تعاني السجون في موريتانيا اختلالات كبيرة بسبب اكتظاظها وسوء تسييرها وضعف الميزانية المخصصة لها، إضافة للمشاكل المتعلقة بالقضاء وعدم الإفراج عن السجناء الذين انتهت مدة محكوميتهم، ما تسبب في انتشار ظواهر الفرار الجماعي والتمرد وارتكاب الجرائم خلف قضبانها.
ويشكل إيواء السجناء مشكلة حقيقية، نتيجة ارتفاع أعداد المعتقلين، وقلّة أعداد السجون التي أصبحت بعض وحداتها تستوعب ما يفوق طاقتها، في الوقت الذي تحذر جمعيات حقوقية من انخفاض معدل المساحة المخصصة لكل سجين سنة بعد أخرى. كذلك تواجه إدارة السجون تحدياً كبيراً بسبب المشاكل المتعلقة باكتظاظ السجون، وأهمهما تطور صور الانحراف.
ويمثل الرجال نسبة 91 في المائة من أعداد نزلاء السجون، بينما يحتل الأحداث نسبة 7 في المائة من المساجين، وتمثل النساء نسبة 2 في المئة.
تمرد وفرار
ويقول الباحث الاجتماعي محمد أحمد ولد أيده، أن مشاكل السجون أثرت على نفسية وتكوين المعتقل بشكل يصعب معه التنبؤ بما سيقدم عليه حال خروجه من السجن، لافتاً إلى أن الانحرافات السلوكية التي تحدث داخل السجن تؤثر سلباً على الإدارة السلمية للسجون، التي من المفترض أن تسود المؤسسات السجينة، لعوامل متداخلة منها ما هو مرتبط بالسجن ومنها ما هو مرتبط بالسجين كفرد.
ويضيف في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الاكتظاظ وسوء التغذية وعدم الاهتمام بالتطبيب وقلة الفضاءات لممارسة الرياضة والأعمال اليدوية وتفشي الرشوة، كلها عوامل ساهمت في تحويل السجون من مؤسسات إصلاح وتأهيل إلى مؤسسات إقصاء وتخريج للمجرمين".
وعن الحوادث التي تعرفها السجون في موريتانيا من عمليات فرار جماعي وتمرد واعتقال الحراس للضغط على السلطات من أجل تلبية مطالب السجناء، يعتبر الباحث أن السلطات لا تعتمد مقاربات فعالة لمعالجة هذه السلوكيات، ما يدفع السجناء إلى التمرد والانحراف، خصوصاً أن تظلماتهم وشكاويهم لا تجد آذاناً صاغية عند الإدارة السجينة التي تكون في أغلب الأحيان حكماً وطرفاً في نفس الوقت.
وتعتبر تقارير منظمات حقوق الإنسان أن معاملة إدارة السجون تكرس التمييز بين السجناء، ما يدفعهم إلى التخطيط للهروب والاعتداء على الحراس لفرض مطالبهم. كما تطالب هذه المنظمات ومن بينها المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان بتشخيص صور الانحرافات التي تحدث في السجون وإشراكها في وضع مقاربة للمشاكل التي تعاني منها السجون.
كما تدعو إلى تكسير جدار الصمت بما يتعلق بالمؤسسات السجينة والقيام ببرنامج إصلاحي يستهدف موظفي السجون، وتطوير القوانين التي تضبط العمل داخل هذه المؤسسات. وترصد هذه المنظمات أشكالاً من سوء المعاملة داخل السجون منها العزل الانفرادي والتعذيب والمنع من الزيارة العائلية واستمرار الحبس رغم انتهاء مدة محكومية السجناء.
التغذية والخلوة الشرعية
يقول المحامي السالك ولد الشيخاني في حديثه لـ"العربي الجديد" إن سوء التغذية هو أكثر ما يعاني منه السجناء، حيث أنهم يعبرون دائماً عن استيائهم من الوجبات المقدمة إليهم، ويطالبون بوجبات نظيفة ومتنوعة أكثر من تلك التي تقدم لهم بشكل دائم والمكونة من الأرز والمعجنات.
ويضيف أن وجبات السجن تسبب للسجناء أوجاعاً وآلاماً هضمية، كما أن هناك أشخاصاً توفوا بسبب أمراض الجهاز الهضمي والأمراض التعفنية، معتبراً أن إطعام المساجين من الإشكاليات التي يجب حلها بأسرع وقت.
ويشير إلى أن أغلب السجناء يعتمدون على أسرهم، التي تعمل على توفير كل ما يحتاج إليه السجين وراء القضبان، بدءاً من الأكل والسجائر والأغطية وانتهاءً بشفرات الحلاقة والأدوية، ما يجعل عائلة السجين تعاني هي أيضاً من قسوة السجن وتبعات الاعتقال، ليس فقط في جانبه المادي بل أيضاً في المعاناة من منع الزيارة ومن التعب والإرهاق حتى إنهاء إجراءات الزيارة.
ويؤكد أن الاكتظاظ الذي تعاني منه المؤسسات السجنية له انعكاسات خطيرة على الحياة داخل هذه المؤسسات، كما أنه يرفع عدد جرائم الاستغلال المادي والاعتداء الجنسي وانتشار الأمراض.
وعن تطور الجريمة في موريتانيا والشريحة الاجتماعية التي تنتمي إليها أغلب السجناء، يقول المحامي: "إن الجريمة في موريتانيا مرتبطة أكثر بالعزوبة، وموجودة أكثر في المدن، ومنتشرة بشكل أكبر في وسط الذكور، وغير مرتبطة بالضرورة بالبطالة والفقر". ويرى أن أكثر أنواع الجرائم انتشاراً هي جرائم السرقة والضرب وتعاطي المخدرات والقتل، ويحذر من انتشار الجريمة المنظمة في الفترة الأخيرة، خصوصاً ما يرتبط منها بالإرهاب والتطرف وتجارة المخدرات.
وعن مطالب السجناء يقول المحامي، إنه من واقع احتكاكه بالسجناء يجد أن أكثر ما يطالبون به هو الغذاء المتكامل وتخصيص مرافق صحية مجهزة وبعيدة عن العنابر، وعزل المرضى العقليين والنفسيين عن باقي السجناء، وتمكين المتزوجين من الاستفادة من حق الخلوة الشرعية.
اقرأ أيضاً:8 قتلى بالسجون.. حصيلة أول شهر لوزير داخلية مصر