سجالات مصرية على هامش الحدث التركي

31 يوليو 2016
خضعت هذه المقارنات لمنطق المزايدة وإغفال السياقات (Getty)
+ الخط -
أثارت محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا ليلة السادس عشر من تموز/ يوليو الماضي شجوناً عديدة في مصر، وذكّرت عموم المصريين من مؤيدي النظام الحالي ومعارضيه بما حدث في مصر مساء الثالث من يوليو/ تموز 2013. وكان لزاماً أن تتولد عبر نقاشات شبكات التواصل الاجتماعي العديد من المقارنات بين تفاصيل الحدثين وكيف تعاملت الأطراف الفاعلة من سلطة ومعارضة وجماهير مع الحدثين في تركيا ومصر. وخضعت هذه المقارنات -كأكثر السجالات السياسية والفكرية عقب الثورة - لمنطق المزايدة وإغفال السياقات والقراءة المتحيزة. وقد شملت هذه السجالات عدة محاور.


الحراك الجماهيري
كانت أولى المقارنات التي عقدت بين ردتي الفعل الشعبيتين إزاء حدث الانقلاب العسكري، فبينما نزلت الجماهير التركية عقب دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لها لمواجهة الانقلاب في الشارع وفي أماكن محددة؛ أعاد هذا السلوك "الديمقراطي" للشعب التركي حالة السجال المصرية حول الأعداد التي خرجت للشارع يوم الثلاثين من يونيو وما تلاه حتى تم الانقلاب العسكري، وظهرت مقارنات ساخرة بين عملية التجهيز التي خضع لها الشارع المصري منذ بداية 2013 تمهيدًا للانقلاب وبناءً لحاضنته الشعبية وبين المفاجأة التي تفاجأ بها الشارع التركي ببيان الانقلاب العسكري وإغلاق آليات الجيش للجسور والشوارع الرئيسية.

كان الحراك الجماهيري المعارض للانقلاب العسكري موضع مقارنة بين سرعة ودقة أماكن النزول والمواجهة مع قوات الجيش وبين انعزال جماهير معارضة الانقلاب في مصر في ميداني رابعة العدوية والنهضة بالقاهرة والجيزة، ما سهّل فضها بمذابح دموية فيما بعد.

لكن يمكن القول إن كل تلك السجالات تجاهلت بوضوح الحراك الجماهيري الضخم المناهض للانقلاب الذي شهدته مصر خلال النصف الثاني من 2013 وشهد ذروته في جمعة 16 آب/أغسطس، والتي أعقبت مذابح فض الاعتصام. وقد تواطأت جميع الأطراف لأسباب مختلفة على تجاهل هذا الحراك الضخم جماهيريًا والواسع جغرافيًا والشجاع في مواجهة عملية قتل ممنهجة بلا أي رادع.

النظام المنتخب والانقلاب
في البداية أثار ظهور الرئيس التركي عبر شاشة هاتف مذيعة السي إن إن تركيا، مؤكداً شرعيته وإصراره على مواجهة الانقلاب العسكري، سخرية مؤيدي النظام الحالي؛ لأنه ذكرهم بالظهور الأخير المشابه للدكتور مرسي، لكن ما إن تغير الأوضاع على الأرض لصالح النظام المنتخب حتى صمت مؤيدو النظام الحالي وتحول السجال إلى سجال داخلي بين مناهضي الانقلاب الذين قارنوا بين ردة الفعل الشرسة والمنظمة للحكومة التركية وما رأوا من شجاعة وحنكة الرئيس أردوغان وبين ذكرياتهم عن ردود فعل الحكومة المنتخبة في مصر والرئيس مرسي على نذر الانقلاب المتتالية منذ أحداث الاتحادية.

وكان مما شجع هذا النوع من المقارنة بعض الشهادات حول إنذارات وصلت إلى الدكتور محمد مرسي حول دلائل انقلاب عسكري قادم تعامل معها، حسب تلك الشهادات، باستخفاف وعدم اهتمام. وكان من أهم تلك الشهادات ما كتبه مذيع الجزيرة أحمد منصور في مقالين بجريدة الوطن القطرية ورد الصحافي المصري وائل قنديل عليه في مقال مطول بمدونته على موقع هافينغتون بوست.

معنى الديمقراطية
كيف يمكن أن نفهم الديمقراطية في ظل محاولات الانقلاب عليها؟ كان هذا سؤالاً حاضراً في السجال المصري المصري حول الانقلاب التركي بالذات في جانب معارضي النظام الحالي من الإسلاميين. وقد أبان هذا السؤال عن نفسه في التقييمات المتفاوتة لدور كل من ردة الفعل الشعبية والأجهزة الأمنية الموالية للحكومة في مواجهة الانقلاب العسكري. ودار أكثر الجدل بين معظّمي دور الهبة الشعبية ومواجهتها للانقلاب عملياً، معتمدة على صور مواجهات الشوارع وبين القائلين بأن الدور الأكبر في مواجهة الانقلاب كان للأجهزة الأمنية الموالية للحكومة بما امتلكته من أدوات القوة المادية المباشرة، استطاعت من خلالها استعادة المواقع التي استولى عليها الانقلابيون في البداية. واستدل أصحاب هذا الرأي على صحته بما جرى في الانقلابات التركية السابقة وما جرى عقب الانقلاب المصري من مذابح لم تجد من يمنعها لغياب تلك القوة المنظمة. لكن الطرفان اتفقا بعد ذلك على إلقاء اللوم على حكومة الدكتور مرسي لعدم قدرتها على خلق تلك الأجنحة الموالية لها في الأجهزة الأمنية.

واحتدم هذا الجدل حول معنى الديمقراطية مع حزمة الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها الحكومة التركية ضد أعضاء ومناصري حركة فتح الله غولن التي تتهمها الحكومة بأنها رأس حربة المحاولة الانقلابية الفاشلة، وانقسم السجال المصري إلى مؤيد لتلك الإجراءات بدعوى الحفاظ على الديمقراطية ومعارض لها باعتبارها مناقضة للديمقراطية أساساً.

دور المعارضة
أما أشد أوجه السجال المصري المصري فكانت حول دور المعارضتين المصرية والتركية إزاء حدث الانقلاب العسكري. وظهرت مقارنات صريحة بين موقف كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض السري لحكومة العدالة والتنمية الذي رفض الانقلاب العسكري تماماً، وأعلن تأييده للحكومة المنتخبة وأمر أنصاره بالنزول للشارع لتأييد الديمقراطية وبين موقف الدكتور محمد البرادعي الذي كان أحد أهم عرّابي الانقلاب في الداخل والخارج، والذي قبل منصب نائب الرئيس المؤقت عدلي منصور حتى مذبحتي رابعة العدوية والنهضة.
المساهمون