سعر النفط يشعل مخاوف الشركات من أزمة غير مسبوقة

06 اغسطس 2015
شركات النفط تتقشف لمواجهة تهاوي أسعار النفط (أرشيف/Getty)
+ الخط -
بعد أن قلصت الإنفاق بمقدار 180 مليار دولار لمواجهة ركود من أسوأ ما عرفه القطاع في عشرات السنين، ما زالت شركات النفط تعاني نزيف السيولة وتنزلق أكثر في هوة الديون كي لا تمس توزيعات الأرباح النقدية التي تصرفها للمساهمين.

وينبئ انخفاض أسعار الخام، التي أصبحت بنزولها عن 50 دولارا للبرميل من خام برنت عند نصف ما كانت عليه قبل عام، بضرورة إجراء مزيد من التخفيضات في المشاريع الجديدة والعمليات القائمة. وقد تجد الشركات، التي تحاول بيع الحقول النفطية لتدبير السيولة، نفسها مضطرة إلى البيع سريعا وبسعر أقل مما كانت تأمله.

ولا توجد مؤشرات عن قرب تعافي أسعار النفط بشكل كفيل بإنقاذ شركات النفط، حيث تواصل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) الضخ بقوة في سوق متخمة بالمعروض، وذلك ردا على النمو الفلكي للنفط الصخري الأميركي.

ومن المتوقع، بحسب ما أظهره استطلاع حديث لآراء المحللين، أن يبلغ متوسط سعر برنت 60.60 دولارا للبرميل في عام 2015 و69 دولارا في عام 2017. وكانت وكالة الطاقة الدولية قالت، في فبراير/شباط الماضي، إنها تتوقع أن يتعافى السعر إلى 73 دولارا في عام 2020 مع انحسار تخمة المعروض.

ويقول المحللون في بنك الاستثمار "جيفريز" إن شركات النفط العالمية خفضت نقاط تعادل الإيرادات والتكاليف لديها 10 دولارات للبرميل، بعد الجولة الأخيرة من تخفيضات الإنفاق، لكنها مع ذلك بحاجة إلى سعر يبلغ 82 دولارا للبرميل في 2016 لتغطية الإنفاق والتوزيعات التي كانت نقطة الجذب الرئيسية للاستثمار في القطاع منذ عقود.

وقال "جيفريز" في مذكرة نشرها أمس الأربعاء: "لتغطية النقص سيعمد القطاع إلى زيادة الاقتراض. ورغم أن الاستدانة في القطاع ما زالت تحت السيطرة، فإنها ممارسة لا ينبغي المضي فيها إلى ما لا نهاية".

وتستفيد شركات النفط الكبرى مثل "رويال داتش شل" و"شيفرون" و"توتال" من أرباح عمليات التكرير.

ومن المتوقع، بحسب "ريستاد إنرجي" الاستشارية، التي يوجد مقرها في العاصمة النرويجية أوسلو، أن يتراجع الإنفاق في العام القادم بنسبة تتراوح ما بين 5% و15% بناء على سعر النفط. واستغلت شركات النفط الكبرى في العالم نتائج الربع الثاني من العام لإظهار استعدادها لإجراءات أعمق وأشد إيلاما.

وقال بن فان بوردن، الرئيس التنفيذي لشركة "شل"، إن "النبرة تغيرت".

كما أكد بوب دادلي، الرئيس التنفيذي لشركة "بي.بي"، أن "أسعار النفط ستكون منخفضة لفترة طويلة".

ويتمثل جزء من المشكلة بالنسبة لشركات النفط الكبرى في كون شركات النفط الوطنية الكبيرة ومنتجي النفط الصخري زادوا حصتهم من الإنتاج العالمي تدريجيا لسنوات، مما جعل الشركات تحت رحمة عوامل خارج نطاق سيطرتها.

ومن المتوقع أن تؤدي تخفيضاتها الاستثمارية الكثيفة إلى تقليص الطاقة الإنتاجية العالمية بمليوني برميل يوميا بحلول 2020، وفق "ريستاد إنرجي". لكن منتجي أوبك سيتدخلون لتعويض النقص.

ورأى دادلي، الأسبوع الماضي، بعد إعلان بي.بي عن تراجع الأرباح الفصلية بمقدار الثلثين تقريبا، أن الوقت الحالي "عصيب حقا للقطاع، وفي كل الأنحاء من أبردين إلى أنغولا وهيوستن... يشبه ذلك عام 1986".

اقرأ أيضا: ورطة أوبك

وكان يشير إلى ما حدث أواخر 1985 عندما هوت أسعار النفط إلى 10 دولارات من حوالى 30 دولارا على مدى ثمانية أشهر، مع قيام أوبك بزيادة الإنتاج لاستعادة حصتها من السوق إثر زيادة إنتاج الدول غير الأعضاء في المنظمة. وتجاوب القطاع عن طريق خفض الإنفاق بمقدار الربع تقريبا وتقليص العاملين بمقدار الثلث وفق بنك "مورغان ستانلي". وتعافت الأسعار تدريجيا على مدى العشر سنوات التالية مع نمو الطلب العالمي.

لكن تخمة المعروض قد تستمر لفترة أطول هذه المرة. فقد قال "مورغان ستانلي"، في مذكرة سابقة، إنه "إذا اقتفت أسعار النفط أثر المسار الذي ينبئ به منحنى الأسعار الآجلة... فسيكون هذا التباطؤ أشد من تباطؤ 1986".

وبحسب ريستاد، تعادل التخفيضات البالغة 180 مليار دولار نحو 20% مقارنة مع 2014. وأرجأت شركات النفط مشاريع تصل قيمتها إلى 200 مليار دولار، منها مشاريع صعبة وعالية التكلفة تحوي احتياطيات ضخمة، مثل رمال النفط الكندية، ومشاريع في المياه العميقة في أفريقيا وجنوب شرق آسيا والقطب الشمالي المتجمد.

ويقول مراقبون إن القطاع بحاجة إلى تحسين الكفاءة، بصرف النظر عن انخفاض سعر النفط، بعد أن ارتفعت تكاليف التشغيل إلى ثلاثة أمثالها على مدى الأعوام الخمسة الأخيرة.

ووجدت "بي.بي" سهولة أكبر في التأقلم مع تقلص أسعار النفط بمقدار النصف، لأنها باعت بالفعل أصولا قيمتها 45 مليار دولار، وخفضت التكاليف لتغطية التعويضات والغرامات الضخمة الناجمة عن حادث التسرب في خليج المكسيك عام 2010.

وقال جيسون جاميل، المحلل لدى جيفريز الذي يعطي بي.بي وشيفرون توصية بالشراء "من المرجح أن بي.بي هي الأكثر تقدما بين تلك الشركات على صعيد وفورات التكلفة".

وفي الوقت الحالي، تستطيع شركات النفط الكبرى تغطية النقص عن طريق زيادة الاقتراض الذي يعادل حاليا نحو 15% من قيمتها السوقية في المتوسط، وهي نسبة منخفضة نسبيا مقارنة مع القطاعات الأخرى.

واضطرت شركات التنقيب والإنتاج الصغيرة التي تفتقر إلى أنشطة تكرير كبيرة، مثل بريميير أويل وتالو أويل، إلى عدم دفع توزيعات أرباح نقدية هذا العام.

وقال مسؤولون تنفيذيون في تالو إن الشركة "أعادت ضبط النشاط"، كي تكون قادرة على المنافسة عند سعر للنفط يبلغ حوالى 50 دولارا. كما قلصت الشركة، التي تتركز أعمالها في أفريقيا، الإنفاق على المشاريع الجديدة وتحولت عن الآبار الصعبة لتركز على العمليات البرية والبحرية السهلة.

ويقول المحللون في مورننغ-ستار إن تالو دبرت تمويلا قبل انخفاض سعر النفط، وهو ما يعني أنه سيكون بوسعها تحمل تبعات التباطؤ لبعض الوقت. لكنهم قالوا إن معدل استهلاك تدفقاتها النقدية سيدفعها في نهاية المطاف إلى بيع أصول لن تدر مقابلا جيدا في ظل المستوى الحالي لسعر النفط.

كما أكدت مورننغ-ستار أن استثمارات تالو في اكتشافات نفطية كبيرة قيد التطوير "ستتطلب تمويلا رأسماليا أعلى من أن تستطيع شركة بحجمها توليده من عملياتها".

اقرأ أيضا: السعودية والكويت: خلاف يُهدر نصف مليون برميل نفط يومياً

المساهمون