ساسة العراق.. إيران أولاً

21 اغسطس 2018
+ الخط -
ما إن خرج رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، ليعلن في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، أن بلاده ترفض العقوبات الأميركية على إيران، لكنها ستلتزم بها، حتى استشاط ساسة المنطقة الخضراء، وما جاورها في بغداد، غضباً على هذا التصريح، معتبرين أن العبادي "لا يفقه ما يقول"، وأنه ربما كان ليس في كامل قواه العقلية"، وأن هذا التصريح أفقده الولاية الثانية". ولم يقتصر هذا الغضب على قادة أحزاب موالية لإيران، أو بعض قادة المليشيات أو حتى نواب في البرلمان الجديد، بل امتد ليصل إلى دوائر الخارجية العراقية التي راحت تفسّر تصريح العبادي بما تريد هي، لا بما أراده العبادي، مؤكّدة أن العراق لن يكون إلى جانب مثل هذه العقوبات.
هذه الهجمة الشرسة على العبادي، دفعته إلى محاولة التراجع عن تصريحه، مؤكّدا، في الأسبوع الموالي لتصريحه الأول، أنه لم يقل إن العراق سيلتزم بالعقوبات، وإنما كان يعني أن العراق سيلتزم بالعقوبات المتعلقة بمجال تبادل العملة، علما أن التصريح الأول الذي أكد فيه التزام العراق بالعقوبات كان يبثّ على الهواء مباشرة. وبالتالي، فإن محاولته التراجع لم تكن موفقة.
مفهوم أن تخرج الصحف الإيرانية بعناوين عريضة تتحدّث فيها بشكل سيئ عن العبادي، وتصفه بـ"القزم"، وتهدد وتتوعد، بعد إعلانه التزام بلاده بالعقوبات الأميركية، ولكن غير المفهوم أن يقبل ساسة العراق أن يلحق الضرر بوطنهم وشعبهم من أجل عيون إيران.
الموقف العنيف على تصريح العبادي، وتأكيده التزام العراق بالعقوبات على إيران، يؤكّد من جديد حجم النفوذ والتغلغل الإيرانيين في العراق، وهو ما دفع أحد المحللين العراقيين إلى تذكير العبادي بأن إيران هي التي وقفت بوجه "داعش"، وهي التي تملك اليوم زمام الأمن في مدن
عديدة في العراق، وأن في وسعها أن تُفلت زمام تلك الأمور، وتعيد العراق ليس إلى المربع الأول، وإنما إلى المربع صفر، بعبارة أخرى إلى مربع القتل والطائفية والتشريد والتهجير والاغتيالات، وهو يعني ما يقول.
في العامين الأولين لاحتلال العراق، كان واضحاً أن الخطر الأكبر على العراق ليس في القوات الأميركية التي استباحت البلد، ودمرت مؤسساته، وإنما في فسحها المجال للنفوذ الإيراني، ليكبر ويكبر، حتى تحول إلى غولٍ التهم الدولة العراقية.
كانت المليشيات التي شُكلت في إيران، إبّان الحرب الإيرانية على العراق في ثمانينات القرن الماضي، رأس الحربة للاحتلال الأميركي، فقد استعملت تلك المليشيات التي جاءت على ظهر دبابة أميركية من أجل الاقتصاص من المقاومة العراقية، وأيضا السماح لها بتنفيذ سلسلة من الاغتيالات التي طاولت قادةً في الجيش العراقي السابق، وعلماء وأساتذة جامعات وعلماء ذرة، وكثيرين من الكفاءات العراقية.
كما أن أميركا هي من سمحت لمليشيات إيران العراقية بتنفيذ جرائم تهجير قسري وتغيير ديمغرافي في بغداد، وحزامها تحديداً، ولم تحرّك ساكناً يوم أن استباحت تلك المليشيات بغداد ثلاثة أيام متتالية عقب تفجيرات مرقد الإمام علي الهادي في سامراء في فبراير/ شباط 2006. وذلك تاريخ لا يمكن أن ينكره أي متابع للشأن العراقي، فما بالك بمن كان شاهداً على الحدث، بحكم عمله الصحافي آنذاك؟
اليوم تعتبر هذه المليشيات التي تمثل حجر الزاوية في عراق ما بعد 2003 من أهم أوراق المواجهة لدى إيران، وهي ورقةٌ تعرف إيران أنها يمكن أن تستعملها ضد أميركا في الوقت الذي تشاء، وهو ما أعلنه صراحةً في مؤتمر جماهيري لمليشيات النجباء، عقد بعد فرض العقوبات الأميركية أخيرا على إيران، حيث هدّد قادة تلك المليشيات باستهداف المصالح الأميركية في العراق، وتحويله ساحة معركة في حال استمرت أميركا بفرضها العقوبات على إيران.
هذه ببساطة لعبة المصالح وزرع النفوذ، لعبة تجيدها الدول التي تمتلك مشروعا، لعبة تفوّقت فيها إيران منذ زرعت حزب الله وحركة أمل في جسد لبنان، وصولا إلى زرع حزب الدعوة وحركة بدر والنجباء وعصائب أهل الحق في العراق، وليس انتهاءً بتطعيم الجسد اليمني بميلشيا الحوثي، وأخيراً سورية التي تتفاوض إسرائيل اليوم مع روسيا، من أجل إقصاء مليشيات إيران منها.
ما يمكن أن يكون جيداً وسط كل هذا الركام أن تصريحات ساسة العراق، وقادة المليشيات فيه، وهجومهم العنيف على العبادي بسبب تصريحه الذي حاول أن يتراجع عنه، جاءت وسط حالة من الغليان الشعبي في كل مدن الجنوب العراقي التي انتفضت على فساد ساسة المنطقة الخضراء، بل تعدّى الأمر إلى ترديد شعارات مناهضة، حتى للمراجع الدينية التي أعتبرها المتظاهرون متواطئة مع الفاسدين والقتلة والمجرمين في المنطقة الخضراء. وقد أعطت تصريحات ثلة من ساسة العراق الدفاع عن إيران المتظاهرين في الجنوب العراقي سبباً آخر للاستمرار في تظاهراتهم، فقد اكتشفوا مرة أخرى أن ساستهم "إيرانيو الهوى"، ولا تربطهم بالعراق إلا مصلحة إيران، وإيران أولاً.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...