بادرت رسّامة الكاريكاتير السورية المقيمة في السويد، سحر برهان، إلى مشروع فنّي متميّز مع زميلاتها السويديات، عنوانه "تبادل جدران". العنوان وحده مثير للفضول، فكيف إذا ارتبط بهذه الفنانة، التي تسخّر وقتها وموهبتها لقضايا حرية الشعب السوري ومساندة الثورة السورية ومجمل حراك الربيع العربي.
- ما هو مشروع "تبادل جدران"؟
هو مشروع فنّي يقوم على فكرة تبادل الرسومات الجدارية بين البلدان المختلفة، أي أنه يشبه تبادل الأعمال الفنّية والآثار بين المتاحف كمثال. من خلال تبادل الرسومات الجدراية، نتبادل أحلام الناس وطموحاتهم، التي رسموها على جدرانهم، آملين في عالم أفضل. إنّه مشروع يفتح الباب للتعاون والاندماج بين الشعوب، حيث الجدران وسيلة متاحة للجميع.
- هل من شروط للأعمال المتبادلة؟ هل يجب أن تكون هناك قواسم مشتركة؟
العكس هو الصحيح بالنسبة لنا، إذ أننا نفضّل أن تتضّح الفروقات بين هذه الأعمال. إننا عبر نقل رسم جدراي من مصر إلى السويد مثلاً، نبيّن الفروقات الفنية الظاهرة بين البلدين، حيث تبرز التباينات بين متطلّبات الناس في هذين البلدين المختلفين، كما أن أحد شروط التبادل هو أن يكون بين بلدين مختلفين كلياً إنْ بالثقافة، أو بطبيعة الحكم السياسي، أو بالمناخ والبيئة، أو بالعادات والتقاليد، والفروقات في التعامل مع الرجل والمرأة... الخ. هذا النوع من التباين لا يظهر جليّاً إذا قمنا بهذا المشروع الفنيّ بين بلدين متشابهين، مثل مصر والسودان مثلاً، أو مثل النروج وإيسلاندا.
- ما الهدف من تسليط الضوء على التباينات، وكيف تفيد الجمهور العربي والغربي؟
يعتمد المشروع على خلق علاقات مباشرة بين الناس في البلدان المختلفة المشاركة في التبادل، كي يتمكّنوا، وخصوصاً الشباب من بينهم، من التعرّف إلى بعضهم أكثر، مما يؤدّي تدريجياً إلى كسر الحواجز بين الشعوب، وبالتالي كسر الصورة النمطية عن الآخر، الذي يُسمَّى الغريب، تلك الصورة النمطية، التي تأسرنا في فكرة واحدة عن الشعب السويدي، مثلاً، حيث يعتقد الكثيرون أنّ الدولة السويدية توفّر لمواطنها كلّ ما يحتاجه، من دون تعب، وأنّ المواطن السويدي مرتاح إلى درجة أنّه ينتحر من الملل! وتلك الصورة النمطية عن الإنسان العربي، التي تأسر الإنسان الأوروبي بصورة استشراقية واحدة، تجعله يفكّر أن الشرق مليء بالجِمال والخيم والصحراء المترامية! نريد إظهار أنّ ما يعيشه المواطن الإنسان في بلد ما، هو في الواقع أكبر وأعمق بكثير مما نستطيع معرفته عبر وسائل الإعلام المسيّسة.
- لماذا اختيار الجدار بالتحديد؟ ما رسالته الرمزية؟
على الرغم من أنّ حقوق الإنسان في أوروبا تختلف عنها في الشرق الأوسط، نجد أنّ الناس هنا وهناك يستعملون الجدران بالطريقة نفسها، كي يعبّروا عن آرائهم وطموحاتهم. لطالما كانت الجدران وسيلة الإنسان الأبسط للتعبير، منذ عاش في الكهوف حتى يومنا هذا. فما الرسومات الجدراية في مغارة آلاسكو، جنوب فرنسا، والتي يرجع تاريخها إلى حوالى خمسة وثلاثين ألف عام، إلا أحد نماذج الرسوم الجدارية، التي استعملها الإنسان حينها، كي يعبّر عن خوفه من الحيوانات المفترسة، أو فرحه حين ينجح في صيد غزال أو ثور...
- كانت الجدران موجودة في قلب الحدث العربي منذ اندلاع الثورات، هل كان هذا المشهد ملهماً لك؟
بالتأكيد. للجدار سُلطة عامة فهو متاح للعموم كما يمكن أن يكون مجالاً لاحتكار السلطة. إن الرسومات، التي يقوم برسمها الفنانون، أو حتى غير المختصّين أحياناً، تؤثّر في الناس حيث هي موجودة في الشوارع العامّة ومتوفّرة لجميع الناس. إنها بمثابة معرض دائم. الرسومات الجدارية والغرافيتي معروضة بشكل طبيعي في الطرقات، ولسنا في حاجة إلى الذهاب إلى صالة عرض أو متحف لرؤيتها. مكانها هو الشارع حيث كان الحدث، وهي لا تعني كثيراً خارج مكانها كما تعني في الشارع. ومن هنا جاءت فكرة مشروع "تبادل جدران".
هكذا بدت جدارية "حرائر" بأنامل الفنانات السويديات (تصوير سفين أوكيه مولوند)
- كيف بدأتم وماذا أنجزتم حتى اليوم؟
في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، قمتُ مع مجموعة من الرسّامات السويديات باختيار رسم جدراي من شارع محمد محمود في القاهرة، وهو شارع متميّز، لعب دوراً مهماً في الثورة المصرية. كان الرسم الجدراي واحداً من أعمال الفنان المصري الشاب، علاء عوض. تواصلنا معه عبر الفيسبوك وسكايب، وأرسل لنا نسخة إلكترونية عن الرسم الجداري الذي اخترناه، وهو يمثّل مجموعة من النساء في الشارع، على نمط الرسومات الفرعونية القديمة، واسم اللوحة "الحرائر". تعرّضت الجدارية للتشويه المتعمّد لأجل طمس رسالتها التحرّرية والثورية، فقد تمّ مسح تلك الجدارية على مرحلتين، أوّلاً تمّ تشويه أجزاء منها والكتابة على الرسوم، وفي مرّة ثانية طمستها جهات حكومية بالطلاء في شهر يوليو/ تموز 2012. ولكنّها وجدت أخيراً لنفسها مكاناً في السويد، تحمّست الفنانات السويديات للجدارية وحكايتها، وقمن بالإعداد لنقل الجدارية كما هي تماماً. وتبنّى "متحف الفنّ" و"متحف العمل" في مدينة "نورشوبينغ" في السويد الفكرة، فقامت إدارتهما ببناء جدار مخصّص لنا كي نعيد الرسم عليه، كما كان في مصر تماماً، بالمواصفات نفسها، حيث كان عرض الجدارية خمسة أمتار وبلغ ارتفاعها مترين ونصف المتر. واستعملنا المواد نفسها من ألوان أكريليك. وكنّا نتواصل مع الرسّام أثناء مراحل العمل عبر الإنترنت، وكان إيماننا بحرية التعبير يدفعنا إلى العمل بجدّ كي ننهي العمل الفنّي، ليكون الافتتاح في يوم الليلة الثقافية في مدينة "نورشوبينغ". كان حافزنا الأساسيّ هو إيماننا بأنّه لا يمكن إيقاف الشعوب. إنّ ما يُمحى هناك، يظهر في أماكن أخرى على أيدي آخرين يؤمنون بالأفكار نفسها.
- ما فكرة جدارية "حرائر"؟
ما كتبه الفنان علاء عوض عن جداريته خير إجابة، فهو كتب التالي: "عبر هذه اللوحة المستوحاة من الجداريات الفرعونية، أردتُ إلقاء الضوء على دور المرأة الإيجابي في المجتمع المصري عبر التاريخ، ورسالتها في الدفاع عن الوطن بالعلم وقوّة الفكر. في الجدارية مجموعة من النساء تتبع كاهناً، يحملن برديّات تعبّر عن العلم والثقافة، سلاح المرأة في المجتمع المصري بل وفي العالم كلّه".
- كيف استقبل الجمهور الفكرة؟
انتهى العمل يوم 27 سبتمبر/ أيلول وحقّق المشروع نجاحاً كبيراً، حيث جاء أناس من مناطق مختلفة لرؤية الجدارية، وقمنا بفتح حوار عبر السكايب بين الزوّار السويديين والرسامات من جهة، وبين الفنّان، علاء عوض، من جهة أخرى. وقد اتّسع النقاش ليشمل المجتمع المصري والثورة، ودور المرأة المصرية في نهضة مجتمعها، وخوف السلطة من الفنّان، وأيضاً من سطوة الجدار!
- ما الخطوة التالية؟
ستكون الخطوة معاكسة، سننقل رسماً جدارياً من السويد إلى بلد عربي ما، علّ نتائج المشروع تثمر أكثر.
سحر برهان بعدسة سعد حاجو