سارة، سينما الواقع الغزي

24 مايو 2016
+ الخط -
أن تجلس لمشاهدة فيلم (سارة) في ختام مهرجان السجادة الحمراء في غزة يعني أنك أمام طفرة في الإبداع السينمائي الفلسطيني، حيث تسافر مع المخرج والسيناريست، خليل المزين، إلى واقع مرير يغص بالظلم والقهر، جرّاء عادات وتقاليد بالية، وظروف اجتماعية قهرية، واحتلال يزرع العنف في كل ردهة من المخيم.
فيلم سارة قاس بما يكفي أن تتجرّع معه العلقم، فهو يكشف عوار هذا المجتمع الذي لا يرحم، حيث يمارس سلطته على حساب المفهوم الإنساني، وكأن كلام الناس قرآن، وكلام الناس كثير في مجتمع مُحاصر ليس لكثير من أفراده إلا القيل والقال. مجتمع يمنع الحب، وينبذ الحديث فيه وفي تفاصيله، ويوغل في الكراهية والحزبية المقيتة، يمارس القتل من دون رادع، لأنه يندرج ضمن قضايا الشرف التي تمنح القتلة وساماً في مجتمع موبوء بأمراض الغابرين.
حملت رسالة الفيلم ثيمة واضحة أن الحياة لا يمكن أن تكون طوباوية، وأن الخطأ وارد وطبيعي، طالما أن الشيطان يجري في الإنسان مجرى الدم، ولكن، للأسف، وقعت الأمة كلها تحت عين من لا يرحم، حين أوغل الحقد والتكفير والتلويح بالنار لبشريةٍ تحمل في قلبها المتناقضات، وصارت القلوب محتقنة، والعقول منغلقة، لا تريد إلا أن يعتنق الناس أفكارها، وصار الرجل الشرقي يشعر بالعار من خطأ هنا، أو خطيئة هناك، لا يرى فيها علاجاً إلا الموت.
سارت الأحداث بشكل درامي ملفت، واستخدم المخرج المزين عنصر التشويق جيداً مع الموسيقى التصويرية التي كانت مصاحبةً لمعظم أجزاء هذا الفيلم. لكن الأكثر جمالاً هو تدخل السيناريست بالفيلم، وقطع العادي في الدراما، والانتقال للغوص في صناعة الفيلم نفسه، وكأن في الفيلم فيلم آخر يُصنع تحت عين المشاهد، إلى درجة أنه قد يعتقد بعض البسطاء أن هذه هي، فعلاً، قصة الممثل نفسه، حيث يؤمن كثيرون بالتأويل الببلوغرافي للنص والسيناريو. وما قد يزيد من اعتقاد الجمهور أنها قصة حقيقية لهذا الممثل تحديداً أنه حمل الاسم نفسه داخل السيناريو والصفات نفسها أيضاً، وهو أمر غير دقيق ألبتة، على الرغم من أن القصة حقيقية، كما تمت الإشارة إلى ذلك بداية العرض.
أصوات الطائرات وهي تدوّي في معظم المشاهد، وتحديداً الطائرة بدون طيار (الزنانة) وصورة المخيم من أعلى، والأسقف القرميدية والإسبستية، والأزقة الضيقة، ثم الحرب، ومشاهد الخوف والدمار والقنابل، ثم تدمير برج الباشا، جعل الفيلم يأخذ المشاهد إلى قلب الأحداث الدامية التي قسّمت الوعي الفلسطيني، وملأته بالنار؛ فالعدوان عام 2014 على قطاع غزة شكل عملية كي وعي غير مسبوقة، على الرغم من أنه، أيضاً، شكل عملية كي وعي للاحتلال الإسرائيلي ومستوطنات غلاف غزة.
كانت مشاهد الدمار، وخصوصاً برج الباشا، فرصةً لاقتناص الخيال وصناعة حكاية جديدة داخل السيناريو، ليدفع المشاهد إلى الفكرة التي أراد السيناريست إيصالها إلى العالم أن الحب قد يجابه بنار العادات والتقاليد من جهة، وبالدين من جهة أو الحرب والدمار من جهة أخرى.
ربما كانت هناك ملاحظات تعمد المخرج خليل المزين، مدير مهرجان السجادة الحمراء في غزة، وضعها داخل الفيلم بطريقة غير متوقعة، مثل القطع المفاجئ للصوت في الأغنية، وهو ستايل (Style) للفيلم، ولم يكن عفوياً، لأنه يخدم فكرة الفيلم، فغزة دائماً يتم فيها قطع الأشياء فجأة كالكهرباء والماء والحياة، وفتح المعابر والحدود فجأة، ليقول إن كل ما يحدث في غزة هو قطع حاد وغير مرتب للأشياء، بالإضافة إلى استخدام الزوم (Close up) فقد كان ضرورياً، لأنه مبني على فعل إنساني ومشاعر جياشة.
فيلم سارة الحاصل على جوائز عالمية عديدة يمثل بارقة أمل حقيقية للسينما الفلسطينية، في ظل هذا التطور التكنولوجي الهائل، وتوفر أدوات الإنتاج والإخراج العالمية، على هذه الأرض التي تستحق الحياة.
32A42304-18CB-46A3-BEBC-6540B69AA29F
32A42304-18CB-46A3-BEBC-6540B69AA29F
يسري الغول (فلسطين)
يسري الغول (فلسطين)