سألني أحدهم يوماً

24 يوليو 2015
+ الخط -
سألني أحدهم يوماً: لماذا تريدون إسقاط البلد؟ لماذا تعادون عبد الفتاح السيسي في هذه الظروف التي تمر بها البلاد؟ قلت له: ومن قال إننا نريد إسقاط البلد؟ وهل السيسي هو البلد؟ هل هو مصر؟ قامت ثورة 25 يناير لتقول إن رئيس الجمهورية موظف عند الشعب، وليس فرعوناً أو ملكاً. والسيسي نفسه تحدث عن فكرة العقد الاجتماعي والعقد مع الشعب. صحيح أنه قال هذا في حملته الانتخابية ووعوده التي خالفها جميعها، لكنه قال إن رئيس الجمهورية موظف لدى الشعب، والانتخابات هي تعاقد. ولذلك، من يعارض السيسي لا يريد إسقاط مصر؟ والمعارضة مفيدة للبلد، والتطبيل والنفاق، كما يحدث الآن، هو ما سيؤدي إلى "الفرعنة"، والغباء والعناد والغرور ثم السكوت المفاجئ.
سألني أحدهم يوماً: لماذا تقفون للسيسي "ع الواحدة"، وتتجاهلون كل إنجازاته، العاصمة الجديدة وقناة السويس وعودة الأمن والاستثمار؟ قلت له: هذه ليست إنجازات تستحق الإشادة، ومن حقي أن يكون لي رأي مخالف وأرى ذلك كله "فنكوش" ومشروعات وهمية. ومعظم الخبراء والمتخصصين يحذرون من أن ذلك كله وهْم، ومعظم من كان مع السيسي وفي حملته الانتخابية أو من ساندوه أصبحوا الآن يحذرون ويدقون جرس الإنذار، فلا فارق كبيراً بين تلك الإعلانات والمشروعات القومية وبين فكرة علاج الكبد الوبائي بجهاز "الكفتة" الذي اخترعته القوات المسلحة. والواقع أسوأ مما نتخيل جميعاً، بالإضافة إلى أنه لا توجد خطة لأي شيء، ولا توجد أي نيات للإصلاح، وكل شيء عاد أسوأ مما كان في 24 يناير 2011.
سألني أحدهم يوماً: لماذا تساندون الإخوان؟ لماذا تقفون معهم في الخندق نفسه؟ قلت له: لا نساند الإخوان، السيسي وأجهزته الأمنية من يُصرّون على وضعنا في الخندق نفسه معهم من أجل خلط الأوراق، ومن أجل الانتقام الجماعي. شاركنا في 30 يونيو، ومهّدنا لها، وكانت لنا المشاركة الأكبر والأكثر تنظيماً في كل الاحتجاجات ضد محمد مرسي والإخوان، ابتداء من الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في نوفمبر/تشرين ثاني 2012، وساندنا أيضاً مطلب انتخابات رئاسية مبكرة. وفي الوقت نفسه، اعترضنا على إجراءات ما بعد 3 يوليو، واعترضنا على استيلاء العسكر على السلطة، وعلى عودة القمع وعودة الممارسات الأمنية السيئة، وعلى تكميم الأفواه، وعلى الظلم الذي يؤدي إلى زيادة التطرّف والإرهاب.

سألني أحدهم يوماً: لماذا تكرهون الجيش والشرطة؟ ولماذا تنتقدونهم على الرغم من الإرهاب؟ قلت: بالتأكيد لا نكره الجيش أو الشرطة، وكل من يروّج ذلك كاذب. ولكن، من حقنا انتقاد الأخطاء لمعالجتها، والانتهاكات والظلم الذي ارتكبته الشرطة قديماً هو ما قاد إلى 25 يناير 2011، فما بالك وقد أصبح الفساد والظلم أسوأ، كما أن التحذير من مساوئ الحكم العسكري ليس معناه كراهية للجيش، بل يمكن أن تقول إنه خوف على مصر وجيشها؛ فالجيش للحماية وليس للحكم وتجارة الأراضي والسلع، كما أن من حق الشعب أن تكون هناك شفافية، والتاريخ والقراءات وتجارب الشعوب تقول إن تحوّل العسكريين إلى طبقة حاكمة فوق الحساب، وكذلك تدخل العسكر في السياسة يؤدي إلى كوارث، وأقرب تجربة لدينا هي تجربة هزيمة 1967، فالعسكريون يعتبرون الحديث عن الديمقراطية والقيم المدنية والحكم الرشيد ومشاركة الشعب مجرد تفاهات تعطل اتخاذ القرار.
قال لي أحدهم يوماً: لماذا لا تندمجون في المسار السياسي. ولماذا لا تسلكون الطرق الشرعية والقانونية، ولماذا لا تتوقفون عن العداء مع النظام ومحاولة إسقاطه؟ قلت له: وأين هذا المسار السياسي الذي تخلينا عنه؟ وأين هذا الحوار المجتمعي الذي رفضنا المشاركة فيه؟ لسنا من بدأ العداء والإقصاء، بل النظام الحاكم الآن هو الذي يرفض أي حوار، وقرر الانتقام من كل من كان له دور في ثورة 25 يناير، ويقمع ويُقصي كل من يفكر في الاعتراض أو التغريد خارج السرب، وهو الذي يظن أن للقوى الباطشة، وبمزيد من القمع سوف يحل كل المشكلات، وتستقر له الأمور.
كل ما نقوله إن الظلم والقمع هو ما يصنع الإرهاب، وأنه من دون ديمقراطية وشفافية واحترام حقوق الإنسان لن يحدث أي تقدم أو تنمية أو إصلاح. وماذا تتوقع من شبابٍ تم قمعه أو سجنه بقانون "تفصيل" وغير مشروع، مثل قانون التظاهر، وهل تتوقع أن من تم حبسه وظلمه وإبعاده عن عمله وأسرته أن يهرول تجاه السلطة التي حبسته؟ هل تتوقع أن تكون هناك أي أُلفة أو تقدير لضباط الشرطة الذين يلفقون القضايا ويظلمون الشباب ويحبسوهم، وأيضاً التنكيل بهم في السجون وحرمانهم فيها من أبسط الحقوق، والحرمان من الصحف والمجلات والخطابات والأكل، حتى صلاة الجمعة يتم الحرمان منها لمجرد التنكيل، ماذا تتوقع ممن يتم تشويهه بالباطل، ليلاً ونهاراً، في وسائل الإعلام؟
وتساوي وزارة الداخلية وباقي الأجهزة الأمنية المصرية بين الإرهابيين والشباب الذي يحلم بالحرية والديمقراطية والشفافية والحكم الرشيد، بل وتعاملهم معاملة أسوأ من المجرمين، لسنا نحن من بدأ العداء. وللأسف، لا يلوح أي حل أو حوار عقلاني أو أي تصحيح للأخطاء في الوقت القريب.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017