زيارة أمير قطر لفرنسا... تفاهم بعد جفاء

24 يونيو 2014
اتسم العهد الاشتراكي باحتقان في العلاقة (فرانس برس/getty)
+ الخط -

من يتتبع نمو العلاقات القَطَرية الفرنسية، وحجم الاستثمارات القطَرية في فرنسا، في غير ميدان، ويقرأ كتابات بعض صحافيي فرنسا وكتّابها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، يكتشف أن الفرنسيين ذهبوا بعيداً في التحامل على قطر، إلى حد أن الكثير من المراقبين وصفوا الحالة ب"قطرفوبيا".

ورغم الحملات الإعلامية، فإن المراقب يسجل لقطر تعاملها الهادئ مع الهجمات، وهي ارتأت أن تواصل مسيرها قُدُماً، في إصرار وصمت. ومن هنا جاءت زيارة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لتؤكد أن فرنسا وقطر بلدان تربطهما علاقات متينة، وأن المستقبل سيشهد نمواً وازدهاراً لهذه العلاقة.

وإذا كانت العلاقات القطرية الفرنسية قد عرفت قفزات كبيرة في فترة الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، إذ كثرت زيارات الوزراء والنواب الفرنسيين للدوحة، فإن العهد الاشتراكي تسبب في نوع من الاحتقان في العلاقة، ردّت عليه السياسة القطرية بكثير من الحكمة والهدوء. وشَهِد هذا العهدُ تحالفاً موضوعياً بين اليمين المتطرف واليسار الصهيوني، تجسد في كيل الكثير من الاتهامات للحكومة القطرية ومواقفها السياسية وحتى الرياضية. واشتغلت الماكينة الإعلامية بشكل رهيب، وصدرت كتب كثيرة مسيئة لدولة قطر وساستها ومواقفها واستثماراتها.

وتَكاثرت الاتهامات والانتقادات حول دور قطري مزعوم في مالي، فكلما كانت ثمة مخاطر تتهدد القوات الفرنسية في صحارى مالي، كانت الهجمات تشتد على قطر. ولكن الهجوم لم يقتصر على أماكن النزاع في الخارج، بل إن المشروع القطري لدعم الضواحي الفرنسية، وهو أول مشروع عربي طموح للانفتاح على الفرنسيين المنحدرين من أصول عربية وإسلامية، وتشجيعهم على الانخراط في بناء بلدهم فرنسا، والمشاركة في ازدهاره، لاقى مقاومة عنيفة من الإعلام الفرنسي، ورأى فيه "تدخلاً قطرياً سافراً" في الشأن الفرنسي، على الرغم من موافقة قطر على إشراف الحكومة الفرنسية على الأمر. والتفسير الوحيد هو قلق النخبة السياسية الفرنسية من تسيّس مسلمي فرنسا، ومن انخراطهم في صنع القرارات الفرنسية، أي الدفاع عن مصالحهم، وعدم انتظار من يتصدق عليهم.

ومثلما تريد فرنسا من الدول العربية الغنية أن تكتفي بضخّ الأموال، واستثمارها في قطاع السياحة والعقار، وقد جربت الأمر، بنجاح، مع دول عربية كثيرة، فهي تريد من مواطنيها المسلمين أن يظلوا مستهلكين فقط. وهنا تكمُنُ الأهمية الاستراتيجية للمشروع القطري في الضواحي، وهو ما يفسر اشتداد الانتقاد لقطر.

لا يُخفي عاشق كرة القدم في باريس، خاصة، وفي فرنسا عامة، إعجابه بنتائج فريق باري سان جيرمان في البطولة الفرنسية والأوروبية، وقد تمت كل هذه الإنجازات غير المسبوقة بعد أن اشترته قطر، ولهذا لم يجد المشجعون أي حرج في "شكر" دولة قطر، ولعل ساركوزي كان أوّلهم. وفي المجال نفسه، استطاعت قطر أن تمنح العرب شرف تنظيم كأس العالم على أرض عربية، وهذا ما سيعود بالفضل على الجميع، عرباً وغير عرب.

تأتي زيارة أمير قطر الحالية لباريس في ظروف عالمية وشرق أوسطية سمتها الثورة السورية، وتفرد عبد الفتاح السيسي بالحكم في مصر، واستمرار التوتر والنزيف في ليبيا، واحتدام المعارك في العراق، والتي تهدد بالتحول إلى حرب أهلية وإقليمية. كل هذه التطورات والأزمات تدعو إلى مثل هذه الزيارات، وتبادل الرأي وتدارس الحلول العقلانية الممكنة.

ولكن الزيارة، رغم أهميتها السياسية، اقتصادية أيضاً، نظراً للاستثمارات القطرية الضخمة في هذا البلد الأوروبي، وبسبب الرهانات الفرنسية العسكرية. ففرنسا، التي تنتظر لحد الساعة موافقة البرازيل والهند على شراء طائرات "رافال"، يحدوها أمل كبيرٌ في أن تتخذ دولة قطر قرار تسليح قواتها الجوية بـ 36 طائرة من هذا النوع.

لقد جاءت زيارة أمير قطر الحالية لفرنسا، وقبلها زيارة الرئيس الفرنسي وبعض وزرائه للدوحة في العام الماضي، لتؤكد فشل الحملات الإعلامية على قطر، وتعطي الدليل على متانة العلاقات بين البلدين. صحيح أن العلاقات مع الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي كانت أقوى، وهذا عائد، في بعض الجوانب، إلى شخصية ساركوزي "الحميمية"، ولكن الزخم عائدٌ، دونما شك، إلى هذه العلاقات. ففرنسا تشترك في الاهتمام مع دولة قطر في كثير من القضايا والملفات، وليس الملف السوري وحده هو الذي يحظى بشبه توافق، فالحرب الدائرة في العراق تشكل مصدرَ قلق للبلدين. كما أنهما متفقتان على أرضية الحل، والتي تتمثل في بناء دولة عراقية ديمقراطية تتسع للجميع، وتضع حداً لسياسة التهميش، التي عانى منها، ولا يزال، العرب السُّنَّة في العراق، والتي مارستها حكومة نوري المالكي، بعد انسحاب قوات الاحتلال الأميركي.

المساهمون