عدا الناشطين البيئيين الذين أوقفتهم الشرطة الفرنسية بموجب قانون الطوارئ، الذي مُدّد حتى نهاية شهر فبراير/شباط عام 2016، ووضعتهم تحت الإقامة الإجبارية تحسّباً لمشاركتهم في التظاهرة الكبرى ضد قمة المناخ، فإن الأمر يبدو وكأن هذه القوانين الاستثنائية تستهدف الجالية المسلمة في فرنسا، كما تشعر على الأقل. ووفق آخر الإحصائيات التي أعلنت عنها وزارة الداخلية، فقد نفذت مئات عمليات التفتيش، فيما وُضع 354 آخرون تحت الإقامة الجبرية.
يسمح قانون الطوارئ للسلطات الفرنسية بـ"حظر تحرك الأشخاص" وتكوين "مناطق حماية أو أمن"، استناداً إلى قانون 3 أبريل/نيسان عام 1955 الذي أرسى هذا الإجراء الاستثنائي في بداية حرب استقلال الجزائر. وتجدر الإشارة إلى أن فرض حالة الطوارئ بعد 12 يوماً يعدّ أمراً غير مسموح به، إلا من خلال قانون يُصوّت عليه البرلمان ويحدد مدته. وينص على تنظيم تنقل وإقامة الأشخاص وإغلاق الأماكن المفتوحة أمام الجمهور ومصادرة الأسلحة، ويمكن أن يتجلى أيضاً من خلال "منع التجول وتفتيش المنازل والإقامة الجبرية".
أيضاً، يتيح قانون الطوارئ توقيف كلّ شخص "تمثّل تحركاته خطراً"، وإغلاق قاعات الحفلات وأماكن الاجتماعات، وتسليم مالكي الأسلحة أسلحتهم للسلطات، واللجوء إلى تفتيش إداري. ولم تَسلَم سوى وسائل الميديا من هذه الإجراءات.
حالة الطوارئ التي تشمل كامل التراب الفرنسي، ويمكن تطبيقها في منطقة معينة أحياناً، كما تشير الحالات الخمس التي طبّقت فيها (عام 1955 في الجزائر، وعام 1958 في الجزائر، وعام 1961 في الجزائر، وعام 1984 في كاليدونيا الجديدة، وعام 2005 في باريس وضواحيها بعد انتفاضة الأحياء الشعبية والضواحي)، تبدو أكثر تشدداً في باريس وضواحيها بالمقارنة مع المناطق الفرنسية الأخرى، أقله في ما يخص التظاهرات التي سمحت في مدن أخرى. لكن حين يتعلق الأمر بالمساجد والمراكز الإسلامية، فلا فرق بين باريس وغيرها.
ولا تتوقّف الإجراءات التي تلت الاعتداءات الإرهابية عند حدود فرض حالة الطوارئ، بل ثمة تعديل دستوري لقانون عام 1955، الذي اقترحه الرئيس فرانسوا هولاند أمام مجلسي الشيوخ والنواب، وقُدّم لمجلس الدولة على أن يعرض في 23 ديسمبر/كانون الأول الحالي أمام مجلس الوزراء، وينص على إدراج حالة الطوارئ وإسقاط الجنسية في النصّ المُؤسِّس للقانون الفرنسي. كذلك، يتضمن نظاماً انتقالياً للخروج من حالة الطوارئ من أجل العودة التدريجية إلى الحالة الطبيعية.
لكن الباحث الفرنسي جمال الحمري، الذي كان قد أصدر بياناً حذر فيه من التداعيات السلبية لحالة الطوارئ على العيش المشترك وعلى المسلمين الفرنسيين، أكد لـ "العربي الجديد" أن "هذه الإجراءات الجديدة التي سيتضمنها التعديل الدستوري، والتي هي محل انتقاد الكثير من القانونيين ومنظمات المجتمع المدني، لا يجب أن تنسينا القانون الصارم الذي صوّت عليه بعد الاعتداء على مجلة شارلي إيبدو، ويتعلق بالتجسّس على المواطنين الفرنسيين أو المقيمين على التراب الفرنسي بهدف مكافحة الإرهاب"، واصفاً إياه بـ "الترسانة القمعية غير المسبوقة". وأمل أن يرفضها المجلس الدستوري لأن "ثمة بعض الإشارات التي تمس الحقوق الأساسية للأفراد".
وما يثير القلق، بالإضافة إلى جميع هذه الإجراءات الصارمة، هو طبيعة النظام الانتقالي الذي سيعقب حالة الطوارئ، وخصوصاً أن أحداً لا يعرف، بحسب اعتراف وزير الداخلية برنار كازينوف متى ستنتهي، وإن كانت بعض التسريبات التي وردت في صحيفة "لوموند"، فد تحدثت عن نظام تنصت شامل.
اقرأ أيضاً: جمعيات إسلاميّة.. هذه تداعيات العمليات الإرهابية في فرنسا
كلّ هذا الضجيج من أجل تعديل دستوري ليس في حقيقة الأمر رهان جدي، لكنّه متعلّق بسياق الانتخابات الجهوية، لأن الدولة حين تكون في حالة طوارئ لا يكون أمامها أيّ عائق دستوري. وفي ما يتعلق بتجريد الأفراد من الجنسية الفرنسية، يقول الباحث إليامين ستّول إن "الجميع يعرف أن هؤلاء الإرهابيين الذين ضربوا بوجوه مكشوفة في العاصمة، ليس لديهم ما يخسرونه، بالإضافة إلى أنه ثمة ضوابط في القانون المدني الفرنسي تنظّم مسألة الجنسية وسحبها".
ويسأل: "ما الفائدة من وضع مسألة إسقاط الجنسية في الدستور الفرنسي، ما دام الدستور الذي وُضع مبدئياً لجمع الشعب وتوحيده، لا يتضمن شيئاً عن الجنسية؟". يضيف: "لا يجب أن تُتّخذ القرارات تحت وطأة الانفعال. لا يجب أن نكون سُذّجاً، فالمستهدَفون هم الفرنسيون من أصول إسلامية قبل غيرهم".
إلى ذلك، يصعب حصر المساجد وأماكن العبادة التي قصدتها الشرطة الفرنسية، علماً أن عدداً
من مسؤوليها يفضّلون ألا يتحدثوا عن الأمر إلى وسائل الإعلام. وإذا كان مسجد أوبيرفيليي قد تعرض للتفتيش باعتراف من وزارة الداخلية، فقد شمل الأمر مساجد عدة وقاعات للصلاة أغلق بعضها (سبعة على الأقل)، من بينها مسجد بوسولاي ومسجد أربرسل ومسجد فينيسو في ضواحي مدينة ليون، بالإضافة إلى أربع قاعات صلاة في مدينة نيس. يضاف إلى ذلك إغلاق مسجد "لانيي" في الضاحية الباريسية بدعوى توجهه السلفيّ، وحلّ ثلاث جمعيات ثقافية، ووضع 22 شخصا تحت الإقامة الجبرية ومنعهم من السفر. وهي إجراءات دافع عنها رئيس الوزراء مانويل فالس، أمام البرلمانيين، قائلاً إن "المسجد شهد عملية تجنيد مرشحين للجهاد في سورية".
وعلى الرغم من تأكيد القوات الأمنية أنه لا علاقة لهذه المساجد بالإرهاب، إلا أن المبرر الذي تقدمه يتمثل في "عدم احترامها قيم الجمهورية". في هذا الإطار، ليس غريباً أن تجد مسجد عمر بن الخطاب، الكائن في شارع جان بيير تامبو في منطقة كورون (باريس)، غير البعيد عن المكان الذي شهد الاعتداءات الإرهابية الأخيرة، والذي تعرض للتضييق خلال السنوات الأخيرة إلى درجة طرد السلطات الفرنسية لإمامه التونسي الأصل محمد همامي في 31 أكتوبر/تشرين الأول عام 2012، يُعلق على واجهته إعلانا يقول: "نصلّي من أجل باريس" و"ليس باسمنا".
اقرأ أيضاً: ثلاثة أيام لمكافحة الإسلاموفوبيا في أوروبا