤتمر نفسه الذي حضره عمرو موسى 2014، والجهة الداعية نفسها وكذلك الجلسات والحضور. ولكن، في 2014 كانت الصحف والبرامج نفسها تشيد بعمرو موسى وكرمه الشديد، لحضوره هذه المؤتمرات، و"إيش جاب لجاب، هل معك ختم النسر"؟
لا أقصد، هنا، أي إساءة لعمرو موسى الذي أكن له كل الاحترام والتقدير. ولكن، أقصد السخرية من الصحف والقنوات التي تقوم بالتشويه، بمجرد صدور الأوامر من الجهات الأمنية التي لا عمل لها سوى الكذب والتشويه.
حدثت قصة مشابهة في 2011، عندما سافرت إلى بولندا، لدراسة تجربة المائدة المستديرة التي حدثت بعد الثورة البولندية 1989، ولدراسة كيفية التنمية والبناء بعد الثورات، وكيفية تجاوز جروح الماضي وآلامه، والتطلع للمستقبل بدون انتقام.
وعلى الرغم من أن الدعوات كانت من الحكومة البولندية، وحضر معي شباب مصريون وتونسيون، وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية المصرية كانت على علم بتلك السفرية، كما أن وزير الخارجية المصري كان في بولندا في الوقت نفسه، وعلى الرغم من أن حديثي مع الحكومة البولندية كان عن تشجيع السياحة البولندية لمصر، وتشجيع الاستثمار في مصر، إلا أني أتذكر وقتها، أيضاً، أن وسائل إعلام مصرية كثيرة شنت هجوماً قذراً ضدي، وقالوا إنها سفرية غامضة ومشبوهة، على الرغم من علم الجهات الرسمية بها، وعلى الرغم من أنها كانت فعلاً لأهداف نبيلة. ولكن، لماذا هذه الازدواجية من الإعلام؟
السبب بسيط، والإجابة هي ختم النسر؛ فليس لدى السلطة في مصر والعسكر عداء مع الغرب، كما تزعم وسائل إعلام التطبيل، بل العكس تماماً، فالحكومة والعسكر في مصر يخطبون ود الغرب دائماً. ولكن، في الغرف المغلقة والوفود السرية، ومشكلة أجهزة السلطة مع من يتواصل مع الغرب من الشباب، أو المعارضة، أنه قد يقول ما ليس على هوى السلطة. ولذلك، هو ليس معه رخصة... ولم يفز بختم النسر.