استعادت التظاهرات العراقية زخمها كما بدأت أول مرة، حيث غصت ساحات وميادين بغداد وجنوب ووسط البلاد، اليوم الجمعة، بالمتظاهرين ومن مختلف الفئات، مع عودة واضحة أيضا للعنصر النسوي فيها، وسط انتشار واسع للقوات العراقية التي تمركزت على مداخل الطرق الرئيسة والمحيطة بالتظاهرات.
ولأول مرة أدى اتساع رقعة التظاهرات في ساحات التحرير والخلاني والطيران ومحيط المطعم التركي وجسري الجمهورية والسنك إلى تمددها باتجاه شارع أبو نؤاس على نهر دجلة. وتمكن المتظاهرون من الوصول إلى مباني عدد من الأحزاب السياسية قرب ساحة كهرمانة في حي الكرادة، في رسالة موجهة للقوى السياسية المدعومة من إيران والتي تتركز مقراتها في تلك المنطقة.
واكتفت قوات الأمن العراقية بالتمركز دون أي احتكاك مع المتظاهرين، الذين رافقتهم وحدات إخلاء طبية ومسعفين تحسبا لأي مواجهات.
وردد المتظاهرون شعارات مناهضة للتدخل الإيراني، مثل "بغداد حرة حرة إيران برة برة"، و"يا ذيل عمرك ما تصير راس"، في إشارة إلى القوى السياسية والشخصيات المدعومة من إيران.
وحمل متظاهرون لافتات حملت عدة شعارات، مثل "لا لمرشحي أحزاب الفساد"، "ونموت عشرة نموت مية هالوطن يستحق التضحية".
كذلك، شهدت محافظات جنوب البلاد قاطبة تظاهرات مماثلة تركزت في شط العرب وسفوان وأم قصر والمدينة في البصرة، وفي الديوانية مركز محافظة القادسية، وفي الناصرية والشطرة والرفاعي والغراف ضمن محافظة ذي قار، كما شهدت الكوت وواسط والعمارة والكحلاء والرميثة والمجر والهاشمية والسماوة والحلة تظاهرات مماثلة ردد المتظاهرون فيها شعارات قريبة لما ردده متظاهرو بغداد.
وفي كربلاء، قال الناشط علي العتبي لـ"العربي الجديد"، إن ساحة التربية، وسط كربلاء (ساحة التظاهرات الرئيسة بالمدينة)، استعادت زخمها مجددا، مضيفا أن التظاهرات أتت اليوم لتأكيد المطالب وإيصال رسالة لأحزاب السلطة أن "الشعب أقوى منهم وأنه قرر أن يعيش بكرامة مثل أي شعب آخر".
وتساءل "ألا يعتبر وجود قاسم سليماني (قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني)، واللبناني محمد كوثراني (القيادي بحزب الله)، في بغداد والتدخل بتشكيل الحكومة إهانة، كوننا تجاوزنا مرحلة التدخل بشؤوننا الداخلية".
وفي النجف، قال شهود عيان إن قوات الأمن أغلقت الطرق المؤدية إلى المدينة القديمة التي يقع فيها ضريح الإمام علي بن أبي طالب، وذلك مع بداية التظاهرات.
ووفقا لشاهد عيان في المدينة، فإن التظاهرات تركزت في ساحة الصدرين وساحة ثورة العشرين وشوارع أخرى، وشاركت فيها فعاليات مختلفة من سكان النجف وضواحيها.
كما تجمع مئات المتظاهرين أمام منزل محافظ الديوانية، زهير الشعلان، في حين واصل المحتجون في ساحة اعتصام الديوانية تظاهراتهم المطالبة بالكشف الفوري عن قتلة الناشط ثائر الطيب وبقية المتظاهرين الذين اغتالتهم قوات موالية للسلطات وعناصر مليشيات مسلحة.
وفي محافظة البصرة التي شهدت مقتل أحد الناشطين بنيران مسلحين مجهولين بمدينة الزبير، تواصلت الاحتجاجات في ساحة البحرية لرفض ترشيح أسعد العيداني (محافظ البصرة)، مؤكدين أنه ساهم بشكل كبير في قمع احتجاجات البصرة، ملوحين بتظاهرات واسعة تشمل قطع طرق الموانئ والمنشآت النفطية إذا تم ترشيحه بالفعل.
كما وصلت أعداد كبيرة من المتظاهرين من مدن البصرة المختلفة إلى ساحات الاعتصام الرئيسية للمشاركة في تظاهرات رفض العيداني.
وردد متظاهرو البصرة هتافات رافضة للتدخلات الخارجية في الشؤون العراقية، أبرزها "إيران برة برة، البصرة تبقى حرة"، و"خلونا بروحنا"، (دعونا وشأننا).
كما ردد متظاهرون في ساحة ذات الصواري بالبصرة هتافات "يا قاسم سليماني آني العراقي آني"، فيما حاول مئات المتظاهرين التوجه إلى مقرات الأحزاب والمليشيات لحرقها، إلا أن محتجين شكلوا دروعا بشرية لمنعهم خشية تعرضهم لنيران قوات الأمن وعناصر الفصائل المسلحة.
من جهة أخرى، قال أسعد العيداني في تصريح إعلامي، إنه لا يزال مرشحا لرئاسة الوزراء، مؤكدا أن رئيس الجمهورية برهم صالح لم يستقل من منصبه بل لوّح بالاستقالة فقط.
وبيّن أن الرئيس العراقي أخذ مساحة إعلامية واسعة على الرغم من عدم تقديم استقالة فعلية على أرض الواقع، مضيفا أن كتلته (البناء) هي الكتلة الكبرى في البرلمان، إلا أن الرئيس تجاهل ذلك وغادر إلى السليمانية.
ورفض متظاهرو ساحة الحبوبي في مدينة الناصرية (مركز محافظة ذي قار)، إصرار الأحزاب الحاكمة على فرض العيداني رئيسا للوزراء ملوحين بتصعيد مظاهر الاحتجاج إذا استمر الوضع على ما هو عليه، مطالبين رئيس الجمهورية بالعدول عن قرار استقالته، وتكليف شخصية وطنية لقيادة البلاد في المرحلة المقبلة.
كما شهدت ساحة الاعتصام الرئيسية في مدينة السماوة (مركز محافظة المثنى)، توافدا لآلاف المواطنين الذين تظاهروا ضد محاولات تحالف "البناء" الاستيلاء على منصب رئيس الوزراء، منددين بمحاولات بعض شيوخ العشائر بالمحافظة التخفيف من زخم الاحتجاجات من خلال عقد مؤتمرات مدعومة من أحزاب السلطة.
وفي وقت سابق، الجمعة، عقد عدد من شيوخ عشائر المثنى مؤتمرا طالبوا فيه المتظاهرين باحترام القوانين والسماح بإعادة الدوام الرسمي إلى المدارس والجامعات، والتفاوض مع السلطات من أجل إنهاء الاحتجاجات.
وتواصلت الاحتجاجات في محافظات كربلاء والنجف وبابل وواسط وميسان للمطالبة بتكليف رئيس وزراء مستقل قادر على الاستجابة لمطالب المتظاهرين، وإقصاء أي مرشح حزبي تأتي به الكتل المتنفذة، سواء أكان العيداني أم غيره.
في غضون ذلك، أجرت السلطات العراقية تغييرات في قيادات الأجهزة الأمنية الحساسة في بغداد، في خطوة أثارت مخاوف لدى متظاهرين اعتبروا ذلك بداية لصفحة جديدة من القمع.
وأكدت خلية الإعلام الأمني تعيين اللواء الركن شهاب ناصر قائدا للفرقة الخاصة المسؤولة عن حماية المنطقة الخضراء. والأربعاء الماضي، قالت الخلية إن رئيس جهاز مكافحة الإرهاب طالب شغاتي أصدر أمرا بتكليف الفريق الركن عبد الكريم التميمي قائدا لقوة مكافحة الإرهاب التابعة للجهاز.