زيارة بن علوي المفاجئة لإيران... وساطة جديدة بين طهران وواشنطن؟

21 مايو 2019
بن علوي التقى ظريف اليوم في طهران (فرانس برس)
+ الخط -
في زحمة التصريحات والتغريدات المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران، والتي تتخذ طابع التهديد في سياق التوتر المتصاعد بين البلدين، كشفت الأخيرة فجأة عصر الإثنين، عن وجود وزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي، على أراضيها، وأنه قد التقى بنظيره الإيراني، محمد جواد ظريف.

وذكر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، أن بن علوي قد وصل إلى العاصمة طهران بعد ظهر يوم الإثنين، والتقى بظريف، من دون أن يكشف عن تفاصيل ما دار في اللقاء، مكتفياً بالإشارة إلى عناوين عامة، بقوله إن الوزيرين تباحثا "بشأن العلاقات الثنائية وأهم القضايا الإقليمية والدولية".

إلا أن هذه الزيارة ليست بعيدة عن تحركات دبلوماسية، تقوم بها أطراف إقليمية ودولية للوساطة بين إيران والولايات المتحدة، لنزع فتيل التصعيد بينهما، كانت أبرزها زيارة للرئيس السويسري أولي ماورر لواشنطن في الأسبوع الماضي، والذي تتولى بلاده رئاسة مكتب رعاية المصالح الأميركية في إيران.

بالإضافة إلى ذلك، تحدثت وسائل إعلام إقليمية وغربية خلال الأيام الأخيرة عن مساع عراقية وقطرية وعمانية للتوسط بين الطرفين بغية تخفيف حدة التوتر بين الجانبين.

ليس واضحاً بعد الهدف من هذه الزيارة القصيرة للوزير العماني، إن كان حمل خلالها رسالة أو مبادرة معينة من الجانب الأميركي لطهران، أو أنها كانت محاولة منه ليستكشف الأجواء ويبحث إمكانية وساطة بلاده بين الطرفين مرة أخرى، وخاصة أن السفيرة العمانية لدى واشنطن، حنينة المغيري، كانت قد أعلنت في وقت سابق استعداد بلادها للوساطة بين طهران وواشنطن.



واللافت في السياق، أن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، كان قد أجرى اتصالاً هاتفياً مع سلطان عُمان قابوس بن سعيد، الجمعة الماضية، بحث معه "الخطر الذي تشكله إيران على منطقة الشرق الأوسط"، وفقاً لبيان الخارجية الأميركية، ولم يوضح البيان إن كان الوزير الأميركي طلب وساطة عمان للتفاوض مع إيران.

وقامت سلطنة عمان عدة مرات خلال العقود الماضية بالوساطة بين الجانبين الأميركي والإيراني، انطلاقاً من علاقاتها الطيبة مع الدولتين، وتوازنها في علاقاتها الخارجية ووقوفها على مسافة واحدة من جميع الأطراف.

أهم تلك الوساطات تمثل في نجاح مسقط في فتح قناة تفاوض سرية بين الأميركيين والإيرانيين عام 2013 في مسقط في عهد حكومة الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، ليجري الجانبان جولتين من المفاوضات السرية في صيف 2012 وشتاء 2013، كانت الجولة الأخيرة على مستوى مساعدي وزراء الخارجية في البلدين، بحسب وزير الخارجية الإيراني آنذاك، علي أكبر صالحي.

ويقول صالحي في كتابه الصادر بعنوان "على مر التاريخ" عام 2018، إن هذه المفاوضات انطلقت بموافقة من المرشد الإيراني علي خامنئي، بعد تلقيه رسالة خطية من السلطان قابوس، مضيفاً أن خامنئي منع في ذلك الوقت إجراء المفاوضات على مستوى وزراء الخارجية.

لكن بعد تولي الرئيس الإيراني حسن روحاني السلطة التنفيذية عام 2013، انتقل الجانبان إلى مفاوضات علنية، وعلى مستوى وزراء الخارجية، توجت بالاتفاق النووي في يوليو/تموز عام 2015.

فضلاً عن ذلك، نجحت وساطات سلطنة عمان في الإفراج عن سجناء للطرفين، منهم المتجولون الأميركيون الثلاثة عام 2009، والإيرانية شهرزاد ميرقلي خان عام 2012، التي اعتقلتها السلطات الأميركية بتهمة السعي لتهريب المعدات العسكرية من الولايات المتحدة إلى إيران.

مع ذلك، قد اعترى إيران توجس أو قلق خلال الشهور الماضية، من علاقات عمان مع إسرائيل وخاصة بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى مسقط في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، إلا أنها لم تبدِ ما يوحي بتخليها عن الوسيط العماني، بالرغم من ظهور وسطاء جدد.


أتت زيارة يوسف بن علوي اليوم لطهران على وقع تراجع نذر المواجهة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية بعد تأكيدات للطرفين على أنهما لا يرغبان فيها، ليفتح ذلك باب التكهنات من احتمال أنه قد يزيد من حظوظ البديل أي التفاوض والدبلوماسية بين البلدين، وخصوصاً على ضوء دعوات للرئيس الأميركي دونالد ترامب للقادة الإيرانيين بالتفاوض، وتمريره رقم هاتفه لهم للاتصال به. لكن هذا البديل لا يبدو متوفراً في الوقت الراهن، بعد رفض إيران "القاطع" لإجراء أي مفاوضات مباشرة مع الإدارة الأميركية الحالية وتحت "الضغوط الاقتصادية والعسكرية" وعلى ضوء تجربتها "المريرة" بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي قبل عام في هذا الشهر، معلنة على لسان أكثر من مسؤول لها أن "لا أحد يتصل بترامب من طهران ولا أحد ينتظر اتصاله".

وفي السياق، أكد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الليلة، خلال لقاء له مع رجال الدين، أنه يؤيد التفاوض والدبلوماسية، قبل أن يستدرك قائلاً: "لا أوافق أبداً على إجرائه في الظروف الراهنة"، كاشفاً أنه خلال وجوده العام الماضي في مقر الأمم المتحدة بنيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة، "توسط 5 من زعماء العالم المعروفين لكي أتفاوض مع الرئيس الأميركي، وقبل ذلك بعام أيضاً (2017) تقدمت الخارجية الأميركية بثمانية طلبات للدخول في المفاوضات".

ورأى روحاني على أن "الظروف الحالية ليست مناسبة بأي حال من الأحوال للتفاوض، بل ظروفنا اليوم هي للمقاومة والصمود".

هذا الموقف الإيراني يجعل مهمة أي وساطة بين طهران وواشنطن صعبة للغاية، خصوصاً إن كانت تهدف إلى جمع الطرفين على طاولة التفاوض مباشرة، وهو ما يريده دونالد ترامب، الذي أظهرت طريقته الخاصة في دعوة إيران للتفاوض إلى أنه لا يؤمن كثيراً بالخطوط الخلفية والسرية للتفاوض، وإنما ما يهمه هو مفاوضات مباشرة ومعلنة.

لكن إذا اعتبرنا أن زيارة وزير الخارجية العماني إلى طهران جاءت بطلب أو ضوء أخضر من واشنطن لتدشين عمان وساطة جديدة بينها وبين طهران، فذلك قد يؤشر إلى أن ترامب تراجع عن سلوكه الداعي لإجراء مفاوضات علنية مع إيران، وبات يعود إلى تلك الخطوط الخلفية للتفاوض، على أمل أن توافق الأخيرة على ذلك.



هنا، وبحسب التجارب السابقة، على الأغلب لا تمانع إيران في الدخول في هذا الشكل من المفاوضات "السرية"، وخاصة أن هناك مخاوف إيرانية من أن "أطرافاً ثالثة" تسعى إلى إشعال حرب بينها وبين الولايات المتحدة.

وفي السياق، دعا رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، قبل أيام، إلى إيجاد "طاولة بخطوط حمراء في العراق أو قطر بمشاركة مسؤولي البلدين، توكل إليها مهمة خاصة بإدارة التوتر"، مضيفاً أنه "بالرغم من نفي كبار المسؤولين في إيران وأميركا النية لإشعال الحرب، إلا أن هناك جهة ثالثة، على عجلة لتدمير قسم كبير من العالم".

لكن مع ذلك، يستبعد أن تدخل طهران هذه "المفاوضات السرية" بشكل مباشر، وقد تفضّل في الوقت الراهن أن تكون غير مباشرة، لثلاثة أسباب، الأول أنها تشك في أهداف الإدارة الأميركية من طرحها موضوع التفاوض، إن كان لغرض التوصل إلى اتفاق جديد أو لأهداف داخلية ترتبط بترامب نفسه. والثاني أنها لا ترى جدية ومبادرة حقيقية لدى هذه الإدارة، والثالث أن الظروف الراهنة غير مواتية تماماً للدخول في مفاوضات مباشرة، ولو كانت سرية، لأن ذلك قد يفقدها ورقة، بغض النظر عن أنها ستضر بمصداقيتها واعتبارها، بحسب محللين إيرانيين.

عموماً، من المبكر اليوم الحكم مسبقاً على هذه الوساطات أو التحركات الدبلوماسية سواء كانت من طرف عمان، أو العراق أو سويسرا أو قطر بالفشل أو النجاح، وخاصة في ظل الصعوبات الكبيرة التي تعتريها، أو الفرص التي قد تحدثها المخاوف من "أطراف ثالثة".

ومن ثم، يبدو أن مهمة هذه التحركات تقتصر في الوقت الراهن على السعي لنزع فتيل التصعيد وتلطيف الأجواء من خلال تبادل رسائل ثنائية بين الطرفين، على أمل أن تتبلور من خلالها مبادرات تقود إلى مفاوضات لاحقاً.
المساهمون