لعل استمرار السجال حول الأمازيغية فرضه ما سماه بعضهم "تلكؤ" الائتلاف الحكومي، على مدى أربع سنوات، في إخراج مشاريع نصوص القوانين المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والمجلس القومي للغات والثقافة المغربية. هنا، توسعت الهوة بين ما نص عليه الدستور، في المجال اللغوي والثقافي، وبين التفعيل الميداني، حتى فوّت المغرب على نفسه -طيلة هذه السنوات- توافقاً ممكناً على مستوى اللغات والثقافة.
"كل تأخير لا يزيد الأمر سوى تعقيد. لم يعد ثمة مجال للانتظار والتأجيل، خصوصاً أن الدستور ينص على سن كل القوانين، قبل نهاية هذه الولاية التشريعية"، يقول رشيد الحاحي، الكاتب والباحث في الأمازيغية، في حديثه إلى "العربي الجديد".
يرى صاحب "الأمازيغية والسلطة"، أن الشهور المتبقية من السنة التشريعية الحالية، "كافية لاستصدار قانونين تنظيميين، يترجمان بالفعل وضعيات اللغات والثقافة المغربية، والمقتضيات المرتبطة بها في الدستور، خصوصاً الوضعية الرسمية للغة الأمازيغية".
يضيف: "المجتمع المدني الأمازيغي، راكم على امتداد الأربع سنوات الماضية نقاشاً حقوقياً وعلمياً وتدبيرياً حول الموضوع، وقدّم مقترحات تضمنت مساهمة خبراء وباحثين ومختصين في المجالات المعنية".
كما يؤكد الحاحي أن "كل ما سيحتاجه الأمر، هو تشكيل لجنة وطنية موسعة للإعداد والتشاور والتواصل، والصياغة التقنية والقانونية الدقيقة، ثم المصادقة على مشروع القانونين"، خلال هذه الفترة المتبقية من عمر الحكومة. فيما يرى بعض المتابعين للشأن الثقافي واللغوي، أنها فترة قد تربك عملية معالجة هذين الشقين الثقافيين المهمين اللذين نص عليهما الدستور الجديد (2011)؛ لأن التسريع بإنجاز القانون التنظيمي للأمازيغية، وما يتعلق بمجلس اللغات والثقافة، سيكون لا محالة على حساب الجودة.
يصرّح الباحث في اللسانيات، ورئيس "الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية" في المغرب، فؤاد بوعلي: "النصوص كيفما كانت جودتها ستظلّ قاصرةً وستخلق رفضاً عند دعاة الأمازيغية والرافضين لها؛ لأنها نصوص منزّلة دون توافق مجتمعي".
يشدّد بوعلي على ضرورة "التفكير في فتح نقاش مجتمعي تشارك فيه كل الأطياف، بدل الإسراع في تقديم مقترحات سياسية للمسألة. فقضايا الهوية والانتماء ليست قضايا سياسية، بل هي قضايا مجتمعية تَرهُن ذاكرة الوطن ومستقبله".
هنا يشير الباحث إلى أن الحكومة اعترفت أكثر من مرة، بأن المسألة اللغوية والهوياتية عموماً، "متجاوزة لصلاحياتها وقدرتها، وأن المشروع الذي هيأته وزارة الثقافة موجود منذ مدة طويلة بين يدي جهات سياسية عليا كباقي القضايا الهوياتية، وهذا فهم محرّف للصلاحيات الدستورية"، مضيفاً: "إن النقاش حول الأمازيغية منذ بدايته، كان مرتبطاً بالسلطة السياسية في غياب تام للمجتمع، وهو ما سيخلق رفضاً مجتمعياً لكل مخرجات المسألة".
كما يلاحظ بوعلي، أن النصوص التي قدّمتها وزارة الثقافة للجهات العليا، "لم يتجاوز النقاش حولها، حدود النقاش النخبوي، زيادة على أن الرؤية لم يشرك فيها متخصّصون من كافة القطاعات، تحديداً الجانب اللغوي الذي غُيّب عنه المختصون في العربية؛ وهو تغييب يأتي في ظل هيمنة "اللوبي الفرانكفوني" على دوائر القرار السياسي"، معتبراً أن "الشأن اللغوي ظل نقاشاً إيديولوجياً وسياسياً، وليس مجتمعياً. وبالتالي، ستكون المخرجات المنتظرة، مجرّد محاولة لإرضاء أطراف معينة داخل فيلق التحكّم دون حل الإشكال الهوياتي ومسبباته".
هكذا، يتّضح أن الانتقال إلى التفعيل الإجرائي لقوانين ترسيم اللغة الأمازيغية ليس بالأمر الهيّن؛ إذ لا بد أن تتمّ قبل ذلك إعادة تقييم ما يمكن إنجازه من خلال الأطر الثقافية المتوفرة في المغرب اليوم.
اقرأ أيضاً: المغرب: دخول أدبي من أبواب ضيّقة