سجن من قماش

04 ابريل 2017
+ الخط -
اليوم، يتفتح البنفسج في جسدي، يتهشم جدار الذاكرة، أصبح عاريةً تماماً. أراكِ بوضوح، صرختك الأخيرة تشبه صراخي في زمانٍ ما. اعذريني لم أصرخ في الوقت المناسب، فضلت الصمت، لكنني تمنيت لو أنني صرخت.

أتساءل دوماً: كيف استطاعوا أن يُلبسوا جسدي كل هذه الذنوب؟ كيف وصلت همساتهم إلى أذني الصغيرة وباتت من أكبر مخاوفي؟ أمضي الليل باكية في سريري، أخفي البوح لأمي عن لمسات الغرباء العابرة على جسدي.

سأقول لها: لم يكن ذنبي. ستصدقني، ولكنها ستزيد عدد سنتمترات القماش التي تخفي أجزاءً من جسدي.

يوماً ما ضعت عن أمي بين زحام الركاب في حافلة تختنق الناس فيها من روائحهم العفنة وعقدهم السرية، غافلتني يدٌ غريبة بين الجموع، لمستني دون أن أشعر، كسارقٍ يحاول أن يأخذ قطعة منك دون أن تشعر، أقسمت لها أنني لم أشعر، إلا أن أمي لم تصدقني في ذلك اليوم وضربتني. 

تعلمت حينها الكتمان، وكرهت جسدي، أصبحت أخاف أن تمر الأيام وتكبر مفاتني، أمضيت الليل أصلي أن يبتر الله أثدائي. 

بنوا حاجزاً بيني وبين جسدي، وضعني وسط حلقات من الخوف، ولم يعلمني أحد كيف أدافع عن نفسي. اكتفوا بالدعاء "الله يبعد عن طريقك ولاد الحرام".

كبرت وأنا أخاف الازدحام، نوبات من الاختناق والضيق تصيبني في كل تجمع بشري، أظل محترسة متيقظة الحواس خائفة وحزرة. 

تصالحت مع جسدي، حضنت نفسي واستحقرت ضعفي، كيف لم أمتلك يوماً الشجاعة لضرب أحدهم! أخادع نفسي، ما زال الخوف يتملكني. لا مكان آمناً إلا رحم أمي. كيف قطعوا حبلنا الوحيد؟ ما زال جرحه يشعل جسدي، إنه يحرقني، أشعر بالنبوءة الآن.

لم أكن إلا بقعة طينٍ صغيرة تتمدّد في الوجود، عندما صعقني البرق خلق عندي الشعور، عشت في الألم وحيدة، وهكذا تكوّن الإنسان، ومن هنا بدأ الوجود.

C5F084F6-A7E2-4199-9335-20DEE4E8201B
C5F084F6-A7E2-4199-9335-20DEE4E8201B
نور عويتي

نور عويتي، كاتبة وصحفية فلسطينة سورية مقيمة في بيروت.

نور عويتي