ستزهر شواهد القبور

16 ديسمبر 2016
+ الخط -

ما هي كلمتكَ؟

كيف تستطيع أن تقولها، وهل لك شجاعة تجميع أحرفها، حرفاً فحرفاً..؟

من أين ستكون لك هذه النشوة المضاعفة على ابتكار الكلمات في عالم من دخان، وهل تقدر على البقاء وفياً لها؟ أم ستستبدلها مثل أي متاع يباع ويشترى في سوق المجاز الرخيص؟

......

ما هي كلمتك المثلى وكيف لك تصقلها، تصونها، وتُنبتها فصيلة في دمك، بل هي دمك وروحك وخليتك الباقية بعد ليل الفناء الطويل.

كيف لك أن تنتسب إلى أهل هذه الأرض المليئة بالدم والشرور، والواقفة على قرن ثور.. الأرض التي تجرها ثيران سوداء مسعورة نحو الهاوية السحيقة.

هل أنت من هذه الأرض الموصى بها في الكتب السماوية وفي الأشعار، وفي كلمات كانت للمحبة.

كلمات قد تكون وطناً صغيراً هو مسافة التراب تحت موطئ قدميك، أو حجم خطوة واحدة على اتساع مدى ظلك.

.......

اسمح لي، أيها "السيد الإنسان" المنفوخ بطين التوهم، أنت لست قادراً على فعل أي شيء. نفخة واحدة وتطير في الفراغ، مثل ريشة منتوفة من جناح حلم بالرفرفة، فإذا مسوخ الجحيم ترميه في أرض التوهم.


ما هي كلمتك التي تفخر بها، تدعي أنك زرعتها في تربة الأخوة.. ألا ترى كم من جسور للحب تهوي بديناميت يديك، وكم من ربيع يذبل تحت سياط جلاديك، وكيف تتحول الحرية المرغوبة إلى مسلخ تمزّق فيه الأرواح ويفتت فيه اللحم.. فلم تعد هناك كواسر كي تستر عوراتنا في بطونها الجائعة.


.......

الذي يأتي أصعب، أفتك، وأشد قتلاً

الذي يأتي، يقال له الحالك

الليل البشري

الرحى الحمراء التي تطحن وتفرم

القتل المرضيّ عنه

لا الرصاص يميته، ولا الراجمات التي بلا قلب، ولا كثافة النار على الهدف المتحرك الموهوم.

.....

الذي يأتي، اسمه غابة الحقد، ومياه الضغينة

سترقد هناك في أعماق المظلومين.

ستنبت للحقد المنتقم عيون وأيادي وصدور تدقّ فيها نار الضحايا والمقتولين، والذين استبيحوا كشأن رخيص، وتلاشت ملامحهم بين الدخان والحرائق.

الذين ابتلع صراخهم جدار مُصمتٌ

ولم يجدوا يداً رحيمة

تجعل حطام الإسمنت يرأف بالوجه وباليدين

ويرحم أعضاء الصباح.

الذي سيأتي، سيخاتل، وقد يستسلم.

لكنه لا يموت، سينتسب لذاكرة الحجر ويرقد على شواهد القبور

في هذه البيداء الظالم.

كي ينهض من جديد.

6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..