زيارة موغيريني لتونس: محاولة مقايضة الدعم بإصلاحات واستقبال المهاجرين

04 نوفمبر 2016
بدت موغيريني متفائلة في تونس (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
انتهت زيارة وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، لتونس، بعد سلسلة لقاءات جمعتها بعدد من المسؤولين التونسيين على مدى يومين. وهي الزيارة التي ذكرت وزارة الخارجية التونسية أنها بحثت سبل مساهمة الاتحاد الأوروبي في إنجاح المؤتمر الدولي حول الاستثمار بتونس يومي 29 و30 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، والاستعدادات لعقد القمة التونسية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل في 1 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، بمشاركة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ورؤساء كل من المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي.

في هذا السياق، لم تتأخر موغيريني في ترداد عبارات سابقة، من دون تنفيذ فعلي حتى الآن. فقد دعت للاستثمار في تونس كـ"أولوية استراتيجية للاتحاد الأوروبي"، معتبرة في رسالة ذات مغزى، بأن "نجاح تونس أمر في غاية الأهمية لأوروبا". وترافق ذلك مع إعلانها رفع الدعم المالي لتونس إلى 300 مليون يورو (333 مليون دولار) لعام 2017. مع العلم أن البلاد عانت من خيبات أمل متكررة، إذ إن رئيس الحكومة التونسية بعد ثورة 2010، الرئيس الحالي، الباجي قائد السبسي، عاد سعيداً من رحلة أولى إلى فرنسا، مستبشراً بـ"ولادة ربيع الديمقراطية في تونس"، إثر تلقيه وعوداً من دول مانحة تقضي بمنح تونس مليارات الدولارات، وهو الأمر الذي لم يحصل. كما أن رئيس الحكومة السابق مهدي جمعة، عقد "قمة الاستثمار"، التي لم يتحقق منها شيء أيضاً.

في هذا السياق، تكشف مصادر دبلوماسية تونسية في حديث إلى "العربي الجديد"، أن "زيارة موغيريني هي زيارة سياسية بامتياز، وأن توقيتها ليس بريئاً بالمرة، لكونه يسبق مؤتمر الاستثمار والقمة الأوروبية التونسية". ووفقاً للمصادر نفسها "ربما تكون المسؤولة الأوروبية قد جاءت لسبر الموقف الرسمي التونسي من الشروط الأوروبية، وإما أن تلوّح بعد الزيارة بالورقة الخضراء للمؤسسات والشركات الأوروبية لدخول تونس والمشاركة بقوة في مؤتمر الاستثمار، أو بالورقة الحمراء".

وبحسب المصادر، فإن "حماسة موغيريني مخيفة جداً، لأن هذه التصريحات تعني بأنها عادت إلى بروكسل ومعها موافقة السلطات التونسية على جملة من الاتفاقيات، ما سيقود إلى كارثة حقيقية بالنسبة لبلد ينتظر إمكانية الخلاص في آخر الشهر (عقب مؤتمر الاستثمار)، في ظلّ الاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات المنتظرة وعجز الموازنة وضغط المعارضة". وتساءلت ما "إذا كانت لدى الحكومة التونسية، أمام كل هذه الضغوط، قدرة فعلية على رفض بعض بنود هذه الاتفاقات أو حتى مناقشتها".



وتشير المصادر إلى اتفاقية "أليكا" حول التبادل الحر، التي "تشمل قطاعات عدة، من بينها الزراعة وقطاع الخدمات"، معتبرةً أنها "قد تشكّل ضربة قاضية لهذين القطاعين، اللذين لا يملكان أية فرصة للمنافسة مع أوروبا. كما قد تتسبب في أزمات عميقة داخلية، وتضرب الاستقلال الذاتي في القطاعات الغذائية، وأولها قطاع الحليب ومشتقاته". مع العلم أن اتفاقية "أليكا" تهدف إلى تسهيل الإجراءات الجمركية عبر تحرير تجارة الخدمات، بضمان حماية الاستثمار وتقريب القوانين في عدد من المجالات التجارية والاقتصادية بين الطرفين، بما يحوّل تونس إلى سوق مفتوح أمام البضائع الأوروبية ذات الجودة العالية والإتقان الفني والتنوّع والقدرة التنافسية الهائلة.

وبناءً على ذلك، ذكر الاتحاد الأوروبي أن "السوق الأوروبية ستفتح أمام البضائع والمنتوجات التونسية"، غير أنه وفقاً لخبراء اقتصاديين، فإن "المنتجات التونسية المحلية، كالقوارص (الحمضيات) وزيت الزيتون والتمور والأسماك وبعض الصناعات الغذائية الأخرى، غير قادرة على منافسة المنتجات التي تدخل السوق الأوروبية من مختلف أنحاء العالم".

بدوره، كان "المعهد العربي لرؤساء المؤسسات في تونس" قد أكد أن "68 في المائة من الناشطين في قطاعي الزراعة والخدمات، متخوفون من التأثيرات المرتقبة لهذا الاتفاق، وهو ما جعل العديد من المنظمات المهنية تنتقد مسارعة الحكومة إلى التفاوض مع الاتحاد الأوروبي بشأن قطاعات، تدرك جدياً أنها غير قادرة على منافسة المنتجات الأوروبية، وليس لها أي حظوظ للدخول إلى الفضاء الأوروبي".

يذكر أن البرلمان الأوروبي دعا أيضاً إلى "ضرورة إدراج إصلاحات عميقة وعاجلة، مثل تطوير قدرات وحدات تحلية مياه البحر ومنع استعمال أي نوع من المبيدات الممنوعة في دول الاتحاد الأوروبي"، وغيرها من التفصيلات البيئية. كما طالب "بتقليص كثافة الوحدات الفندقية، بهدف ترشيد الاستثمار والتصرّف في الشريط الساحلي، والتركيز على الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة وتطوير استخدام الطاقات المتجددة والمعالجة الأفضل للمياه المستعملة والنفايات، نظراً إلى إمكانات تونس في مجال الطاقات المتجددة".

في سياق متصل، يقول مصدر تونسي، تحدث إلى "العربي الجديد"، إنه "يتمّ إعداد اتفاقية جديدة حالياً، وهي اتفاقية إعادة القبول، التي تفرض على تونس استقبال كل المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، بمجرد التصريح بأنهم انطلقوا من المياه التونسية، مقابل تخصيص دعم مادي لإقامة مراكز إقامة في تونس". ويلفت إلى أن "من يقف وراء هذه الاتفاقيات هي مؤسسة أوروبية، لا أممية، على عكس ما يتم الترويج له، وهي المؤسسة الدولية للهجرة ومقرها لندن".

وتضمّنت الاتفاقية التي صادق عليها البرلمان الأوروبي، في سبتمبر/ أيلول الماضي، جملة من التوصيات والشروط التي يمكن أن تحدث جدلاً قوياً في تونس، مثل الدعوة لمراجعة بعض فصول القانون الجزائي، بهدف تعزيز المساواة بين الجنسين وتنقيح بعض قوانين مجلة الأحوال الشخصية، وإلغاء القوانين التي تميّز ضد المرأة، وإلغاء عقوبة الإعدام، وإلغاء المادة التي تعاقب المثلية الجنسية بالسجن، بالإضافة إلى تضمّن الاتفاقية انتقادات واضحة لقانون مكافحة الاٍرهاب وشموله عقوبة الإعدام، وما وصفته بـ"تعذيب المتورطين في هذه القضايا".

في هذا الإطار، أجمع مراقبون لتطور هذه الاتفاقيات منذ انطلاقها، أن "الحكومة التونسية قد لا تكون في موقف القادر على مواجهة الشريك الأكبر لتونس، لكنها تعوّل في المقابل، على مجلس نواب الشعب بخصوص معارضة بعض بنودها أو إسقاطها. كما تعوّل الحكومة على المجتمع المدني، لحشد رأي عام غائب تماماً عما يجري. لكن منظمات المجتمع المدني منقسمة حول هذه الاتفاقيات، التي يدعمها البعض ويرفضها آخرون لأسباب مختلفة، من بينها الانقسام حول عقوبة الإعدام، والمساواة بين الجنسين، وعقوبة المثلية الجنسية، واستهلاك المخدرات، وغيرها".

المساهمون