أثارت حادثة سرقة تمثال من "حديقة أنطونيادس" في الإسكندرية، منذ أيام، سخرية واستهجاناً سبّّبهما تخبط ردود الفعل الرسمية وتناقضها، ومحاولة كلّ جهة رسمية إلقاء المسؤولية على غيرها، خصوصاً أن حالات الاعتداء على ممتلكات ذات قيمة أثرية أو ثقافية تتزايد في ظلّ الإهمال الحكومي المتواصل وعدم القدرة على حمايتها.
الجهات الأمنية سارعت إلى القول إنه لم يُقدّم إليها بلاغ بخصوص السرقة، مشيرة إلى أن الحديقة تتبع "معهد البحوث الزراعية" في المدينة، في إشارة إلى عدم مسؤوليتها عن فضاء عام يُفترض أن حراسة ممتلكاته واجب لا يخضع التقصير به إلى نقاش أو تبرير.
من جهتها، ذهبت "إدارة آثار الإسكندرية" إلى التبرير ذاته حول عدم ورود بلاغات إليها بخصوص الواقعة المذكورة، وإلى التأكيد على أن "التمثال لا يعدّ أثرياً، ولا يعود إلى العصر الروماني كما جرى تداول ذلك"، وهي تبريرات غير مقنعة بعد أن تقدّم القائمون على الحديقة ببلاغ رسمي إلى الأمن، تبيّن على إثره أن التمثال يتبع مديرية آثار أخرى في المنطقة تختصّ في التراث اليهودي والمسيحي والإسلامي.
الخلاف حول "أثرية" التمثال وقيمته التاريخية لا يشكّل سوى ذريعة واهية، حيث أن الآثار المسجّلة رسمياً تتعرّض أيضاً لنهب متواصل، فقد شهد "متحف المنيا" العام الماضي اعتداءً وسرقة أكثر من ألف قطعة من مقتنياته وتكرّر الحال في "المتحف المصري" في القاهرة، وأماكن أخرى.
طوال اليومين الماضيين، ساد الإرباك كافّة الجهات المعنية بحماية التراث المصري، وبالوقوف عند واجباتها عند تعرّضه لأي انتهاك، حتى أن بعضها ذهب بداية إلى تكذيب الحادثة جملة وتفصيلاً، مدّعية أن حجم التمثال ووزنه الثقيل يحولان دون نقله من مكانه، ليتبيّن أن "الخفة" و"الثقل" مسألة نسبية ليست في السرقة فقط، إنما في تحمّل الواجب والمسؤولية أيضاً.
يُذكر أن "حديقة أنطونيادس" تضمّ مجموعة كبيرة من التماثيل الرخامية النادرة الكاملة الحجم لشخصيات أسطورية، وتعدّ أقدم حدائق الإسكندرية التي تعود ملكيتها لأنطوني أنطونيادس، وهو أحد أثرياء المدينة ذوي الأصول اليونانية، الذي نفّذ وصية والده بإهداء الحديقة وقصر يتبع للعائلة إلى بلدية الإسكندرية عام 1918.