الإعلام المصري منذ نحو أسبوع أو يزيد، وهو يعتبر تلك الزيارة "فتحًا" ونصرًا للسيسي، وإعلان مرحلة جديدة مع الولايات المتّحدة الأميركية، إذ يعد إعلام النظام في مصر مرحلة أوباما، مرحلة سلبية في سجلّ العلاقات مع النظام المصري، ويروّج من الآن إلى اعتبار هذه الزيارة "تاريخية" هذا حتى قبل أن تبدأ.
وفي واقع الحال، فإنني لا أرى أن ثمّة شيئا جوهريا، يجعل من هذه الزيارة حدثًا فارقًا في مسار العلاقة بين أميركا وبين مصر، لا على المستوى السياسي ولا الاقتصادي ولا حتى العسكري، غاية الأمر أنه لم يسبق للسيسي أن التقى الرئيس الأميركي في زيارة خاصّة منذ انقلاب 3 يوليو/ تموز، وهو أمرٌ ربّما أثر من الناحية الإعلامية، لكنه لم يكن يعني شيئًا كثيرًا على مستوى إحداث أي تغيير في مواقف السيسي ونظامه على مستوى القضايا الإقليمية أو الداخلية المتعلّقة بحقوق الإنسان في مصر.
فعلى الرغم من أن إدارة أوباما علّقت تسليم بعض الطائرات العسكرية إلى مصر، وجمّدت بعض المساعدات المادية، إلا أن هذا لم يستغرق وقتًا طويلًا، إذ إنه كان لحفظ ماء الوجه ليس أكثر، فأوباما لم يُسمّ ما جرى في 3 يوليو بـ الانقلاب، ولكنه كرئيس محسوب على الديمقراطيين وأستاذ للقانون الدستوري لم يكن من اليسير أن يمرّر كل الانتهاكات اللاحقة بعد الانقلاب دون أي موقف، خاصّة مع تزايد الوضع الدموي في مصر، لكن اللوبيات الصهيوينة والخليجية (السعودية والإمارات) في واشنطن، كان دورها كفيلًا بإنهاء هذه المسألة، هذا فضلًا عن أن النظام المصري لم يكن يكترث كثيرًا طالما أنه يرفع شعار "محاربة الإرهاب" الذي هو أكثر النغمات التي تلقى قبولًا في الأوساط الغربية، وهو ما جعل أميركا تسقط شرط تحسين أوضاع حقوق الإنسان لتسليم مصر كامل مساعدتها، وهو الأمر الذي جرى في عصر أوباما.
ومن ثمّ، فرغم حالة الاختلاف الجذرية بين ترامب وأوباما إلا أن الالتزامات الأميركية اتجاه مصر لم يكن فيها أي اختلاف، ذلك أنها من محدّدات السياسة الخارجية للولايات المتحدة طالما التزمت مصر بمعاهدة كامب ديفيد وأمن إسرائيل وتسيير الملاحة الدولية في قناة السويس.
ولا يبدوا أن ثمّة ما سيكون مفاجأة في الملفات المتوقّع تناولها في الزيارة القادمة، فعلى مستوى حقوق الإنسان، ترامب يقارب السيسي من حيث الرؤية فيما يتعلّق باعتبار "الإسلاميين" مصدرًا للإرهاب، ولا يُعرف عن ترامب غير انتهاك حقوق الإنسان بشكل يسير، ومن ثم لا أعتقد أن ترامب سيكون له نبرة لائمة أو ناقدة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، بل سيتمّ تمرير الفكرة المركزية في تبرير ما يجري في مصر بأن ذلك على هامش "الحرب على الإرهاب" وأن هناك "قضاء" يفصل بالقانون في كل ما يجري.
أما على مستوى ملف جماعة الإخوان، فيشترك الاثنان في كراهيتها، ويروّج الإعلام المصري بأن زيارة السيسي ربّما تشهد إعلان جماعة الإخوان كـ "جماعة إرهابية"، إلا أن تعقيدات الواقع الأميركي تجعل هذا القرار غير يسير، لا سيما أن إدارة أوباما وخارجيته أعلنتا رفضهما في أكثر من موضع لإقرار قانون أو قرار مثل هذا، نظرًا لجملة من الأسباب من بينها صعوبة تنفيذه عمليًا نظرًا لضخامة الجماعة وتشعّبها في أكثر من 70 دولة، ووجود قوّة كبيرة منها في بلدان أوروبية ويعيشون حياة ناجحة في مجتمعاتهم، وبالتالي ربّما يحثّ السيسي النوّاب المتحمّسين في الكونغرس، لإقرار قانون كهذا، ويحثّ ترامب بالتصديق عليه، لكن حتى مع وجود الرغبة لهذا الأمر لدى ترامب، فإن السيسي في رأيي لن ينجز شيئًا ذا بال في الملف، سوى بعض الآراء المشتركة والتأكيدات المتبادلة.
أما اقتصاديًا؛ فإن الإعلام المصري يأمل أن يعود حجم المساعدات المادية الاجتماعية إلى سابق عهدها، إلا أن توجّه ترامب بتقليل النفقات الخارجية سيجعل من الصعب استثناء مصر، لاسيما أنه لا يوجد ما يجبر أميركا على ذلك، ومصر تعد حليفًا مركزيًا لها لم يعتد أن يُخَالف رأيها أو يغّرد تمامًا خارج السرب.
أما عسكريًا وأمنيًا، فلا أرى أن ثمّة تغييرا جوهريا في الأفق، فهذه الأمور تنسيقها يسير بشكل روتيني بين العسكريين، ولا أظن أن تغيرًا جوهريًا سيحدث فيها خلال تلك الزيارة، سواء على مستوى نوع التسليح وعدده هذا حتى وإن تطرّقت النقاشات إليه.
وربّما أن أكثر الملفات التي يمكن أن يكون فيها ديناميكية في النقاشات أو التباحث، هي الملفّات الإقليمية، لاسيما مع تجديد نائب الرئيس الأميركي مارك بنس، الحديث عن نقل سفارة الولايات المتحدة إلي القدس المحتلة، وهو الأمر الشائك الذي يترقّبه كثيرون في ظل إدارة يمينية، والقضية التالية هي ليبيا، التي تلعب مصر فيها دورًا محوريًا بدعم خليفة حفتر، وربّما يسعى السيسي لإقناع أميركا برؤيته أو يجعلها عند الحد الأدنى لا تعارض دعم حفتر، على الرغم من الاعتراضات الكثيرة عليه من أطراف كثيرة فاعلة في الشأن الليبي.
إلى ذلك فإنني أعتقد أن الزيارة لن تكون إلا محاولة لترويج خطاب "الحرب على الإرهاب" والتأكيد على شرعية وأحقية السيسي في الاستمرار، واستكمال هذا المسار، إلا أن السيسي سيكون أمامه منغّصات كثيرة بدءًا من الصحف ووسائل الإعلام المستقلة أو المناوئة لترامب، وكذلك المراكز الحقوقية والمؤسّسات المعنية بحقوق الإنسان، فإذا كان السيسي سيحظى باستقبال جيّد من ترامب فإن أمامه اختبارا قاسيا، إعلاميًا وحقوقيًا، لاسيما أن ترامب لا يستطيع تدجين هؤلاء الإعلاميين ولا الحقوقيين كما يفعل السيسي في مصر.
وعلى كل حال، فإننا بانتظار هذه الزيارة لنرى ما في جعبة السيسي، وهل حقًا يمكن أن يفاجئنا هو وترامب، أم أن الزيارة ستكون عادية ولن تأتي بتغيير جوهري أو تحتوي على أمر استثنائي كما أظن.