سد النهضة: تململ مصري من إدارة المفاوضات

06 يوليو 2020
تتمسك إثيوبيا بموقفها بشأن السد (إدواردو سوتيراس/فرانس برس)
+ الخط -

 

توجّه شخصيات عدة في الدوائر الدبلوماسية والحكومية المصرية، انتقادات كثيرة داخل الغرف المغلقة للطريقة التي تدار بها المفاوضات الفنية الحالية حول قضية سد النهضة الإثيوبي، برعاية الاتحاد الأفريقي وجنوب أفريقيا، وبحضور نحو 12 مراقباً للمفاوضات بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، من بينهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي.
وقالت مصادر في وزارتي الخارجية والري، لـ"العربي الجديد"، إن الأطراف الثلاثة انخرطت، منذ الجمعة الماضية، في محاولات على مدار ساعات طويلة لإيصال المعلومات الكاملة بشأن موقف كل منها في القضية للمراقبين غير المتخصصين، والذين لم يكونوا متابعين للقضية منذ بدايتها، ما يهدر مزيداً من الوقت، بينما تمضي الأيام من مهلة الأسبوعين التي حددتها القمة الأفريقية المصغرة لإنهاء هذه الأزمة، بالتوصل إلى اتفاق مُلزم يحكم قواعد ملء وتشغيل السد.

عقدت الوفود الفنية للدول الثلاث لقاءات ثنائية تعريفية بمواقفها مع وفود الدول المراقبة

 

وعقدت الوفود الفنية للدول الثلاث أطراف القضية (السودان ومصر وإثيوبيا) لقاءات ثنائية تعريفية بمواقفها مع وفود الدول المراقبة، بناء على رغبة الأخيرة، وذلك على أمل تجميع أكبر عدد ممكن من الأفكار من تلك الدول، والتي قد تساهم في إيجاد حلول للمشاكل العالقة. بيد أن المصادر أكدت عدم ظهور أي مقترح فعال حتى الآن، حتى من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في انتظار ما ستؤول إليه المحادثات المباشرة، الأمر الذي يعطي انطباعاً عاماً بأن المفاوضات تتطلب قراراً سياسياً موحداً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومجلس السيادة السوداني ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد.
وبحسب المصادر، لم تسفر المناقشات، التي دارت في الأيام الثلاثة الماضية، عن أي حلحلة في أي أزمة، بسبب انخراط الجميع في التعريف بالقضية من جانب، وعدم طرح حلول وسط من جانب ثانٍ، وعدم رغبة الجانب الإثيوبي في التراجع، ولو لمربع واحد، عن مواقفه إزاء القضايا الفنية والقانونية، ما أعطى انطباعاً عاماً بين الأطراف المتفاوضة، وكذلك بعض المراقبين الذين سبق وحضروا جولات تفاوضية أخرى، بأن الرهان على ظهور الحل من طاولة التفاوض الفني هو محض خيال، وأن القمة الأفريقية المصغرة لم تنجح في تلافي إشكالية غياب الإرادة السياسية، وحصرت الحل في الشق الفني الذي لا يمكن تحميله بكل هذه الخلافات والاعتبارات.


وفي هذا السياق، قال مصدر سياسي إثيوبي مطلع من أديس أبابا، لـ"العربي الجديد"، إن هناك مجموعة من الخطوط الحمراء التي لا يمكن للمفاوضين الإثيوبيين تجاوزها في المرحلة الحالية، أبرزها أن يكون الاتفاق الذي ستتوصل إليه المفاوضات ملزماً، كاشفاً عن عقد أبي أحمد اجتماعات عديدة، خلال الأسبوعين الماضيين، في مقر الحكومة، بمجموعة من الخبراء القانونيين الإثيوبيين والأفارقة والعاملين في الاتحاد الأفريقي والمحاكم المنبثقة منه، وتلقى قائمة من النصائح، أبرزها الحذر من أي بند يضفي الطبيعة الإلزامية على الاتفاق. وبحسب المصدر، فإن النصائح القانونية أوصت باتّباع سياسة النفس الطويل في التفاوض، مع استمرار الاعتراض على أمر آخر إلى جانب الإلزام، وهو ذكر أي لجنة أو هيئة دولية دائمة ستُشكل خصيصاً بغرض فض النزاع القانوني بين إثيوبيا ومصر والسودان، وفي النهاية يتم اقتراح اللجوء إلى منظمة دولية (الخيار الأول للإثيوبيين هو الاتحاد الأفريقي) لتسوية الخلافات سياسياً وليس قانونياً.

تلقى أبي أحمد قائمة من النصائح، أبرزها الحذر من أي بند يضفي الطبيعة الإلزامية على الاتفاق


وذكر المصدر أن النصائح تتضمن أيضاً الامتناع عن الموافقة على أي بند يتضمن تحكيماً قانونياً، والتركيز فقط على أن تكون التسوية سياسية تماماً، كما هو منصوص عليه في اتفاق المبادئ المبرم بين الدول الثلاث في مارس/آذار 2015، لتلافي وصول أي قضية ذات صلة بالسد إلى مرحلة يكون فيها رابح وخاسر بالقانون الدولي وبقرار تحكيمي. وأشار المصدر إلى أن الموقف الإثيوبي في هذا الإطار لم يتم إعلانه رسمياً، ولكن تم ذكره ضمنياً خلال لقاءات عن بُعد جمعت ممثل إثيوبيا تايي أثقيلاسيلاسي بمندوبي الدول الأعضاء، وأن الموقف "مدعوم بشدة" داخل مجلس الأمن من الصين وروسيا وبلجيكا وجنوب أفريقيا والنيجر، لكن لا ترحب به باقي الدول.
يُذكر أنه في المقابل كانت الرئاسة المصرية قد أعلنت، في 26 يونيو/حزيران الماضي، أنه تم التوافق في ختام القمة الأفريقية المصغرة (التي حضرتها جميع الأطراف) حول سد النهضة، على تشكيل لجنة حكومية من الخبراء القانونيين والفنيين من الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، إلى جانب الدول الأفريقية الأعضاء بهيئة مكتب رئاسة الاتحاد الأفريقي، وكذا ممثلي الجهات الدولية المراقبة للعملية التفاوضية، وذلك بهدف الانتهاء من بلورة اتفاق قانوني نهائي "ملزم لجميع الأطراف" بخصوص قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، مع الامتناع عن القيام بأية إجراءات أحادية، بما في ذلك ملء السد، قبل التوصل إلى هذا الاتفاق، وإرسال خطاب بهذا المضمون إلى مجلس الأمن.
وانتهت المفاوضات الفنية حتى الآن إلى الاتفاق فقط على قواعد الملء الأول، وحجم التدفق البيئي، والمبادئ التوجيهية للملء الأول، والقواعد العامة لإدارة فترات الجفاف، وقواعد سلامة السد، والمساعدة في استمرار تشغيله، ودراسات التقييم، وموعد تطبيق تلك القواعد، وهي لا تتعارض مع البنود التي ما زالت في إطار التفاوض، والتي هي بطبيعتها أكثر تفصيلية، وأبرزها منسوب المياه المطلوب ضمان استمراره لبحيرة سد النهضة في حالات الشح المائي والجفاف الممتد.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمته خلال القمة الأفريقية المصغرة، أخيراً، إن "الحوار والتفاوض هو السبيل الوحيد لحل أزمة سد النهضة"، في رد واضح على اتهام إثيوبيا لمصر، في خطابها لمجلس الأمن، بأنها هددت أكثر من مرة باستخدام العمل العسكري. وفي المقابل، اتهم رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد "أطرافاً أجنبية" لم يسمها بـ"العبث بأمن إثيوبيا لتعطيل الإنجازات التي بدأ تحقيقها"، وذلك في أعقاب حادث اغتيال المغني الأورومي هاشالو هونديسا، وما تسبب فيه من اضطرابات عنيفة في مناطق تمركز شعب الأورومو بوسط وشرق إثيوبيا.
وسبق أن قالت مصادر مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن اتصالات دارت بين مصر والسودان وجنوب أفريقيا لمتابعة الوضع الإثيوبي عن قرب، بعد انتشار الاحتجاجات في ولايتي أوروميا وهراري، البعيدتين عن موقع إنشاء السد في ولاية بني شنقول شمال غرب إثيوبيا، إذ حذرت مصر من استغلال أديس أبابا للاضطرابات الداخلية لتعطيل المفاوضات مرة أخرى، مشيرة إلى استمرار إثيوبيا في أعمال تطهير الغابات حول السد وتطهير بحيرة تانا ورفع كفاءة انتقال المياه منها إلى وادي النيل الأزرق، الأمر الذي يؤكد انفصال قضية السد وتطوراتها نهائياً عن الأوضاع الداخلية المضطربة شرق البلاد.