اختتمت زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى روسيا بنتائج متوقعة، على المستوى الاقتصادي والتفاهم الأمني العسكري، وعلى وقع أسئلة الخبراء عما إذا كان الرجل سيلعب دور الوسيط بين الرياض وموسكو لتقريب وجهات النظر بينهما بعد تباعد شديد، خصوصاً في الملف السوري، وعن محاولة الإيحاء بأنه ينأى بمصر عن الولايات المتحدة.
وفي حين اهتم كثيرون بمسألة مساهمة مصر في سدّ الفجوة الغذائية، التي يثيرها الحظر الروسي المفروض على الدول الغربية، لكن هذا الأمر بدا تحصيل حاصل في زيارة السيسي لسوتشي، ذلك أن إجراءات زيادة حصة مصر في سوق الأغذية الروسية سبقت الزيارة، كما سبقها الحديث عن حصة روسيا في السلة الغذائية لمصر، الأمر الذي أكّده بوتين في ختام المباحثات، قائلا: "بلدانا يتعاونان بنشاط في قطاع الزراعة، ومصر هي المستهلك الأكبر للقمح الروسي، وشركاؤنا مهتمون بإمكانيات التصدير هذه السنة، وهي بالنسبة لمصر لن تقل عن 5 إلى 5.5 مليون طن".
وأوضح أن "روسيا تؤمن حوالي 40 بالمئة من احتياجات مصر من القمح. المنتجات الزراعية تشكل 90% من وارداتنا من مصر. وقد زادت الاخيرة تزويد سوقنا بهذه المنتجات حتى الآن بنسبة 30%، وهي مستعدة لزيادتها قريباً بنسبة 30 بالمئة أخرى".
وتبدو آفاق التعاون كبيرة، في مجالات أخرى، إذ أضاف بوتين: "أولينا اهتماماً كبيراً للتعاون التجاري والاقتصادي. فبين يناير/ كانون الثاني، ويونيو/ جزيران من العام الحالي، نما التبادل التجاري أكثر من ضعفين، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي".
كما جرى التوصل إلى اتفاقات هامة للتعاون بين مصر والاتحاد الجمركي (الذي يضم روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان). وتابع: "ندرس الآن إمكانية إقامة منطقة تجارة حرة (بين مصر وروسيا). لقد ناقشنا اليوم إمكانية إنشاء مركز مصري لوجيستي على شاطئ البحر الأسود وتحدثنا عن تسهيل إجراءات وصول المنتجات المصرية إلى سوقنا. روسيا ومصر لاعبان كبيران في حلبة الغاز الدولية. بعض الشركات الروسية، مثل لوكويل عملها قائم في السوق المصرية. كما تبدي شركاتنا الأخرى اهتماماً كبيراً بالتعاون، والشيء نفسه يسري على مجال الطاقة المائية والتعاون في مجال الذرة المدنية".
كما أشار الرئيس الروسي إلى "التعاون التقني العسكري الذي يتطور بفاعلية بين البلدين. ففي مارس/ آذار، هذه السنة تم توقيع بروتوكول بهذا الشأن، ويتم تزويد مصر بأسلحتنا، وقد اتفقنا على توسيع التعاون في هذا المجال. هناك آفاق جيدة في مجال صناعة السيارات".
أما السيسي، فكرر، بصيغ مختلفة، أنه "ابن ثورة 30 يونيو/حزيران 2013"، و"ابن الإرادة الشعبية المصرية التي تصدّت للإرهاب".
وتوقف الرئيس المصري عند تطوير التعاون في "المجال الاقتصادي والتجاري والاستثمار، الذي استحوذ على نصيب كبير في المباحثات". كما لفت إلى "خطوات نحو تحرير التجارة مع التجمع الأوراسي، وإقامة المنطقة الصناعية الروسية في مصر". وأعرب عن أمله في أن "تكون إحدى المكونات المكمّلة لمشروع قناة السويس الجديد، الذي أطلقته مصر الأسبوع الماضي، والذي تعهدنا عند افتتاحه بإتمامه خلال عام واحد".
وأضاف: "تطرقت مباحثاتنا أيضاً إلى قطاع الطاقة الذي يشكل أحد أهم مجالات عملنا المشترك، فضلاً عن الموضوعات المتعلقة بوصول محاصيلنا الزراعية إلى السوق الروسية، وآفاق تجديد المشروعات العملاقة التي كان الاتحاد السوفييتي سبّاقا إلى إقامتها في مصر".
في حين لم تخرج المسائل الدولية عن إطارها البروتوكولي، وسط تطابق وجهات نظر القيادتين، بخصوص غزة وسورية والعراق وليبيا، كان لافتاً قول بوتين "اكتفينا بملامسة المشكلات ذات الطبيعة الدولية، من قطاع غزة والتسوية الفلسطينية الإسرائيلية والمشكلة السورية والعراق". وهو ما دفع السيسي إلى التشديد على شعوره "بارتياح كبير من مدى التقارب في وجهات النظر الذي لمسته عند تناول جميع هذه الموضوعات مع فخامة الرئيس بوتين".
الخبراء يرون شيئاً آخر
اما في إطار تعليقات الخبراء، فقد نقلت وكالة "ريا نوفوستي"، عن الأستاذ في قسم السياسة العامة بمدرسة الاقتصاد العليا بموسكو، المستشرق ليونيد إيساييف، قوله إن "الزيارة جرت في اللحظة التي تعاني فيها موسكو مشكلات جدية مع شركائها الأوروبيين والغربيين. وقد كانت الزيارة في البداية مقررة في الخريف، وعلى الأرجح، استغلت مصر فرصة اتخاذ روسيا عقوبات ضد الغرب، إذ ظهرت لديها الآن إمكانية سدّ الفراغ الغذائي".
أما بخصوص تجارة السلاح، فلم يمض وقت طويل منذ ناقش السيسي مع القيادة الروسية موضوع شراء أسلحة. ففي فبراير/ شباط الماضي، زار موسكو بصفته وزيراً للدفاع إلى جانب وزير الخارجية، نبيل فهمي. وتحدثت وسائل الإعلام الروسية آنذاك عن اتفاق على صفقة سلاح بقيمة 3 مليارات دولار، تتضمن طائرات "ميغ - 29" ومنظومات دفاع جوي من أنماط مختلفة، ومروحيات "مي-35"، وقواعد صواريخ شاطئية ضد السفن، وأسلحة خفيفة أخرى وذخائر. ورأى إيساييف في ذلك أن "السيسي الذي كان لا يزال وزيراً للدفاع، أعلن غير مرة أن بلاده لن تتصالح مع فكرة تبعيتها الكاملة للسلاح الأميركي، ونحن نرى الآن أن مصر تحاول جزئياً استبدال سلاح روسي بالسلاح الأميركي".
البحث عن دور
توقع الاستاذ المساعد في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، نيكولاي سوركوف، في حديثه لـ"العربي الجيد"، أن يكون السيسي يؤدي دور وساطة بين موسكو والرياض، إذ لفتت نظر إيسايف زيارة السيسي للسعودية قبيل زيارته لروسيا، وقال إنه "يصعب حل مشكلة الإرهاب والتطرف الإسلامي بمعزل عن السعودية. مع الأخذ بعين الاعتبار العلاقات الوثيقة بين القاهرة والرياض". وأوضح أن "المال السعودي يقف وراء صفقة السلاح الروسية المصرية، كما أن القاهرة تعرض نفسها كوسيط في العلاقات التي تدهورت كثيرا بين موسكو والرياض على خلفية الأحداث في سورية".
من جهته، لاحظ كبير باحثي معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، البروفيسور غيورغي ميرسكي، مزاجاً مصرياً شديد العداء للولايات المتحدة. ونقلت عنه صحيفة "فيستي"، تأكيده أن "من المهم للسيسي إظهار أنه بخلاف حسني مبارك، الذي كان يعد صديقاً لأميركا، سينتهج سياسة مستقلة تماماً، وتقديره في هذا الإطار صحيح في اختياره الزيارة الأولى لروسيا، فهي ستساعده في ترك انطباع لدى المصريين بأنه لن يراهن فقط على الغرب والولايات المتحدة، وأنه مثل جمال عبد الناصر يرى في روسيا قوة دولية تواجه الهيمنة الأميركية".