وبدأ الجدل حول خروج الزنداني من اليمن إلى السعودية بعد الترويج إلى أن الأخير اجتاز نحو 30 نقطة تفتيش تابعة لجماعة الحوثيين، من دون أن يتم اعتراضه. وقد كان من الخطط التي اعتمدها، تغيير لون لحيته المعروف بالأحمر عبر عدم صبغها بـ"الحنا"، ما جعلها تظهر بيضاء للمرة الأولى، بحسب ما كشفته الصور التي بثت بعد وصوله السعودية عبر منفذ "الوديعة" في محافظة حضرموت.
وبوصول الزنداني إلى السعودية، يكون قد كسر العزلة التي وقعت بينه وبين السعودية منذ عام 1990، على الرغم من زيارات سريعة قام بها في مناسبات دينية في الأغلب. وقد ترافقت الزيارة الأخيرة، مع حملة تعرض لها من عديد من منتقديه الذين يرون فيه رمزاً للتيار الديني المتشدد في اليمن. وليس من المعلوم، حتى الآن، ما إذا كان الرجل سيؤدي دوراً في الفترة المقبلة في التعبئة الشعبية ضد الحوثيين من مقر إقامته الجديد في المملكة، أم أنه سينضم إلى عديدين نجوا بأنفسهم وآثروا الصمت، وخصوصاً بعد أن كان أبرز الذين حشدوا لحرب صيف 1994، موجداً لها المبررات الدينية من خلال الفتاوى والتحريض ضد النظام الاشتراكي في الجنوب.
وجاءت أهمية موضوع مغادرة الزنداني إلى السعودية على خلفية أمنية وسياسية، إذ إن الرجل من أبرز المطلوبين بشكل غير معلن، للحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، بوصفه أخطر اسم كان من الممكن أن يصلوا إليه، في ظل حملتهم التي شملت اعتقال المئات من قيادات حزب الإصلاح والقوى المؤيدة لـ"عاصفة الحزم"، مثلما أن الزنداني كذلك، مصنفٌ لدى وزارة الخزانة الأميركية ضمن قائمة المشتبهين بدعم الإرهاب على خلفية مشاركته سابقاً مع "الجهاديين" في أفغانستان.
اقرأ أيضاً تحرير عدن: فصول من اجتياح المليشيات وانتفاضة "المقاومة" والجيش
ومع دخول الحوثيين صنعاء، كان من أبرز الأهداف التي هاجموها "جامعة الإيمان" ومقرات عديدة لحزب الإصلاح، كما اقتحموا منزل الزنداني، بينما اختفى الأخير ولم يكن الكثيرون يعلمون مكان إقامته، حتى انتقل إلى السعودية الخميس الماضي، في رحلة أثارت الكثير من اللغط، حيث كشف أنه كان متواجداً في مدينة تعز، منذ أشهر. وتقول مصادر مقربة منه لـ"العربي الجديد"، إنه كان موجوداً في مأرب قبيل انتقاله إلى تعز.
وكان الزنداني، أعلن، في منتصف أبريل/نيسان الماضي، تأييده "عاصفة الحزم" بوصفه رئيساً لهيئة علماء اليمن، وهو منصب يشغله إلى الآن.
كما دعا الزنداني إلى "النفير العام" لدعم "الشرعية" والتجنيد الإجباري، وتشكيل لجان شعبية في المدن والقرى اليمنية كافة لمواجهة الحوثيين ومن يقاتل معهم.
ويعد الزنداني (من مواليد عام 1938)، الاسم الأول الذي يرتبط مع ذكر الإسلام السياسي في اليمن، وهو أبرز الوجوه الدينية في البلاد بشكل عام، بدأ مسيرته التعليمية من صنعاء ثم انتقل إلى عدن، ثم إلى القاهرة، حيث درس "صيدلة" مدة عامين، وارتبط بجماعة الإخوان المسلمين، ليصبح بعدها أحد أبرز رموز الجماعة في اليمن، حيث عاد إلى صنعاء بعد ثورة سبتمبر/أيلول 1962.
تقلد الزنداني مناصب في وزارة التربية والتعليم والتوجيه والإرشاد، قبل أن ينتقل إلى السعودية عام 1979، وفيها عاش فترة الثمانينات، وكان رئيساً لما عرف بـ"الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة"، في مكة. وفي تلك الفترة اتجه إلى الجهاد في "أفغانستان" ضد السوفييت، ثم عاد إلى السعودية. وعلى إثر خلافات مع المملكة غادرها إلى اليمن، بالتزامن مع توحيد البلاد في عام 1990. وخلال الفترة الانتقالية تسلم أكبر منصب سياسي في حياته، حتى الآن، حيث كان عضواً في مجلس الرئاسة الثاني الذي يضم خمسة أعضاء برئاسة صالح.
كان الزنداني قبل توحد اليمن من المعارضين للوحدة لتحفظاته على النظام "الشيوعي" الذي كان حاكماً في الشطر الجنوبي. وبعد الوحدة كان حليفاً لصالح، وخصوصاً في حرب صيف 1994، إذ شارك الزنداني في التحشيد أثناء الحرب واعتبرها مشروعة دينياً، لكنها رسخت معارضة شديدة له في الأوساط اليسارية، والتي كان ولا يزال الزنداني أبرز الأسماء المثيرة للجدل والنقاشات معها.
وبعد الحرب نجح الزنداني في معركته السياسية الدينية الخاصة بـ"الدستور"، حينما تم اعتماد الشريعة الإسلامية كمرجع وحيد للتشريعات في البلاد.
كما تفرغ الزنداني بعد عام 1994 لـ"جامعة الإيمان" في صنعاء التي كان قد أسسها في عام 1993، لتدريس العلوم الإسلامية. كما كان يشغل منصب رئيس مجلس الشورى في حزب التجمع اليمني للإصلاح، ويمثل جناح "المحافظين" داخل الحزب. وكانت له خلافات غير معلنة، خلال العقد الماضي، مع صالح، لكنه أعلن في عام 2006 تأييده له في الانتخابات الرئاسية، على الرغم من كون حزبه دعم، مع أحزاب المعارضة الأخرى، المرشح المنافس له فيصل بن شملان.
فيتو أميركي
بعد تفجير المدمرة الأميركية "يو إس إس كول" في السواحل اليمنية في عام 2000 على يد تنظيم القاعدة، ومن ثم تفجيرات الـ11 من سبتمبر/أيلول 2001 بدأت الولايات حملة ضد المدارس الدينية والشخصيات المرتبطة بالجهاد سابقاً، وكان الزنداني من أبرز الشخصيات اليمنية. واعتباراً من عام 2004 صنفت الولايات المتحدة الزنداني كداعم للإرهاب وتم إدراج اسمه ضمن قوائم المشتبهين بدعم الإرهاب لدى الأمم المتحدة، غير أن السلطات اليمنية رفضت التهم الموجهة له.
وكان للفيتو الذي وضعته الولايات المتحدة ضد الزنداني العديد من التبعات السياسية والحملات الإعلامية إذ تعرضت "جامعة الإيمان" لمضايقات، كما تعرضت الحكومة لضغوط بإغلاقها، مثلما تعرض حزب الإصلاح لضغوط كونَ الزنداني يشغل أحد أهم الأجنحة داخل الحزب.
وزعم موقع وزارة الدفاع اليمنية، في فبراير/شباط 2006، أن الولايات المتحدة طلبت من اليمن رسمياً اعتقال الزنداني وحجز أمواله ومنعه من السفر، واحتجت على قيام صالح باصطحابه في زيارة إلى مدينة مكة في السعودية.
وعلى الرغم من دعمه صالح في انتخابات 2006، إلا أن الخلافات كانت موجودة بصورة غير مباشرة، وخرجت إلى العلن، في الأول من شهر مارس/آذار 2011، حين أعلن الزنداني من منصة ساحة التغيير في صنعاء تأييده الثورة ضد صالح، وكان لانضمامه دور كبير باعتباره يمتلك نفوذاً كبيراً في حزب الإصلاح ولدى القبائل، وخصوصاً في منطقة أرحب القبيلة التي تعود أصوله إليها، والتي يتواجد فيها جناح قبلي قوي لحزب الإصلاح.
اقرأ أيضاً عدن ما بعد التحرير: تأمين المنطقة وإعادة الحياة إليها