منذ أكثر من عامين، لا يتوقف الأردن عن التأكيد على أهمية الدور الروسي في الوصول إلى حل للقضية السورية، في التزام واضح بالسياسة الواقعية، التي ترى أن "الدب" بات اللاعب الأساسي على الأرض السورية عسكرياً وسياسياً، ومن صانعي القرار للواقع الجيوسياسي، الذي يجعل الأردن أكثر المتأثرين بالتطورات السورية عسكرياً وإنسانياً.
الجديد، أن العاهل الأردني عبد الله الثاني وسّع، يوم الأربعاء الماضي، من أثر الدور الروسي في حل أزمات الإقليم المضطرب، قائلاً في تصريحات أدلى بها قبل مباحثات مشتركة عقدها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، إن "الدور الروسي من شأنه المساهمة في تجاوز التحديات، ومن دون الدور الروسي لن يكون بإمكاننا الوصول إلى حل ليس فقط للأزمة السورية، وإنما لغيرها من أزمات الإقليم".
زيارة الملك الأولى إلى روسيا في العام الحالي، جاءت بعد أن غابت روسيا عن أجندة زياراته في العام الماضي، من دون أن تغيب الاتصالات على أعلى المستويات السياسية والعسكرية بين البلدين. غير أن الزيارة الأخيرة، والتي سبقتها زيارتان في عام 2015 كان عنوانهما "الملف السوري ومحاربة الإرهاب"، تنطوي على أهمية استثنائية لناحية التوقيت الذي جاء بعد يوم من اختتام مفاوضات العاصمة الكازاخستانية أستانة، وفي ظلّ تطورات ميدانية تنبئ بوضع الأردن في مهب العاصفة.
كما تأتي الزيارة في وقت يعيش فيه الأردن حالة من عدم يقين تجاه السياسة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي دشّن ولايته حتى قبل فوزه بالانتخابات، بمواقف معادية للمصالح الأردنية من باب القضية الفلسطينية، التي تتعامل معها المملكة كشأن داخلي، تحديداً في ما يتعلق بالمقدسات الإسلامية والمسيحية ومدينة القدس المحتلة.
في هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي عامر السبايلة، لـ"العربي الجديد"، إن "أهمية توقيت الزيارة، مقارنة بغيرها من الزيارات، أنها جاءت بعد حسم النظام وحلفائه معركة حلب، والانتقال إلى أستانة، إضافة إلى أنها تتزامن مع تركيز العمليات القتالية في سورية على إخراج الجماعات الإرهابية خارج الأرض السورية، الأمر الذي سيكون له انعكاساته على الأردن في مناطق الجنوب السوري المتاخم للحدود الأردنية". ويرى بأن "التنسيق مع روسيا يضمن للأردن استدامة قنوات الاتصال مع النظام السوري التي أصبحت ضرورية".
ويعتبر السبايلة أنه "لا يوجد ما يمنع أي دولة اليوم من أن تخوض تجربتها الخاصة بإعادة تموضعها في ما يتصل بتحالفاتها وعلاقاتها الخارجية"، معتقداً بأن "المملكة في أمس الحاجة لتنويع خياراتها بما يضمن أمنها ويعالج مشكلاتها الاقتصادية".
غير أنه يعتقد أن "مستقبل العلاقات الأردنية - الروسية، لن يغادر مربعه الأول، المحصور بالتعاون والتواصل ضمن مساحات محددة تتصل بقضايا مرحلية وليست استراتيجية، من دون أن يؤثر ذلك على العلاقة الأردنية - الأميركية التي تمثل المحدد الأساسي في رسم السياسية الأردنية". وينوّه إلى أن "ما تقوم به المملكة على أهميته لها، لا يتعدى كونه شراء وقت في انتظار أن تتضح سياسة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه قضايا المنطقة حتى تتمكن المملكة من التكيف معها".
وسط كل هذا، عبّر قائد قوات حرس الحدود الأردنية العميد سامي الكفاوين، عن مخاوفه الأسبوع الماضي، بكشفه أن "التقارير الاستخباراتية تؤكد احتمال اندلاع موجه نزوح جديدة، ودفع للمقاتلين في اتجاه الجنوب السوري". وهي المخاوف التي دفعت المملكة إلى تعزيز وجودها العسكري على طول الحدود الشمالية والشمالية الشرقية، للتعامل مع السيناريوهات التي قد تشهدها الحدود في حال انطلقت معركة تحرير الرقة السورية من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
المملكة المتعلق أمنها باحتمالات عسكرية وسياسية كثيرة، تبدو حريصة اليوم على التواصل مباشرة مع من يملك التأثير في جميع الاحتمالات، فالمملكة معنية باستدامة التنسيق العسكري مع روسيا الذي أُعلن عنه للمرة الأولى في أكتوبر/تشرين الأول 2015 عشية لقاء جميع وزير خارجية الأردن السابق ناصر جودة بالوزير الروسي سيرغي لافروف، كما أنها معنية بنافذة تطل من خلالها على مجريات مفاوضات أستانة.
التنسيق العسكري الأردني-الروسي، الذي يجري عبر آلية تم إنشاؤها في الأردن، وتحاط بالغموض، يكفل حسب مسؤولين أردنيين حفظ أمن حدود الأردن الشمالية واستقرار الأوضاع العسكرية في الجنوب السوري.
ولا يخفي الأردن وجود قنوات اتصال عسكرية مع النظام السوري من خلال ضباط الارتباط، الأمر الذي كشفه رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية الفريق محمود فريحات في مقابلة نادرة أجرتها معه نهاية العام الماضي هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، ووجه خلالها رسائل ودية للنظام السياسي السوري وجيشه.
وفي ما يتصل بمفاوضات أستانة التي غاب عن طاولتها العرب، يؤكد مصدر أردني لـ"العربي الجديد" أن "لبلاده دوراً محورياً في نجاح المفاوضات، كما أنه سيتأثر بنتائجها". ويضيف: "ساهمنا في التأثير على مجاميع من المعارضة السورية للانخراط في المفاوضات". مع العلم أن للأردن علاقات قوية مع فصائل مسلحة ممن يطلق عليهم (المعارضة السورية المعتدلة)، وسبق أن تلقّى العديد من مقاتليهم تدريبات في قواعد عسكرية أردنية.
الملك وقبيل لقائه الرئيس الروسي أكد دعم بلاده الكامل لمسار المباحثات في أستانة، فيما وجه بوتين الشكر لدعم الملك انطلاق الحوار، ناسباً الفضل في ذلك إلى "جهودنا المشتركة"، وهي العبارة التي قال المصدر ذاته، إنها تتعدى المجاملة السياسية.
الزيارة التي حظيت باهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام الأردنية وكتّاب أعمدة مقربين من الديوان الملكي، رأى فيها مراقبون انعطافة أردنية في السياسة الخارجية تحت تأثير لغة المصالح، وواقع عدم اليقين الذي يحيط مستقبل العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي.
تحليل عززته تصريحات ملك الأردن مطلع الأسبوع خلال لقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي ناهض فيها توجهات ترامب نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس. وكانت تقارير إعلامية قد كشفت عن مباحثات أجراها الملك مع فريق ترامب خلال زيارة خاصة، لم يعلن عنها، إلى الولايات المتحدة مطلع الشهر الحالي، من دون أن تكشف التسريبات عما إذا كان هناك تطابق في وجهات النظر تجاه القضايا الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.