ساعة ونصف

19 فبراير 2015
+ الخط -

قررت، على غير عادتي، أن أبتاع تذكرة سفر في القطار في "الدرجة الأولى". قلت في نفسي الإنسان هو "اللّي يشري راحتو"، وكان همّي الوحيد تذوق طعم الراحة هذا، وربما قراءة رواية في الطريق، أو تقليب صفحات مجلة "بحال الناس"، أو إن أردت المشي في الممر الفارغ والفسيح بين المقصورات، وربما الوقوف بإحدى النوافذ، لتأمل مشهد الأشجار التي تتحرك في الخارج، وتجري جري القطار وهي هامدة في مكانها.
قادتني الأرقام السحرية الثلاثة (العربة، المقصورة، والمقعد)، المحددة على وجه التذكرة، إلى عالم آخر تماماً، عشته وجلت فيه وسبرت أغواره سماعاً. وجدت فتاتين حسناوين تقتسمان وحدهما أربعة مقاعد من الناحية المقابلة للمقعد الذي أجلس فيه. عندما دخلت، وجدتهما تتحدثان بلغة فرنسية أنيقة، وربما وجدتها لذيذة أيضاً. نظرتا إليّ نظرة خاطفة، وبدا لهما أن من المحتمل أن يكون في دماغ هذا الدخيل شيء من الفرنسية، فتحوّلتا فوراً نحو الإنجليزية، وبذلك ضمنتا حديثاً لا أفك حرفه، ولا تتفاعل معه ملامح وجهي تبسماً، وغضباً، وكان لهما ما أرادتا.
والآن، إليكم بعضاً من هذا العالم الذي دخلته من أفواه النساء. تحكي القصة عن فتاة تعيش حياة رغيدة، تدرس في أحد المعاهد العليا الخاصة باهظة التكلفة، وتحب صديقها (البوي فريند) إلى درجة الجنون، حتى إنها رفضت منحة للدراسة في الخارج، وفاء لحبهما القوي والقاتل، وهي، الآن، أكثر سعادة بهذا القرار، تتقن اللغات، وتسافر في أرض الله، وتحتفل بالأفراح مع الأصدقاء في اللعب الليلية والفيلات، وتحمل همومهم، وتسعى جاهدة في حلها، تدخن وتشرب وترقص وتمارس الجنس بجنون وشغف، وتعرف أن اتزان الشخصية وصفاءها يتطلب بالضرورة حياة جنسية سعيدة.
 وكان هذا موضوع عتبها على رفيقتها التي تأبى الاستسلام لـ"أم المعارك"، وفاءً منها لصديقها الذي يعيش في ما وراء البحار، والذي على الرغم من ليبراليته المفرطة يغار عليها. ترى أن حالة اللاسلم واللاحرب الجنسية والاضطراب العاطفي الذي تعيشه صديقتها مردهما أساساً لفكرة الوفاء للجسد، وحتى الغيرة التي يتبجح بها صديقها الفاحش الثراء محض هراء (بول شيت)، فهو هناك في البلاد البعيدة، حيث يستأجر بيتاً وسط عاصمة البلد، لا بد أنه يشعل لياليه بالأجساد الطرية، والشعور الشقراء.
أي قناعة حمقاء هذه تحملكِ على مواصلة الوفاء؟ اقتنعت صديقتها، إلى حد ما، بوجاهة هذه الأفكار، غير أنها أكدت أن صديقها ذاك اقترح عليها مراراً شراء تذكرة السفر فقط، والباقي، كل الباقي عليه، ما أن تصل إلى هناك. وقد اقترح عليها، غير مرة، السفر معه إلى قرية سياحية، ذات أنهار وعيون، هو وزوج آخر (أي صديق وصديقة) يقضي فيها الأربعة أوقاتاً ممتعة لا تنسى، لكنها تراجعت عن ذلك، لأسباب لا تعرفها حتى هيّ. فهي، فعلاً، ترغب بشدة في خوض مغامرة مماثلة تماماً، مثل فيلم ليوناردو ديكابريو الرومانسي "ذا بييتش" (الشاطئ). هي فعلاً حائرة، فصديقها لا زال يلح، وهي لا زالت بين رغبة ورهبة. المحطة القادمة "الرباط المدينة".

 


 

230F9728-6F81-4406-98CC-A52074E82B47
230F9728-6F81-4406-98CC-A52074E82B47
عصام واعيس (المغرب)
عصام واعيس (المغرب)