سرقة القرن

30 يوليو 2018
+ الخط -
دلالة كلمة صفقة توحي بوجود طرفين مستفيدين في الأونة نفسها، وفي واقع الحال فالمهزلة التي نشاهدها توسم بأنها سرقة القرن، فهي تجري في وضح النهار وبشهادة شهود ليس لهم من الأمر إلا الشهادة تحت ضغوط النفوذ الأميركي والغربي، هذه الضغوط التي تهدف لإضعاف الطرف العربي، وإجباره على تقبل الأمر الواقع، من خلال جولات الثنائي الأميركي جاريد كوشنر مستشار ترامب، وجيسون غرينبلات مبعوث السلام الخاص بالشرق الأوسط.

فمن المعلوم أنه ومنذ عقد كامل انتهى دور الوسيط الأميركي النزيه، أما في عهد ترامب الأشقر فقد بات الانحياز الأميركي للاحتلال الصهيوني كاملاً لا يتطلب دليلاً، مما يجعل الإدارة الحالية بقيادة ترامب هي الإدارة الأقرب للاحتلال الصهيوني عبر تاريخ الصراع الطويل، فمجرد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة للاحتلال، ونقل السفارة الأميركية إليها يعد بمثابة إخراج للقدس من دائرة التفاوض، كما هو الحال بالنسبة لموافقته على ضم الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وفي هذا السياق يتضح حجم اختلاف الرؤية المتعلقة بنسبة الضم، هل هي 15 أم 10 في المائة، في الوقت الذي يحرص فيه الاحتلال الصهيوني على التعاون الأمني وترسيخ المفاهيم الأمنية.

ومعلوم أن ترامب بصفعته هذه يسوّق لنفسه في الداخل الأميركي بمنجزات تتمثل في الحد من سيل المهاجرين، والانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران ومن معاهدة اتفاقية التجارة الحرة مع الصين وبقية الدول، والمفاوضات الشاقة مع كوريا الشمالية، وممارسة الضغوطات على الدول العربية، وفي المقدمة منها مصر والخليج العربي بهدف تكوين خصوصية سياسية جديدة للقطاع والضفة، وكل هذا يبين لنا أن صفقة القرن بحد ذاتها مسرحية مطبوخة تستهدف القضية ككل، وتكليف دول الطوق العربي بالمشاهدة، والتصفيق للطباخ الأميركي، بدليل تحجيم الإعلام في هذه الأونة كي لا يعرف أحد عن حقائقها المستترة، وتعريض الخليج لعدة ابتزازات متتالية من قبل العم سام، في الوقت الذي تعرف فيه أميركا مسبقاً بأن ردة فعل العرب ما هي إلا ظاهرة صوتية، تبدأ عالية ثم تتلاشى رويداً رويداً، أما بخصوص الشعب الفلسطيني فيطلب منه العمل على توحيد الخلل في القيادة.


وبالنظر للسرقة أو ما يسمونها الصفقة يتبين للعالم مقدار الظلم فيها، فبالنسبة للقدس يتم اختصارها في أبوديس، والخداع عبر خطوة الانسحاب الجزئي من بعض أحياء القدس الشرقية، وعدم الانسحاب في اللحظة نفسها من المستوطنات التي تملأ الدنيا ناهيك عن إيقافها وتفكيكها، والضغط على وكالة الغوث الدولية من أجل تقليص خدماتها، واقتصاص المبالغ المخصصة لها، وتكليف الخليج العربي "البقرة الحلوب" بالتزويد المالي مع تقديم تسهيلات لقطاع غزة من عدة جوانب، من ضمنها تطويل فترة العبور من المعابر، ووضع أجندة للمشاريع من مثل إنشاء محطة كهرباء ومحطة تحلية المياه والشروع في بناء ميناء بحري، وغير ذلك من التحسينات التي لم تظهر هكذا من فراغ.

ليس صحيحاً أنه ثمة أفق سياسي، بل ثمة تآمر على القضية الفلسطينية، وتقديم القدس بشطريها للاحتلال الصهيوني، أما التعلق العربي بقرارات مجلس الأمن 242 و338 فهذا يعد من السذاجة السياسية المبالغ فيها، في ظل خيبة متتالية عبر عقود سواء في مدريد أو أوسلو أو كامب ديفيد 2000 أو طابا أو خارطة الطريق.

بنود الصفقة الظالمة للعرب
هذه الصفقة الحالية اختراق ممنهج يجري تلميعه على حساب تهميش الطرف العربي، وبناء علاقات جديدة في المنطقة لصالح الاحتلال الصهيوني، والإغراء بإمكانية التعاون والتكامل الاقتصادي مع حزمة من المزايا الاقتصادية والاستثمارات الأميركية والخليجية، وفوق هذا وذاك تجاهل ثوابت القضية الفلسطينية في العودة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وجعل أبوديس الواقعة شرقي القدس بمثابة العاصمة، والإبقاء على بلدة القدس القديمة تحت سيطرة الاحتلال الصهيوني، وتناول أزمة قطاع غزة من منطلقات إنسانية إغاثية تمويهاً وخداعاً، كمحطة توليد الكهرباء، والميناء البحري والمنطقة الصناعية الموعودة، والتخلي عن قضايا الوضع النهائي، وهي القدس، والمستوطنات، والحدود، واللاجئون، والمياه، والحل القديم المتمثل في وطنين قوميين، والاعتداء على النفوذ الأردني في القدس، والزعم بترك هامش لحرية العبادة، وبالتالي نحن هنا إزاء اختصار قضية فلسطين الكبرى في قطاع غزة، وأنسنة قضايا اللاجئين، وعدم الانسحاب من المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة وفي محيط القدس.

تقوم سرقة القرن على صناعة قدس جديدة بمواصفات تتناسب مع الأوضاع الحالية، على أن تصبح المقدسات تحت الاحتلال بالكامل، مع إتاحة حق العبادة والوصول للأماكن الدينية، بمعنى إخضاع القدس بقسميها للاحتلال بصورة كاملة، مع تهميش الحضور العربي وحصر نفوذه في منطقة أبوديس وربما مخيم شعفاط وجبل المكبر وتجاوز قضايا الحدود واللاجئين، وتركها للتفاوض المستقبلي مع تصفية وكالة الغوث الدولية والتآمر على حق العودة الذي أثبتت المواثيق الدولية أنه حق قانوني ومقدس وممكن، وهذه براهين واضحة تؤكد الرغبة الأميركية في صناعة أوطان بديلة في الجوار العربي، وإيجاد خصوصية من نوع ما لقطاع غزة بحيث تعقد كونفدرالية ثنائية بينه وبين الضفة الغربية، ليترتب على ما سبق صناعة كيان شبيه بالدولة لكنه منتزع السيادة، وله امتداد في دول الجوار العربي سواء الأردن أم مصر، مع تقديم نوع من الحوافز والمكافآت، وعقد مؤتمرات دولية لإضاعة الوقت، وتنسيق الكلام ونثر الحبر على الورق، وتدفق المال على الاحتلال الذي سيكسب كثيراً من جراء ذلك بحصوله على الشرعية السياسية والجغرافية والدينية، وتصبح هذه الصفقة بالتالي إقراراً ساذجاً بما مضى من احتلال، وكأنها فرض للأمر الواقع وإكسابه الشرعية ( يعني مهزلة في مهزلة)، أما بخصوص الأمم المتحدة فيجري تهميشها وإنهاء دورها الذي كانت تمارسه على الدوام، ومن هنا فإن الرد العربي ينبغي أن يكون موحداً تحت مظلة موحدة وجهود دبلوماسية تستفيد من سلطات ونفوذ الأصدقاء جميعهم، وقبل هذا وذاك ينبغي إصلاح البيت الفلسطيني الداخلي، من خلال إنهاء الانقسام الحاصل وتوحيد الجهود ورفض السياسة الخاطئة وتجاهلها، والبعد عن التعابير الإنشائية في ردة الفعل، فلسنا بحاجة لمواضيع تعبير ووطنيات كتابية وأشعار لا تسمن ولا تغني من جوع، ونحن نعلم التآمر على القضية الهادف لإقرار معاهدة أوسلو جديدة ترمي لتصفية القضية كاملة عن بكرة أبيها، وتهجير أصحاب الأرض لشمال سيناء وللشتات في أرجاء الأرض تكراراً لكل عمليات التهجير السابقة.

وفي المحصلة تكون الدولة الفلسطينية شبه دولة ميتة سريرياً منزوعة السلطة والسلاح وبدون جيش في نسخة مهجنة من نظرية حل الدولتين، مع تحويل غزة لقضية خدمات وإغاثة إنسانية، والتخلي عن قضايا الوضع النهائي، وكل هذا بحد ذاته تصفية مجانية للقضية الفلسطينية ككل.