تعيش المعارضة السورية المسلّحة أفضل أوقاتها بعد تبدّل معادلة معارك مدينة الزبداني في ريف دمشق الغربي، وكفريا والفوعة في ريف إدلب الشمالي؛ وبعدما كانت تفاوض من موقع الضعف، أضحت تملك الورقة الرابحة في المعادلة الجديدة، والتي يبدو، بحسب مصادر "العربي الجديد"، أنها ستنتج اتفاقا يجعل من الهدنة الحالية الأخيرة، على خلاف المرتين السابقتين.
وما يدل على هذا الموقع القوي، أن إيران هي من استجدت المفاوضات الجديدة هذه المرة، للحاق بقطار البلدتين المحاصرتين، اللتين بدت المعارضة ماضية في السيطرة عليهما، ولهذا بدأ "جيش الفتح" وضع شروطه أثناء المفاوضات قبل التوصل لبنودها. وتستمر هذه المفاوضات لمدة 48 ساعة، بدأت عند الساعة 12 من ظهر الأحد.
اقرأ أيضاً: الفوعة... نموذج لصناعة العداء الطائفي على طريقة النظام السوري
وبحسب المسؤول الإعلامي في حركة "أحرار الشام الإسلامية" أبو اليزيد تفتناز، فإن "جيش الفتح اشترط خلال المفاوضات عدم بناء أي تحصينات أو دشم جديدة في بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين، وعدم إلقاء النظام لسلل غذائية أو ذخيرة للمحاصرين"، وأكّد لـ"العربي الجديد" أن "السبب الذي دفع إيران للاستعجال في المفاوضات، فضلاً عن كونها تتكبد خسائر كبيرة، هي خسارة خطوط الدفاع الأولى من الجهة الجنوبية والشرقية والجهة الشمالية الشرقية لكفريا والفوعة، ولذا طلبت هدنة سريعة".
وذكر أبو اليزيد أن "المفاوضات لم تأت من عبث، إذ تم تحرير نقاط تلة الخربة، وهي أهم نقطة استراتيجية كانت تتمركز فيها قوات النظام، وتطل على كفريا والفوعة من مكان مرتفع عنهما، وترصد الطريق الواصل بينهما"، مشيراً إلى أن "المجاهدين واصلوا هجومهم في ليل الأحد، وسيطروا على ثماني نقاط شرقي الفوعة، وأضحوا على بعد 500 متر فقط من الجهة الشرقية والشمالية ما شكّل ضغطاً على إيران كي تهرول إلى هذه المفاوضات".
وأوضح المسؤول الإعلامي أن "(جيش الفتح) وافق على الطلب المقدم من إيران عبر وسطاء من الأمم المتحدة، بهدف التخفيف عن الزبداني ومضايا والمناطق الأخرى المحاصرة في ريف دمشق"، مشيراً إلى أن "المفاوضات ستكون نوعاً ما مشابهة للمفاوضات الأخرى، لكن الفارق الآن "أننا قادرون على الانتصار في المفاوضات. كنا في المرتين السابقتين لا نفاوض من موقع المنتصر، لأن تقدّمنا كان بطيئاً مقارنة بتقدّم قوات النظام في الزبداني، لذا كان النظام يملك الورقة الرابحة. الآن نحن نملك الورقة الرابحة، ولهذا قد تُثمر المفاوضات أكثر من المرّات السابقة، وقد تكون الشروط أفضل من السابق".
لكن في المقابل، أبدت مصادر من حركة "أحرار الشام الإسلامية" في مدينة الزبداني تخوفها من "المفاوضات القادمة رغم أفضلية (جيش الفتح)، إذ تخشى في حال تعثر المفاوضات من أن يُمعن النظام في مجازره، وهو ما يُقدم عليه عادة عند خسارة ميدانية، إذ يكون الانتقام من المدنيين الهدف الأول له".
وكانت أبرز أسباب تعثُر المفاوضات خلال الجولتين الماضيتين، قضية إخراج المعتقلات من سجون نظام بشار الأسد، بحيث رفض الأخير ومعه إيران شرط الإفراج عن آلاف المعتقلات. إضافة إلى بند آخر لم يجر الاتفاق عليه وهو تأمين طريق خروج للفصائل من الفوعة نحو بلدة مورك (تقع بريف حماه الشمالي)، التي من المفترض أن تكون نقطة التسليم، وسط إصرار إيران على خروج مقاتلي المعارضة مع عائلاتهم من الزبداني، وهي أبرز شرط في الجولة الأولى من المفاوضات.
وكان واضحاً تغير لهجة "جيش الفتح" في التعامل مع المعطيات الجديدة بعدها، خصوصاً أن مدينة الزبداني قد وصلت إلى حال قد يصعب معه الصمود بعد أكثر من شهرين من قصف بمختلف أنواع الأسلحة، ولذا كان عامل الحسم العسكري في كفريا والفوعة هو الفاصل هذه المرّة، وهو ما أكده رئيس مركز الدعاة والقيادي في صفوف "جبهة النصرة" عبد المحيسني، والذي وجه رسالة في تعليقه على معارك كفريا والفوعة، قائلاً "البارحة خرج علينا مجرم الحرب حسن زميرة (أمين عام حزب الله حسن نصرالله) يقول سيكون عيدنا في الزبداني! وأقول لكم: ادفعوا الآن ثمن حماقة تصريح زعيمكم".
وكشف المحيسني عن المفاوضات التي تقودها إيران لوقف إطلاق النار، قائلاً إن "إيران التي دوخت أميركا بتلاعبها في مفاوضات النووي هي اليوم تتوسل المجاهدين ليقبلوا بوقف إطلاق النار. لم نجد بداً من النزول لطاولة المفاوضات، لكنها طاولة ليست مستديرة بل طاولة نارية. لقد فاوضناهم، لكن بالاستشهاديين ومدافع الجحيم والانغماسيين وأظنهم يفهمون هذه اللغة جيداً. لقد فاوضهم البطل أبو دجانة الدوسري وأبو معاذ اللبناني بمفخختيهما".
النظام الغائب
على الجانب الآخر، بدا النظام وكأنه آخر من يعلم بما يجري في الزبداني وكفريا والفوعة، حتى إن وزير الخارجية السوري وليد المعلم قال "إننا على أعتاب هدنة خامسة" في إشارة إلى مفاوضات الزبداني وكفريا والفوعة، قائلاً في ردّه على قناة "روسيا اليوم"، إن هناك مبالغة في الحديث عن إطلاع طهران على مهمة التفاوض عوضاً عن دمشق، بخصوص تفاصيل نقل أهالي كفريا والفوعة إلى دمشق ونقل أهالي الزبداني ومضايا إلى مناطق في الجنوب السوري.
وأشار المعلم إلى "أننا والجمهورية الإسلامية صديقان. ونحن وحزب الله لسنا بلدين صديقين نحن مقاومة وطنية تقاتل في الزبداني، لا توجد لدينا علاقة مع تركيا هي التي تدعم هذه المجموعات. نحن لا يمكن نضغط عليهم ليقبلوا بالهدنة. عملنا 4 هدنات حتى الآن، نحن على أعتاب هدنة خامسة".
وإلى حين انتظار ما ستسفر عنه نتائج المفاوضات في الغد، يؤكد "جيش الفتح" أن النظام ومن خلفه إيران لا ترضى سوى بلغة السلاح قبل الحديث عن أية مفاوضات سياسية.
اقرأ أيضاً: خسائر للنظام السوري بالزبداني و"جيش الإسلام" ينعى نائب قائده