سبايا القرن 21 بين تباكي "الإسلامويين" ودموع بنات الأندلس

08 يناير 2015
ما بُدئ بالظلم لن يؤول إلا بمثله في النهاية(أ.ف.ب)
+ الخط -

منذ حوالي شهر، نشر تنظيم داعش كتيباً يشرح كيفية التعامل مع السبي الذي استولى عليه خلال معاركه أو "فتوحاته"، كما يسميها، وجاء الكتيّب على هيئة سؤال وجواب حول كيفية إخضاع العبيد والتعامل معهم، ويرجح أن الكتيب قد طبع يوم 3 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعد أن اعتمده ديوان البحوث والفتاوى التابع للتنظيم. ويأتي هذا بعد أن سبى التنظيم حوالي 2500 أسيرة أيزيدية على أقل تقدير.

هذه الواقعة دفعتني إلى أن أسأل أصدقائي المنتمين للتيار الإسلامي، تخيّلوا وأنتم تجلسون في بيوتكم آمنين في سربكم معافين في بدنكم عندكم قوت يومكم، ثم دخل بيتكم غزاة أجانب، ينهبون أموالكم ويقتلون ويسبون أخواتكم وزوجاتكم، ماذا سيكون رد فعلكم حينها، بالتأكيد ستقاتلون حتى الشهادة أو تؤخذون أسرى، وستدعون الله حتماً أن ينجيكم أنتم ومَن تحبونهم من مثل هذا الموقف، وأنكم ستدينون من يحاول ارتكاب هذا الظلم في حق الناس مهماً كان عزيزاً عليكم، لكن ما رأيكم في موقف تاريخي مشابه لما فعلته داعش، إلا أنكم كلما ذُكر تباركونه وتجلّون مَن قام به، فسألوني ماذا تقصد؟


(2)

واستخلف موسى على الأندلس ابنه عبد العزيز بن موسى، فلما عبر البحر إلى سبتة استخلف عليها وعلى طنجة وما والاهما ابنه عبد الملك، واستخلف على إفريقية وأعمالها ابنه الكبير عبد الله، وسار إلى الشام، وحمل الأموال التي غنمت من الأندلس والذخائر والمائدة، ومعه ثلاثون ألف بكر من بنات ملوك القوط وأعيانهم، ومن نفيس الجوهر والأمتعة ما لا يحصى، فورد الشام، وقد مات الوليد بن عبد الملك، واستخلف سليمان بن عبد الملك، وكان منحرفاً عن موسى بن نصير، فعزله عن جميع أعماله، وأقصاه وحبسه وأغرمه حتى احتاج أن يسأل العرب في معونته. الكامل في التاريخ لابن الأثير (4/43)

وبعدها وافى موسى رسول من الوليد الخليفة في أثناء غزواته يأمره بالخروج من الأندلس والعودة إليه، فساءه ذلك وماطل الرسول وهو يقصد بلاد العدو في غير ناحية التمثال يقتل ويسبي ويهدم الكنائس ويكسر النواقيس حتى بلغ صخرة بلاي على البحر الأخضر، وهو في قوة وظهور، فقدم عليه رسول آخر للوليد يستحثه، وأخذ بعنان بغلته وأخرجه، وكان موافاة الرسول بمدينة لك بجليقية، وخرج على الفج المعروف بفج موسى، ووافاه طارق من الثغر الأعلى معه ومضيا جميعاً. الكامل في التاريخ لابن الآثير(4/43)

وعن سبايا موسى بن نصير، يورد أحمد بن خالد الناصري: "قال أبو شعيب الصدفي: لم يُسمع في الإسلام بمثل سبايا ابن نصير، ونقل الكاتب أبو إسحاق بن القاسم القروي المعروف بابن الرقيق أن موسى بن نصير لما فتح سقوما كتب إلى الوليد بن عبد الملك أنه صار لك من السبي مائة ألف رأس، فكتب إليه الوليد: ويحك إني أظنها من بعض كذباتك، فإن كنت صادقاً فهذا محشر الأمة"، أحمد بن خالد الناصري، الاستقصاء/ 1954.

وقد ذكرنا أنه افتتح بلاد الأندلس وهي بلاد ذات مدن وقرى وريف فسبى منها ومن غيرها خلقاً كثراً وغنم أموالاً كثيرة جزيلة ومن الذهب والجواهر النفيسة شيئاً لا يحصى ولا يعدّ، وأما الآلات والمتاع والدواب فشيء لا يدري ما هو، وسبى من الغلمان الحسان شيئاً كثيراً حتى قيل إنه لم يسلب أحد مثله من الأعداء، وأسلم أهل المغرب على يديه وبث فيهم الدين والقرآن وكان إذا سار إلى مكان تُحمَل الأموال معه على العجل لكثرتها وعجز الدواب عنها. (البداية والنهاية ـ الجزء التاسع "موسى بن نصير أبو عبد الرحمن اللخمي")

وقيل: إنه بعث ابنه مروان على جيش فأصاب من السبي مائة ألف رأس، وبعث ابن أخيه في جيش فأصاب من السبي مائة ألف رأس أيضاً من البربر، فلما جاء كتابه إلى الوليد وذكر فيه أن خُمس الغنائم أربعون ألف رأس، قال الناس: إن هذا أحمق، من أين له أربعون ألف رأس خمس الغنائم؟ فبلغه ذلك فأرسل أربعين ألف رأس وهي خمس ما غنم، ولم يسمع في الإسلام بمثل سبايا موسى بن نصير أمير المغرب، وقد جرت له عجائب في فتحه بلاد الأندلس وقال: ولو انقاد الناس لي لقدتهم حتى أفتح بهم مدينة رومية، وهي المدينة العظمى في بلاد الفرنج، ثم ليفتحها الله على يدي إن شاء الله تعالى، ولما قدم على الوليد قدم معه بثلاثين ألفاً من السبي غير ما ذكرنا، وذلك خمس ما كان غنمه في آخر غزوة غزاها ببلاد المغرب، وقدم معه من الأموال والتحف واللآلي والجواهر ما لا يعد ولا يوصف. (البداية والنهاية)


(3)

ما قرأته في الأعلى هو بعض الحوادث التي ذكرت بين طيات كتب التاريخ الإسلامي، التي لم تجد أي غضاضة في تعظيم وتبجيل عمليات السبي والنهب أثناء "فتوحات" الأندلس.

وحتماً سيخرج علينا مَن يبرر هذه الوقائع، ويقول إن هذا هو عُرف ذلك العصر، لكن إذا كان هؤلاء الفاتحين يراعون عرف عصرهم ولا يراعون دينهم، إذاً لماذا تتفاخرون بهم وبانتصاراتهم؟ لماذا تتباكون عليهم كل عام في مثل هذا الوقت، مع أنكم تدينون ما يشبه ذلك الفعل الآن؟

إن القاعدة تقول: ما بُني على باطل فهو باطل، وما بُدئ بالاعتداء وبالظلم لن يؤول إلا بمثله في نهاية الأمر، إذاً لا تلوموا أناساً لم ينسوا الثأر، لم ينسوا مشهد بناتهم ونسائهم اللواتي انتُزعن من عائلاتهن ورحلن بأعداد بلغت عشرات الآلاف إلى أوطان غير أوطانهن لخدمة وإشباع غرائز أعراب محدثي نعمة.

إن هذه الأفعال لا ترضاها الفطرة الإنسانية السوية فضلاً عن أي دين يحترم كرامة الإنسان، وإذا أردت أن يعاملك الناس باحترام وعلى قدم المساواة فلا تأمرهم بما لا تأمر به نفسك، ولا تفرض عليهم ما لا تحب أن يُفرض عليك، فإن الظلم ظلمات ووقوع المظلمة الواحدة تقع بعدها المئات من المظالم، ولو تمكن المظلوم يوماً من ظالمه فلا تسألنّ عمّا سيفعله، بل اسأل الظالم والمتكبر عن مظلمته الأولى.

بالطبع ليست الأندلس هي الواقعة الأولى إنما سبقتها المئات من الوقائع، لكن إذا أردنا أن نكون منصفين وشهداء لله بالقسط ولو على أنفسنا، علينا أن نتبرأ من الظلم وأهله مهماً كانوا.

وأتساءل: لو قُدّر يوماً لأهالي المظلومين أن يأخذوا بثأرهم ممّن قتل أبناءهم في الشوارع والميادين بالطريقة نفسها التي ظلموا بها، هل سيخرج سفهاء بعد مئة عام يقيمون اللطميات ومجالس العزاء على هؤلاء السفاحين؟


(4)

الحق أقول لكم، إنكم أمام طريقين لا ثالث لهما، فإما أن تصدقوا على أفعال داعش وعلى أفعال من سبقهم معاً، وإما أن ترفضوا كليهما، والأولى هو طوي صفحات الماضي وترك الندب واللطم كل عام، ففي النهاية تلك أمم قد خلت من قبلنا تلاها العشرات من الأجيال، فرجاءً اتركوا أحلام المراهقة والعودة مرة أخرى إلى أرض لم تكن لكم في الأصل.


*مصر