الخلاف السعودي الإيراني والتوترات السياسية وراء الارتفاع الأخير في أسعار النفط

26 نوفمبر 2017
أوبك والمنتجون المستقلون سيجتمعون نهاية نوفمبر الجاري(Getty)
+ الخط -

يترقب تجار النفط ومصارف الاستثمار العالمية اجتماع منظمة "أوبك" والمنتجين المستقلين الذي سيعقد نهاية الأسبوع المقبل في فيينا لتحديد تمديد خفض الإنتاج الجاري من عدمه.

يأتي هذا الترقب في وقت قلل خبراء نفط من أهمية الاجتماع، بتأكيدهم أن ارتفاع أسعار النفط الذي حدث في الآونة الأخيرة لم يكن ناتجاً عن خفض الإمدادات أو حتى انخفاض مخزونات الخامات في الدول الرئيسية المستهلكة للنفط، وإنما بسبب التوتر السياسي في المنطقة العربية، خاصة المخاوف من تطور الملاسنات الجارية حالياً بين طهران والرياض إلى مواجهة عسكرية، وكذلك المخاوف من تداعيات عملية الاعتقالات في السعودية تحت مسمى "مكافحة الفساد" على الاستقرار السياسي في المملكة.

وكانت أسعار خام برنت قد بلغت أعلى مستوياتها أول من أمس الجمعة، حيث اختبرت حاجز 63 دولاراً للبرميل لأول مرة في التاريخ القريب، فيما اختبر خام غرب تكساس حاجز 58 دولاراً للبرميل.

في هذا الصدد نسب موقع "أويل برايس" الأميركي إلى استراتيجي الطاقة تود هورتيز قوله "إن ما حدث من ارتفاع في أسعار النفط يعود إلى مخاوف التجار من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وليس بسبب حديث أوبك عن تمديد خفض الإنتاج أو تقارير المخزونات".

ولاحظ هوريتز أن أسعار العقود الآجلة للشحنات النفطية ترتفع بمعدل أكبر من أسعار السوق الفورية".
ويقول الخبير هورتيز في قراءته لأسعار النفط إن ثمة فرصاً ضئيلة أمام خام غرب تكساس للارتفاع فق مستوى 60 دولاراً، بسبب العودة القوية لإنتاج النفط الصخري.

وأشار في هذا الاتجاه إلى أن احتمال انخفاض خام غرب تكساس إلى 40 دولاراً أقوى من احتمالات ارتفاعه إلى مستوى 60 دولاراً. وفي الاتجاه ذاته لقراءة سبب قفزة أسعار النفط أشارت تحليلات نفطية لمصرف "غولدمان ساكس" وبنك "ميريل لينش".

ومن المتوقع أن يسبب ارتفاع إنتاج النفط الصخري مشكلة لخام برنت، خاصة في دول آسيا التي تملك المصافي الحديثة المصممة على استهلاك الخامات الخفيفة قليلة الكبريت، مقارنة بالمصافي الأميركية من الجيل القديم التي صممت على استهلاك النفط الثقيل.

ووسط هذه الظروف تتجه الشركات الأميركية بكثافة إلى التصدير للاستفادة من السعر المرتفع الذي تحصل عليه في آسيا مقارنة بالسعر المحلي في أميركا.

يذكر أن العديد من الدول الآسيوية تفضل استيراد النفط الصخري على خامات الشرق الأوسط الخفيفة، لأن استيراد الخام الأميركي سيحل لها مشكلة عجز الميزان التجاري مع أميركا الذي أصبح معياراً في سياسة الرئيس دونالد ترامب، وبالتالي تبقى مخاوف ارتفاع إنتاج النفط الصخري سيفاً مسلطاً على "أوبك" خلال العام المقبل.

يذكر أن منظمة "أوبك" وروسيا وعدداً من المنتجين الكبار خفضوا إمداداتهم بنحو 1.8 مليون برميل يومياً منذ يناير/ كانون الثاني لتقليص تخمة المخزونات وبهدف دعم أسعار النفط.

ومن بين العوامل الرئيسية الأخرى التي ساهمت كذلك في دفع الأسعار إلى مستوياتها فوق 60 دولاراً، التوقعات المتفائلة بشأن النمو الاقتصادي العالمي، خاصة في دول الاستهلاك الرئيسية مثل منطقة اليورو والولايات المتحدة الأميركية ودول جنوب شرقي آسيا والصين. وعادة ما يساهم النمو الاقتصادي القوي في دعم الطلب العالمي على النفط الذي يقدّر حالياً بنحو 93 مليون برميل يومياً.

وفيما كان محللو أسواق النفط يجمعون في السابق على أن "أوبك" والمنتجين المستقلين خارجها سيمددون اتفاق خفض الإنتاج، إلا أنهم يعتقدون حالياً أن اجتماع فيينا في الأسبوع المقبل سيعمل على تأجيل التمديد إلى بداية العام المقبل.

ومن المقرر أن يلتقي المنتجون الرئيسيون للنفط من منظمة "أوبك" وخارجها في العاصمة النمساوية فيينا في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني؛ لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كانوا سيمددون الاتفاق بعد أن ينتهي أجله في نهاية مارس/ آذار المقبل.

وكانت التوقعات تشير إلى تمديد اتفاق الإنتاج لفترة تسعة أشهر أخرى، وهو ما تطالب به السعودية، التي تحرص على رفع الأسعار في العام المقبل حتى تتمكن من تسويق طرح حصة 5.0% من شركة أرامكو للمستثمرين الغربيين.


لكن يبدو أن الشركات الروسية ليست راغبة في تمديد خفض الإنتاج، خاصة أنها تعاقدت على كميات معينة مع السوق الصيني. وبالتالي فمن المتوقع أن يكون القرار الروسي هو المحدد لتوجهات المنظمة.

ولاحظت وكالة بلومبيرغ الأميركية، في تقرير يوم الجمعة، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بات المحرك الرئيسي لسياسات المنظمة البترولية وتوجهات الأسعار وليست السعودية كما كان في السابق.


وتنظر أسواق النفط حالياً إلى التصريحات الصادرة عن موسكو بشأن السياسات النفطية لقراءة مستقبل الأسعار أكثر من قراءتها التصريحات الصادرة عن وزير النفط السعودي خالد الفالح. وحتى الآن بعثت روسيا بإشارات متباينة بشأن دعمها تمديد اتفاق خفض الإنتاج.

ففي الوقت الذي تدفع فيه السعودية المنتجين صوب تمديد الاتفاق تسعة أشهر حتى نهاية 2018، وهو الموقف الذي أشارت إليه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على لسان وزير الطاقة الكسندر نوفاك، إلا أن روسيا التي تعتمد اعتماداً كثيفاً على إيرادات النفط قلقة من أن أي زيادة حادة في أسعار النفط قد يتلوها انهيار كبير، كذلك تتخوف على فقدان حصة من سوقها الصيني التي باتت تهيمن عليه.

وذكرت وكالة تاس الروسية للأنباء هذا الأسبوع أن شركات إنتاج النفط بحثت مع وزارة الطاقة الروسية تمديداً لمدة 6 أشهر فقط وليس 9 أشهر.

وكان وزير الاقتصاد الروسي ماكسيم أوريشكين، قد قال الخميس إن النمو الاقتصادي الروسي تأثر سلباً بالاتفاق لأنه خفض الاستثمار في القطاع. وذلك في أول تقييم سلبي صريح لتداعيات خفض الإنتاج على الاقتصاد الروسي.

ولدى روسيا مصالح سياسية أكثر منها اقتصادية في دعم القرار السعودي بخفض الإنتاج في يناير/ كانون الأول الماضي، وذلك ضمن سياسة المحاور المتعددة التي تتبعها في منطقة الشرق الأوسط لتقليل النفوذ الأميركي.

وحسب رويترز، ارتفعت أسعار النفط، يوم الجمعة، إلى أعلى مستوياتها في بورصة البترول في لندن، إذ سجل الخام الأميركي، من نوعية غرب تكساس أعلى مستوى في أكثر من عامين، مع تراجع الإمدادات في أسواق أميركا الشمالية بفعل إغلاق جزئي لخط أنابيب يربط بين كندا والولايات المتحدة.

وبلغ الخام الأميركي الخفيف 58.91 دولاراً للبرميل، وهو مستوى مرتفع لم يسجله منذ يونيو/ حزيران 2015، قبل أن يتراجع ليتم تداوله مرتفعاً بمقدار 83 سنتاً عند 58.85 دولاراً للبرميل. وتلقى خام غرب تكساس الوسيط الدعم من إغلاق خط أنابيب كيستون التي تبلغ طاقتها التشغيلية 590 ألف برميل يومياً، وهو واحد من أكبر أنابيب النفط التي تنقل النفط الكندي إلى أميركا.

وقال الخبير لدى "بي.في.إم أويل أسوسيتس" تاماس فارجا، إن إغلاق خط أنابيب كيستون حدث بسبب تسرب نفطي، وهو من عوامل دعم الخام الأميركي، فيما ارتفع خام القياس العالمي مزيج برنت 1.36 دولار، أو ما يعادل 2.2 % إلى 63.72 دولاراً للبرميل.


دلالات