يشكّل رفع مصر قضية سد النهضة الإثيوبي إلى مجلس الأمن الدولي آخر الأوراق الدبلوماسية في يد القاهرة، التي تجد نفسها في وضع صعب مع إصرار أديس أبابا على بدء ملء السد الشهر المقبل، لتقع القاهرة ضحية مسار طويل من الأخطاء التي ارتكبتها طيلة السنين الماضية، وتجد نفسها تصارع لمجرد دفع الطرف الآخر للتفاوض في ظل ضيق الوقت.
وكانت الخطوة المصرية أمس الأول الجمعة متوقعة، بإرسال خطاب "تنبيه وشكوى" رسمي إلى مجلس الأمن الدولي تدعوه فيه إلى التدخل لدعوة إثيوبيا للتفاوض بحسن نيّة تنفيذاً لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي، من أجل التوصل إلى "حل عادل ومتوازن" لقضية سد النهضة الإثيوبي. وجاء ذلك بعد ساعات من تصريحات حادة أطلقها وزير الخارجية الإثيوبي غيدو أندراغاشيو، أعلن فيها عزم بلاده ملء السد الشهر المقبل حتى إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان، واتهم القاهرة بأنها "تقامر سياسياً" وتسعى إلى "احتكار مياه النيل والموارد التي لن تتسول إثيوبيا للحصول عليها".
أما الخطاب المصري فطالب مجلس الأمن بمنع إثيوبيا من اتخاذ أي إجراءات أحادية قد يكون من شأنها التأثير على فرص التوصل إلى اتفاق، قاصداً بذلك الملء الأول للسد. واستند خطاب مصر لمجلس الأمن إلى المادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة التي تجيز للدول الأعضاء أن تنبه المجلس إلى أي أزمة من شأنها أن تهدد الأمن والسلم الدوليين، بعد شهر ونصف تقريباً من رفع خطاب للإحاطة ردت عليه إثيوبيا بالرفض وأيده السودان. وبالنظر إلى المادة التي تستند إليها مصر وكذلك المادة السابقة عليها في ميثاق الأمم المتحدة، فهي "تتيح لكل دولة عضو في الأمم المتحدة أن تنبّه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع أو موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعاً لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرّض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي".
ويكون لمجلس الأمن بعد تنبيهه عدة مسارات متاحة، كلها تنتهي بإصدار "توصيات" لها صفة إلزامية أدبية، أو "قرارات" تكون لها صفة إلزامية على الدول الأعضاء، فهو يملك في كل مراحل النزاع أن "يوصي" بما يراه ملائماً من الإجراءات وطرق التسوية، ولكن عليه أن يراعي ما اتخذه المتنازعون من إجراءات سابقة لحل النزاع القائم بينهم.
ومن أبرز المسارات المطروحة في حالة سد النهضة أن يوصي مجلس الأمن بإحالة الملف باعتباره منازعة قانونية إلى محكمة العدل الدولية، وذلك وفقاً للنظام الأساسي لها. وحتى ذلك الحين فإن هناك مساراً آخر يمكن لمجلس الأمن سلوكه وهو إصدار قرار بمنع إثيوبيا من ملء السد إلى حين الاتفاق، وذلك بموجب المادة 38 من الميثاق، ولكن بشرط وحيد، هو أن تتقدّم إثيوبيا باعتبارها الطرف المناوئ لمصر بطلب لتدخّل مجلس الأمن أيضاً، الأمر الذي ترفضه أديس أبابا حتى الآن.
وتعكس هذه المسارات عدداً من الثغرات في التحرك المصري يفاقم أثرها ضيق الوقت واندفاع إثيوبيا للملء الأول للسد. أولى هذه الثغرات أن الطلب في الأساس مقدّم لحمل أديس أبابا على التفاوض، وليس لمنعها من المضي قدماً في إنجاز المشروع وتشغيله، وهي نقطة قد يكون تطبيقها لمصلحة إثيوبيا التي تدّعي أمام الرأي العام العالمي أنها تنخرط في مفاوضات "شفافة وبحسن نيّة" ولا يفضح مزاعمها في هذا الإطار إلا الموقف السوداني المتوحد حالياً مع الموقف المصري في جزئية إلقاء اللوم على التعنّت الإثيوبي وتحميل أديس أبابا مسؤولية إهدار فرصتين جادتين للتفاوض والتوصل إلى اتفاق في ظرف 4 أشهر.
أما الثغرة الثانية فهي أن أي قرار له صفة الإلزام في هذا النزاع يتطلب إرادة مشتركة بين مصر وإثيوبيا، وهو ما لا يمكن أن يتوافر في ظرف زمني قصير، إلا بممارسة مزيد من الضغط الدولي عليها، امتداداً للتصريحات الإيجابية لمصلحة مصر التي أُطلقت نهاية الأسبوع الماضي من مجلس الأمن القومي الأميركي والبنك الدولي.
والثغرة الثالثة تتمثل في أن الاختراق الإيجابي المصري للدوائر الدبلوماسية الغربية ما زال محدوداً في مواجهة تعاطف واسع مع إثيوبيا في دول مؤثرة، بما في ذلك دول من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وكذلك عدم صدور أي تعليقات من الدول دائمة العضوية في صالح مصر عدا من الولايات المتحدة، ولهذا تبذل الدبلوماسية المصرية حالياً جهوداً مضنية، ولكنها متأخرة، لإقناع العواصم الكبرى كموسكو وبكين ولندن وباريس لإبداء مواقف دافعة للتفاوض الجاد وصولاً إلى اتفاق.
اقــرأ أيضاً
أما الثغرة الرابعة في الخطاب المصري ذاته فهي التركيز على إجراءات التوصل إلى مفاوضات ثم اتفاق أكثر من الموضوع نفسه، وهذا امتداد للاتجاه المصري القائم منذ عامين تقريباً، الطامح إلى إبرام اتفاق بالحدود الدنيا من المحددات وهو ما يُترجم في كل جولة تفاوض في صورة تنازل عن بعض المطالب والصياغات، كما حدث في المفاوضات الفنية الأخيرة الفاشلة الأسبوع الماضي، عندما قبلت مصر إعادة النظر في المسودة التي كانت قد وقّعت عليها منفردة في ختام مفاوضات واشنطن نهاية فبراير/ شباط الماضي.
ومن المقرر وفقاً للمادة 12 من ميثاق الأمم المتحدة أن الأزمة ستحجب عن الجمعية العامة إلى حين انتهاء مجلس الأمن من فحصها، إلا إذا طلب هو غير ذلك.
أما إذا انتقلت الأزمة إلى محكمة العدل الدولية، بتوصية من مجلس الأمن أو باتفاق بين الأطراف، فهناك عدة إشكاليات ستؤثر على هذا المسار، أولاها أن المحكمة في تصديها للنزاع سيكون تحت أنظارها بشكل أساسي اتفاق المبادئ الموقّع بين مصر وإثيوبيا والسودان في مارس/ آذار 2015 والذي أثبتت التجربة العملية معه خلال 5 سنوات أنه يصب في مصلحة أديس أبابا فقط، لا سيما بسبب الصياغات الفضفاضة وحمّالة الأوجه التي يعج بها الاتفاق، والطبيعة الاسترشادية التي يضفيها على العديد من الوثائق التي تبحث مصر اليوم عن ضرورة إلزاميتها. ويرجع هذا الأمر إلى أن المادة 38 من النظام الأساسي للمحكمة تتحدث في البند الأول منها عن ضرورة مراعاتها الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفاً بها صراحة من جانب الدول المتنازعة.
أما الإشكالية الثانية فهي طول الفترة التي قد تستغرقها عملية فحص المواقف القانونية لكل طرف، بناء على سوابق المحكمة التي تستغرق زمناً طويلاً، وهنا تطمح مصر إلى تشديد الضغط والترويج الدبلوماسي لصدور قرار مؤقت من مجلس الأمن بوقف الملء الأول للسد، وفي حالة عصيان إثيوبيا له، كما هو متوقع، فقد تتطور الأمور إلى خطوات أخرى غير سياسية، بحسب مصدر دبلوماسي مصري.
بينما تتمثل الإشكالية الثالثة في أنه إذا صدر قرار لصالح إثيوبيا من المحكمة فسوف تجد مصر نفسها في موقف لا تحسد عليه نتيجة انعدام الحلول الدبلوماسية والقانونية المباشرة، وعدم ملاءمة استخدام حلول غير سياسية بعد سلوك ذلك الطريق، ومن ثم فلن يتبقى إلا استجداء ممارسة الضغوط الاقتصادية على أديس أبابا، الأمر الذي تعيه الأخيرة جيداً ولذلك تصر على الملء السريع والمبكر للسد للبدء فعلياً في عدد من المشاريع التنموية المشتركة مع دول كبرى على حوض النيل الأزرق، والتي تُقلق بشدة مصر والسودان نظراً لتأثيرها المتوقع على حصص المياه.
وأكدت مصر في تنبيهها لمجلس الأمن "حرصها على التوصل إلى اتفاق يحقق مصالح الدول الثلاث ولا يفتئت على أي منها، وهو ما دعا مصر للانخراط في جولات المفاوضات المتعاقبة بحسن نيّة وبإرادة سياسية مُخلِصة. ومن هذا المنطلق، ونظراً لما تمثله مياه النيل من قضية وجودية لشعب مصر، فقد طالبت مصر مجلس الأمن بالتدخل وتحمّل مسؤولياته لتجنّب أي شكل من أشكال التوتر وحفظ السلم والأمن الدوليين".
من جهته، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس السبت، إن "الجيش المصري من أقوى جيوش المنطقة، ولكنه جيش رشيد، يحمي ولا يهدد، وقادر على الدفاع عن أمن مصر القومي داخل وخارج حدود الوطن"، وذلك خلال تفقده عناصر المنطقة المركزية العسكرية، في منطقة جرجوب بمطروح، بحضور وزير الدفاع القائد الأعلى للقوات المسلحة الفريق أول محمد زكي، ورئيس الأركان محمد فريد حجازي، وقادة الأفرع الرئيسية في الجيش.
ومنذ إعلان فشل المفاوضات ثار جدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي حول مدى ضرورة القيام بعمل عسكري ضد إثيوبيا، انخرط فيه عدد من الشخصيات الإعلامية والسياسية المحسوبين على النظام دافعين في اتجاه التحذير من خطورة التعامل العسكري مع الأزمة، والادعاء بأن إثيوبيا تستدرج مصر لضرب السد.
وكان السيسي قد صرح مطلع عام 2018 بأنه "لم تكن هناك أزمة من الأساس حول سدّ النهضة"، بعد اجتماع في أديس أبابا مع نظيره السوداني المخلوع عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايله ميريام ديسالين، على هامش حضورهم قمة الاتحاد الأفريقي. وخالف السيسي بذلك كل التصريحات الرسمية المصرية التي أبدى فيها المسؤولون قلقهم وغضبهم من تردي المفاوضات، وميل الخرطوم إلى مواقف أديس أبابا، وعدم مراعاتهما المخاوف المصرية من تفاقم الفقر المائي، ثم اعترف السيسي خلال المؤتمر الثامن للشباب الذي عُقد في سبتمبر/أيلول الماضي بصعوبة الموقف.
وكان لافتاً ومعبراً عن اتساع الفجوة بين أفكار السيسي والواقعية الإثيوبية، ما حدث خلال زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى مصر في يونيو/ حزيران 2018، عندما طلب منه بصيغة أبوية متعالية أن يقسم اليمين خلفه على أن إثيوبيا لن تضر بمصالح مصر المائية، وردد أحمد خلفه القسم باللغة العربية.
ولم تُصدر مصر إشارات أو بيانات تهاجم الإثيوبيين وتلمّح إلى استخدام حلول غير دبلوماسية إلا في الأشهر الثلاثة الأخيرة بعد مقاطعتهم جولة مفاوضات واشنطن الأخيرة، كان أبرزها عقد السيسي اجتماعاً في الثالث من مارس/ آذار الماضي بعدد كبير من القيادات العسكرية في مقر الأمانة العامة لوزارة الدفاع، على رأسهم وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي ورئيس الأركان الفريق محمد فريد حجازي، وتطرق البيان الرئاسي الصادر عن الاجتماع إلى "ضرورة التحلي بأعلى درجات الحيطة والحذر والاستعداد القتالي، وصولاً إلى أعلى درجات الجاهزية لتنفيذ أي مهام توكل إليهم لحماية أمن مصر القومي، وذلك في ظل التحديات الراهنة التي تموج بها المنطقة".
اقــرأ أيضاً
وكانت الخطوة المصرية أمس الأول الجمعة متوقعة، بإرسال خطاب "تنبيه وشكوى" رسمي إلى مجلس الأمن الدولي تدعوه فيه إلى التدخل لدعوة إثيوبيا للتفاوض بحسن نيّة تنفيذاً لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي، من أجل التوصل إلى "حل عادل ومتوازن" لقضية سد النهضة الإثيوبي. وجاء ذلك بعد ساعات من تصريحات حادة أطلقها وزير الخارجية الإثيوبي غيدو أندراغاشيو، أعلن فيها عزم بلاده ملء السد الشهر المقبل حتى إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان، واتهم القاهرة بأنها "تقامر سياسياً" وتسعى إلى "احتكار مياه النيل والموارد التي لن تتسول إثيوبيا للحصول عليها".
أما الخطاب المصري فطالب مجلس الأمن بمنع إثيوبيا من اتخاذ أي إجراءات أحادية قد يكون من شأنها التأثير على فرص التوصل إلى اتفاق، قاصداً بذلك الملء الأول للسد. واستند خطاب مصر لمجلس الأمن إلى المادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة التي تجيز للدول الأعضاء أن تنبه المجلس إلى أي أزمة من شأنها أن تهدد الأمن والسلم الدوليين، بعد شهر ونصف تقريباً من رفع خطاب للإحاطة ردت عليه إثيوبيا بالرفض وأيده السودان. وبالنظر إلى المادة التي تستند إليها مصر وكذلك المادة السابقة عليها في ميثاق الأمم المتحدة، فهي "تتيح لكل دولة عضو في الأمم المتحدة أن تنبّه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع أو موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعاً لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرّض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي".
ويكون لمجلس الأمن بعد تنبيهه عدة مسارات متاحة، كلها تنتهي بإصدار "توصيات" لها صفة إلزامية أدبية، أو "قرارات" تكون لها صفة إلزامية على الدول الأعضاء، فهو يملك في كل مراحل النزاع أن "يوصي" بما يراه ملائماً من الإجراءات وطرق التسوية، ولكن عليه أن يراعي ما اتخذه المتنازعون من إجراءات سابقة لحل النزاع القائم بينهم.
ومن أبرز المسارات المطروحة في حالة سد النهضة أن يوصي مجلس الأمن بإحالة الملف باعتباره منازعة قانونية إلى محكمة العدل الدولية، وذلك وفقاً للنظام الأساسي لها. وحتى ذلك الحين فإن هناك مساراً آخر يمكن لمجلس الأمن سلوكه وهو إصدار قرار بمنع إثيوبيا من ملء السد إلى حين الاتفاق، وذلك بموجب المادة 38 من الميثاق، ولكن بشرط وحيد، هو أن تتقدّم إثيوبيا باعتبارها الطرف المناوئ لمصر بطلب لتدخّل مجلس الأمن أيضاً، الأمر الذي ترفضه أديس أبابا حتى الآن.
أما الثغرة الثانية فهي أن أي قرار له صفة الإلزام في هذا النزاع يتطلب إرادة مشتركة بين مصر وإثيوبيا، وهو ما لا يمكن أن يتوافر في ظرف زمني قصير، إلا بممارسة مزيد من الضغط الدولي عليها، امتداداً للتصريحات الإيجابية لمصلحة مصر التي أُطلقت نهاية الأسبوع الماضي من مجلس الأمن القومي الأميركي والبنك الدولي.
والثغرة الثالثة تتمثل في أن الاختراق الإيجابي المصري للدوائر الدبلوماسية الغربية ما زال محدوداً في مواجهة تعاطف واسع مع إثيوبيا في دول مؤثرة، بما في ذلك دول من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وكذلك عدم صدور أي تعليقات من الدول دائمة العضوية في صالح مصر عدا من الولايات المتحدة، ولهذا تبذل الدبلوماسية المصرية حالياً جهوداً مضنية، ولكنها متأخرة، لإقناع العواصم الكبرى كموسكو وبكين ولندن وباريس لإبداء مواقف دافعة للتفاوض الجاد وصولاً إلى اتفاق.
أما الثغرة الرابعة في الخطاب المصري ذاته فهي التركيز على إجراءات التوصل إلى مفاوضات ثم اتفاق أكثر من الموضوع نفسه، وهذا امتداد للاتجاه المصري القائم منذ عامين تقريباً، الطامح إلى إبرام اتفاق بالحدود الدنيا من المحددات وهو ما يُترجم في كل جولة تفاوض في صورة تنازل عن بعض المطالب والصياغات، كما حدث في المفاوضات الفنية الأخيرة الفاشلة الأسبوع الماضي، عندما قبلت مصر إعادة النظر في المسودة التي كانت قد وقّعت عليها منفردة في ختام مفاوضات واشنطن نهاية فبراير/ شباط الماضي.
ومن المقرر وفقاً للمادة 12 من ميثاق الأمم المتحدة أن الأزمة ستحجب عن الجمعية العامة إلى حين انتهاء مجلس الأمن من فحصها، إلا إذا طلب هو غير ذلك.
أما الإشكالية الثانية فهي طول الفترة التي قد تستغرقها عملية فحص المواقف القانونية لكل طرف، بناء على سوابق المحكمة التي تستغرق زمناً طويلاً، وهنا تطمح مصر إلى تشديد الضغط والترويج الدبلوماسي لصدور قرار مؤقت من مجلس الأمن بوقف الملء الأول للسد، وفي حالة عصيان إثيوبيا له، كما هو متوقع، فقد تتطور الأمور إلى خطوات أخرى غير سياسية، بحسب مصدر دبلوماسي مصري.
بينما تتمثل الإشكالية الثالثة في أنه إذا صدر قرار لصالح إثيوبيا من المحكمة فسوف تجد مصر نفسها في موقف لا تحسد عليه نتيجة انعدام الحلول الدبلوماسية والقانونية المباشرة، وعدم ملاءمة استخدام حلول غير سياسية بعد سلوك ذلك الطريق، ومن ثم فلن يتبقى إلا استجداء ممارسة الضغوط الاقتصادية على أديس أبابا، الأمر الذي تعيه الأخيرة جيداً ولذلك تصر على الملء السريع والمبكر للسد للبدء فعلياً في عدد من المشاريع التنموية المشتركة مع دول كبرى على حوض النيل الأزرق، والتي تُقلق بشدة مصر والسودان نظراً لتأثيرها المتوقع على حصص المياه.
من جهته، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس السبت، إن "الجيش المصري من أقوى جيوش المنطقة، ولكنه جيش رشيد، يحمي ولا يهدد، وقادر على الدفاع عن أمن مصر القومي داخل وخارج حدود الوطن"، وذلك خلال تفقده عناصر المنطقة المركزية العسكرية، في منطقة جرجوب بمطروح، بحضور وزير الدفاع القائد الأعلى للقوات المسلحة الفريق أول محمد زكي، ورئيس الأركان محمد فريد حجازي، وقادة الأفرع الرئيسية في الجيش.
ومنذ إعلان فشل المفاوضات ثار جدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي حول مدى ضرورة القيام بعمل عسكري ضد إثيوبيا، انخرط فيه عدد من الشخصيات الإعلامية والسياسية المحسوبين على النظام دافعين في اتجاه التحذير من خطورة التعامل العسكري مع الأزمة، والادعاء بأن إثيوبيا تستدرج مصر لضرب السد.
وكان السيسي قد صرح مطلع عام 2018 بأنه "لم تكن هناك أزمة من الأساس حول سدّ النهضة"، بعد اجتماع في أديس أبابا مع نظيره السوداني المخلوع عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايله ميريام ديسالين، على هامش حضورهم قمة الاتحاد الأفريقي. وخالف السيسي بذلك كل التصريحات الرسمية المصرية التي أبدى فيها المسؤولون قلقهم وغضبهم من تردي المفاوضات، وميل الخرطوم إلى مواقف أديس أبابا، وعدم مراعاتهما المخاوف المصرية من تفاقم الفقر المائي، ثم اعترف السيسي خلال المؤتمر الثامن للشباب الذي عُقد في سبتمبر/أيلول الماضي بصعوبة الموقف.
وكان لافتاً ومعبراً عن اتساع الفجوة بين أفكار السيسي والواقعية الإثيوبية، ما حدث خلال زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى مصر في يونيو/ حزيران 2018، عندما طلب منه بصيغة أبوية متعالية أن يقسم اليمين خلفه على أن إثيوبيا لن تضر بمصالح مصر المائية، وردد أحمد خلفه القسم باللغة العربية.
ولم تُصدر مصر إشارات أو بيانات تهاجم الإثيوبيين وتلمّح إلى استخدام حلول غير دبلوماسية إلا في الأشهر الثلاثة الأخيرة بعد مقاطعتهم جولة مفاوضات واشنطن الأخيرة، كان أبرزها عقد السيسي اجتماعاً في الثالث من مارس/ آذار الماضي بعدد كبير من القيادات العسكرية في مقر الأمانة العامة لوزارة الدفاع، على رأسهم وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي ورئيس الأركان الفريق محمد فريد حجازي، وتطرق البيان الرئاسي الصادر عن الاجتماع إلى "ضرورة التحلي بأعلى درجات الحيطة والحذر والاستعداد القتالي، وصولاً إلى أعلى درجات الجاهزية لتنفيذ أي مهام توكل إليهم لحماية أمن مصر القومي، وذلك في ظل التحديات الراهنة التي تموج بها المنطقة".