يكتشف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال زيارته إلى روسيا الاتحادية، التي جاءت بعد زيارة فلاديمير بوتين إلى فرنسا، العام الماضي، محدودية التأثير الفرنسي في العالَم، بعد "بريكست"، والظروف الصعبة التي تحيط بالمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل.
ويُجمع الكثيرون على أن بوتين هو المستفيد من هذه الزيارة، خصوصًا أن المواضيع التي تم التطرق إليها تحظى بتأثير روسي كبير، وهي سورية والنووي الإيراني، ولا يمكن أن يحدث شيء في هذين الموضوعين من دون موافقة روسيا.
كما تأتي هذه الزيارة بعد فشل زيارة ماكرون إلى الولايات المتحدة الأميركية "الحليف من أجل الديمقراطية"، على الرغم من كل مظاهر الحفاوة والود التي جمعت بين ماكرون ونظيره دونالد ترامب.
ويعتبر ماكرون أنه يجب الحفاظ على العلاقات التاريخية بين فرنسا وروسيا، بل ويصرّ على الطابع الأوروبي لهذا البلد. علاوة على ذلك، فقد وعد بالعودة إلى روسيا، إذا ما تأهل الفريق الفرنسي لكرة القدم إلى ربع النهائي، وحينها ستكون فرصة أخرى للّقاء بالرئيس الروسي. وهو في هذا الموقف يبتعد من الموقف البريطاني الرسمي الرافض حضور افتتاحيات كأس العام في روسيا، بسبب شبهات تحوم حول مسؤولية روسية في محاولة اغتيال العميل الروسي السابق، سيرغي سكريبال، وابنته في بريطانيا.
ولا يتوقف ماكرون عن التشديد على استقلالية القرار الفرنسي، رغم أن الأمر لم يختلف عما كان عليه أثناء ولايتي سلفيه، نيكولا ساركوزي، وفرانسوا هولاند، وعلى التصريح بأن فرنسا لها وزن عالمي؛ ولكنه سرعان ما يعترف بأنه انتخب رئيسًا على فرنسا وليس على أميركا أو روسيا أو إيران. ويكرر أن فرنسا، منذ سنة، أي منذ انتخابه، لعبت دورًا "مفيدًا" و"لا غنى عنه"، بخاصة في الموضوع النووي، وهنا يشدد على أن بلاده أقنعت حليفتَيها، بريطانيا وألمانيا، بالبقاء في الاتفاق النووي، وهو ما أقنع إيران، أيضاً، بالبقاء في هذا الاتفاق، وبالتالي شعور هذا البلد بالثقة في الموقف الفرنسي.
ويعيد ماكرون للأذهان أن موقف فرنسا لم يتغير منذ سنة، من حيث احترام الاتفاق مع إيران، لكن مع المراهنة على تنازلات إيرانية، في ما يخص موضوع الصواريخ البالستية، ولجم التدخل الإيراني في سورية والعراق واليمن، وهو ما ترفضه القيادات الإيرانية.
وحتى في الموضوع السوري، يبدو أن ماكرون بصدد تقديم تنازلات للقيادة الروسية؛ فلم يعد يطالب بإسقاط النظام السوري، بل ويراه طرفاً في الحلّ السلمي الذي يشمل أيضًا كل سوريي الشتات.
لم تثمر الزيارة، التي أعادت الاعتبار لبوتين، فاعلًا سياسيًا عالميًا، وكشفت ألا شيء يمكن أن يتم من دونه، عن أي اتفاق سياسي حول القضيتين، سورية والنووي الإيراني، ولكنها كانت ضرورية بعد الصفعة الأميركية التي حدثت، رغم كل الغزل الفرنسي. وهو ما عبّر عنه ماكرون بلغة دبلوماسية خشبية، مبررًا فشله في التأثير في الرئيس الأميركي بالقول: "ترامب يُطبق برنامجه الانتخابي". وهذا التبرير نفسه استخدمه ماكرون، لاحقًا، حين برر مواصلته الإصلاحات رغم الرفض الشعبي والاحتقان الاجتماعي في فرنسا، وقال: "أنا بصدد تطبيق برنامجي الانتخابي".
والحقيقة أن الإنجاز الدبلوماسي الوحيد الذي حققه الرئيس الفرنسي، باعترافه، هو "تخليصه" رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري من "الاحتجاز" السعودي، وهو ما رأى أنه "أنقذ لبنان من حرب أهلية داهمة".
أما حديثه عن الاختراق الدبلوماسي الفرنسي في ليبيا، وهو إشارة إلى جمع فرنسا الأخوَين العدوَين: حفتر والسراج، في قصر فيرساي، فلا يزال الليبيون ينتظرون انعكاسه الإيجابي، الذي يأبى أن يأتي.