وتأتي الزيارة الرسمية التي من المقرر أن يجريها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، غداً الإثنين، إلى الولايات المتحدة لتتوج هذه العلاقات، إلى جانب فتح صفحة جديدة لجهة بعض الاختلافات المستعصية بينهما، لا سيما في الملف الإيراني والاقتصادي بالإضافة إلى ملف المناخ.
وتأتي هذه الزيارة أيضاً بعد زيارة سابقة أجراها الرئيس الأميركي إلى فرنسا في 14 يوليو/تموز الماضي، والتي حظي فيها الضيف الأميركي بحفاوة بالغة على جادة الشانزليزيه، وبحفل عشاء في مطعم الطابق الأول من برج إيفل.
ويحرص ترامب، في تغريداته الكثيرة على ألا ينتقد السياسة الفرنسية، إلا إذا استثنينا ردوده على بعض الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت فرنسا، والتي يبادر فيها، قبل كثيرين، إلى المطالبة بسحق "هؤلاء الإرهابيين" وإلى نصح فرنسا وأوروبا بكثير من التشدد، على الطريقة الأميركية.
وعلى الرغم من الأمل الذي يصاحب الرئيس الفرنسي في هذه الزيارة، بسبب توجيه ضربة مشتركة على سورية، إلاّ أن قائمة الاختلافات طويلة في قضايا سياسية واقتصادية ودولية بين الحليفيْن.
ومن المتوقع أن يهيمن الموضوع الإيراني على اللقاء بسبب رفض الرئيس الأميركي الاتفاق النووي مع إيران، والمطالبة بتعديله، وهو موقف متشدد تشارك الولايات المتحدة فيه حليفتيها، المملكة العربية السعودية وإسرائيل. بينما تعوّل فرنسا على موقف أميركي متصالح، قبل قرار ترامب النهائي، الذي سيصدر بعد أسبوعين فقط.
وأثار الرئيس الفرنسي، أثناء الندوة الصحافية مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أخيراً، الموضوع، متفهّماً القلقَ السعودي. وطالب بفرض ضغوط إيرانية في ما يخص قدراتها الباليستية وأيضاً سياستها التوسعية في المنطقة. هذا الموقف الفرنسي الحذر من إيران تتقاسمه ألمانيا وبريطانيا العظمى، وهما من بين الدول الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران.
ومن المتوقع أيضاً أن تكون السياسة "الحمائية" الأميركية الجديدة وآثارها على العلاقات الاقتصادية مع فرنسا، خصوصاً، ومع الاتحاد الأوروبي، عموماً، على قائمة المحادثات.
وصدم قرار الرئيس دونالد ترامب القاضي بفرض رسوم جمركية على واردات بلاده من الفولاذ والألمنيوم، دول الاتحاد الأوروبي التي اعتبرته هجوماً مباشراً عليها، وقد عبّر أكثر من مسؤول أوروبي عن رفض الاتحاد هذه الإجراءات.
وتشير المعطيات إلى أن الزيارة ستكون حافلة، إذ من المقرر أن يلتقي الرئيس الفرنسي، يوم الأربعاء المقبل، طلبة جامعة جورج واشنطن، التي تعتبر رأس الحربة في واشنطن ضد الأسلحة النارية، كما سيلتقي رجال الأعمال ورؤساء كبرى الشركات الأميركية، ليشرح لهم الإصلاحات التي يقوم بها منذ توليه الرئاسة، ودعوتهم للقدوم والاستثمار في فرنسا.
وسيكون الموضوع الاقتصادي، في هذا الامتحان الجديد، مقياساً للاستقلالية الفرنسية، التي ما فتئ ماكرون يعلن عنها في مواجهة رئيس أميركي لا يدري أحد مواقفه وتقلباته.
كذلك، فإن الاختلاف في موضوع المناخ، العزيز على قلوب الساسة الفرنسيين، يتواصل، وسط إصرار ترامب على الخروج من الاتفاق العالمي حول المناخ، الذي لا يزال يعتبره "اتفاقاً سيئاً"، بل "كارثة"، إلاّ إذا تعرضت مسودة الاتفاق، كما صرّح قبل ثلاثة أشهر، لتغيير كامل. وهو ما يعني أن الرئيس الأميركي ترك باب العودة موارباً، أي ما يدل على أن "واشنطن يمكنها، نظرياً، أن تعود إلى الاتفاق، يوماً ما". وهذا ما لن تستطيع زيارة ماكرون، مهما كانت نواياها وقوتها الإقناعية، أن تحققه في ساعات.
في اللقاء الصحافي الأخير لإيمانويل ماكرون مع الصحافي إيدوي بلونيل وبوردان، كشف الرئيس الفرنسي أنه استطاع إقناع الرئيس ترامب بإبقاء الوجود العسكري الأميركي في سورية، بعد تغريدات تتحدث عن انتهاء المهمة الأميركية هناك. فهل سينجح ماكرون، هذه المرة، بإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، الذي يرى فيه فوائد كبيرة للغرب؟ ربما قد ينجح في إحداث اختراق ما، لكن، على كل حال، يجب أخذ مزاج الرئيس دونالد ترامب، دائماً، في الحسبان.