سأراكِ ثانية تُقبلين على هذا الخراب

24 فبراير 2016
نذير نبعة / سورية
+ الخط -

للمرّة الأولى
أن تقرأ نفسك للمرّة الأولى في كتبٍ مقدّسةٍ للهنود الحمر والبوذيين والصابئة؛ أن تقرأ فنجان قهوة، أن تجرّب السير على جسورٍ وتشعر أنك أول إنسانٍ تطأ أقدامُك عليها، أن تتوسّل للمرّة الأولى بكائنات الماء وكائناتٍ قرأت عنها في كتب الخيمياء، أن تكلّم القـوارب وتنتظر طيور الليل أن تحوم فوق رأسك؛ لأن العالم بدأ يتفتت فيك من حضور امرأةٍ عاشقة.
 


يقف الشاعر بين امرأتين
وقفت بين امرأتين، واحدة لا تتكلم إلا باللسان الدارج وأخـرى لا تعرف لغتي أصلاً. عزلتي فيكِ تبدأ من جهلك لغتي، وجمالك يزداد عصفاً عندما لا تعرفين قوليَ فيكِ. أكلمك بلغةٍ لا تتقنين وبكلماتٍ مسلوقة في قلبي. ليت لي لغة أخـرى وليتني أعرف متى يتعيّن عليّ الرحيل لكي أتعلم أن للعالم لغاتٍ أخرى غير التي أتقن؛ إذاك سأراك ثانية، تقبلين على هذا الخراب.
 


امرأة في الثلاثين
ظهيرةٌ منشغلةٌ بحقيقتها، ظهيرةُ يومٍ خريفي؛ تلاميذ، عابرٌ عجوز، وفي البال امرأة في الثلاثين، فضّلت أن تخرجَ على الوقت؛ دون أن تعرفَ مدى السأم الذي تركته لرجلٍ في الثلاثين. الأيامُ تتبدلُ، ولكلّ يومٍ شاكلةٌ وهناك شيء واحدٌ يثقل عليها، شيء يشابه حيرتي في رحيل امرأةٍ في الثلاثين.

 

لماذا فعلتَ بي هكذا
ألم أؤمن أن كلَّ شيءٍ يكون بخير، ألم أصدِّقْ أنني وجدتكَ وأنكَ كنتَ في داخلي من قِدم؛ لماذا فعلت بي هكذا؛ لماذا صدّقت ظني بك؛ لماذا جرفت كلّ شيء عني؛ جرفتَ الشعر والأمل بك، والأحلامَ التي صغتُها بك، ورحلة القلب في الكلمات؛ ألم تؤمن أنني كنتُ في داخلك من قِدم، وأنك وجدتني قبل معرفتي أن الأرواحَ تأتلفُ قبل وجود الأجسام؛ سوف تبقى ذلك الرجلَ الحالمَ بي وإن كنتُ بعيدة.

 

أمهليني بعض الوقت
أنت لم تمهليني وقتًا للتأمّلِ في ما جرى؛ وأن أصنع كلّ شيء، وكنتِ في نفس الوقت تؤمنين أنني قادرٌ أن أبني ما تهدّم فينا؛ حسناً، أنت تقولين إنكَ رجلٌ طيّبٌ حيناً، وحيناً تكاد تقسو عليّ. حسناً؛ وكنتِ تمنّين نفسَكِ أن أكون ذا خلقٍ حسنٍ؛ أنت من كان يخاف من غيبة رجلٍ وجدتِه للتو، وبدأ خوفُكِ يزداد يومًا بعد يوم؛ ففضّلتِ أن تذهبي، دون أن تمهليني بعض الوقت.

 

تأتي الطفولة
تأتي الطفولة بأبعادها، تظهر على شكل مدارس، وشوارع وألبوم صور. ذهبتُ إلى حدود الوعي، وعشتُ طفولتكِ في الحرب والتشتت بين الجنوب والروح؛ رأيتك تشاهدين معي التلفزيون وهو يقدم أحلامًا محترقة؛ ورأيتُ فيك السماء حقيبة تلميذة؛ وأنا أنهارُ في حدود الوعي.

 

(شاعر من مواليد الأهواز عام 1983)



اقرأ أيضاً: نص في الوحدة

المساهمون