سجن "الوادي الجديد"... مئات المعتقلين المصريين بلا حقوق

26 ديسمبر 2016
سجن الوادي الجديد (فيسبوك)
+ الخط -


كشف تقرير حقوقي عن ظروف الاحتجاز غير الآدمية والمخالفة للقانون، والانتهاكات الحقوقية التي تحدث داخل سجن "الوادي الجديد" غرب القاهرة، وعناء المسجونين وأسرهم في الحصول على حقهم في الزيارة أو المراسلة.

وفصل التقرير الذي أصدره "مركز عدالة للحقوق والحريات" بعنوان "المنفى" الكثير من المعلومات عن السجن الذي يعود تاريخ إنشائه إلى عهد الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، وكان يعرف باسم سجن "المحاريق/الواحات". وكان مخصصا للمعارضين السياسيين، وذلك قبل أن يتم إعادة بنائه وفقاً لطراز معماري أمني جديد تم اعتماده في عصر الرئيس السابق حسني مبارك، وهو سجن ناءٍ يبعد عن القاهرة 360 كلم، وعن الإسكندرية 900 كلم.

واعتمد التقرير على بحث ميداني و24 مقابلة شخصية مع سجناء سابقين، وأهالي سجناء حاليين، ومحاميين، في الفترة من سبتمبر/أيلول إلى ديسمبر/كانون الأول 2016.

وتضمن التقرير أيضاً التمييز الذي يتعرض له السجناء السياسيون مقارنة بالسجناء الجنائيين. إضافة إلى غياب الرقابة عن سجن "الوادي الجديد"، ممثلة في النيابة العامة أو قطاع مصلحة السجون. كما لم ترد أي إشارة للسجن في أي من تقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان في السنوات الثلاث الأخيرة؛ فضلاً عن عدم القيام بأي زيارات ميدانية إليه رغم ارتفاع عدد حالات الوفاة داخله، خاصة في فصل الصيف، حيث يستشعر مسؤولو السجن أنهم خارج إطار المحاسبة.

رحلة النزلاء إلى السجن القابع في مكان منعزل بالصحراء الغربية تبدأ في سيارات ترحيل مكدسة تستغرق ساعات طويلة للوصول إليه في ظل طرق متعرجة، وذلك في إطار ما يعرف باسم "التغريبة"؛ وهي نقل المساجين إلى أماكن بعيدة عن محافظاتهم، لزيادة معاناة الأهالي وعزلة المساجين.

ويتحدث التقرير عن "التشريفة"، أو حفلة الاستقبال، وهي سياسة عقابية متبعة في أماكن الاحتجاز التي تشرف عليها وزارة الداخلية، والغرض منها تأكيد السيطرة على المدنيين باعتبارهم أشخاصاً فاقدي الأهلية لا يتمتع أيهم بأية حقوق مدنية أو إنسانية، حيث يتم ذلك من خلال الإيذاء البدني والنفسي.

كثير من الروايات في التقرير تكشف عن أنواع الإيذاء التي يتلقاها السجناء السياسيون داخل سجن الوادي الجديد، يقول المحامي إسماعيل أحمد، وهو من سجناء تسعينيات القرن الماضي: "مرة خدوا مننا بطانية، فقلت لهم انتو أخدتوا البطانية بتاعتنا. فكان الرد: بتاعتكو؟ إذا كان انتوا أصلاً بتوعنا". ونقل عن أحد عناصر الشرطة بالسجن قوله للمعتقلين: "اوعوا تفتكروا إنكم هتطلعوا من هنا. إحنا عاملين لكم مدافن ورا السجن، علشان اللي يموت يطلع على القبر".

ما بعد التشريفة

ويتكرر التعامل السيئ مع المعتقلين في جميع السجون المصرية، حيث يرصد التقرير نقلاً عن والدة أحد المعتقلين ويدعى حسن: "شفت بعيني في أسيوط. كنت منتظرة (أمانات) ابني، كان في ترحيله ضابط اسمه مؤمن، قلعهم زي يوم ما ولدتهم أمهم، وبعد كده قال للمخبر: فتش".

وذكر المعتقل السابق يونس، أنه ورفاقه بعدما قضوا ليلة باردة في "عنبر الإيراد" مرتدين الملابس الداخلية فقط (الإيراد هي الغرفة التي يقضي بها السجين اليوم الأول له بالسجن وحتى عشرة أيام كنوع من الحجر الصحي). وبعد عملية التفتيش والمصادرة قام ضابط مباحث باستدعاء عينة عشوائية– كان يونس منهم- حفاة عراة أيديهم خلف ظهورهم ووجوههم في الأرض للتعرف عليهم وإلقاء التعليمات والتنبيهات، وأثناء ذلك تناوب عليهم خمسة مخبرين الضرب دون مراعاة أن بعضهم جاوز السبعين.

وتقول والدة المعتقل حسين: "كنا مرة في السجن، وفتح باب أمامنا، وشفنا ناس لسه مترحلين تقريبا عرايا والحرس نازلين عليهم رش بخرطوم ماء وضرب".

وتكررت الشكاوى من أن السجناء يتعرضون لحرق أمتعتهم أو سرقتها، وتتم هذه العملية أثناء التفتيش الذي يكون في غالب الأمر في اليوم التالي لوصولهم إلى السجن، ويحدث ذلك مصحوبا بوابل من الشتائم والإهانة. ويقوم الحراس بالاستيلاء على ما يرونه مناسباً للسرقة من متعلقات كالبطاطين والأموال، ويتم إخبار الأهالي أن الأشياء المسروقة تم حرقها.

ويرصد التقرير ظروف الاحتجاز غير الآدمية، حيث الزنازين غير الصحية والمملوءة بالمساجين المكدسين والتي يصل العدد فيها إلى 30 فرداً في الغرفة الواحدة، مع سوء التهوية، لدرجة قول شفيق: "كنا نرفع المصاب بضيق في التنفس أو الربو عند الشباك حتى يتنفس". ويقول سيد: "كانوا 3 شبابيك، ومروحة، ومع ذلك كان في ضيق تنفس نتيجة الزحام". كما أن المياه التي تدخل للسجناء هي مياه جوفية غير صالحة للشرب.

أما عن حقوق السجناء المشروعة عالمياً، والمعروفة بقواعد "نيلسون مانديلاً"، وهي التريض والتعليم والتغذية والاتصال بالعالم الخارجي ممثلاً في الزيارة والمراسلة، فبعضها يكاد يكون معدوماً في سجن الوادي الجديد وفقاً للتقرير.

وفي ما يتعلق بالعناية الطبية داخل سجن الوادي الجديد؛ فهي في أدنى مستوياتها، فالأطباء أصحاب ولاء لسلطة السجن وليس لمهنة الطبّ، وعندما يمرون لا يقومون بالكشف على المرضى بجدية. وإذا قاموا بالكشف وقرروا دواء لمريض، فإن الأدوية غير متوفرة، فضلاً عن إجبار الأهالي على التوقيع على وثائق تثبت أن ذويهم حصلوا على الأدوية، وفي الوقت ذاته تتعنت إدارة السجن في إدخال الأدوية من الخارج.

وتخضع الممارسة الطبية داخل مستشفى الوادي الجديد للأهواء السياسية. تقول زوجة المعتقل عبد الشهيد: "زوجي يعاني من (فتاق) في السرة، وفي إحدى المرات اشتد عليه الألم، وعندما كشف عليه الطبيب؛ سأله ضابط في السجن: ده سياسي، ولا جنائي؟ فلما أجاب بكونه سياسياً؛ طلب منه أن يأخذ المكنسة، ويقوم بتنظيف العنبر بالكامل وهو في قمة الألم".