بعد "زهو الفاعل" (2009)، احتفظ الشاعر بمسوّداته التي كُتبت خلال عامين لاحقين قبل إصابته بجلطة دماغية عام 2011، حيث جمعها أصدقاؤه ليُنشر جزء منها في هذا الكتاب، وبقيتها لا تزال تنتظر إصداراً آخر قد يرى النور في وقت قريب.
ربما تجدر الإشارة إلى تكريم وزارة الثقافة للعناني في الدورة الأولى من "ملتقى الأردن للشعر" بمناسبة ظهور مجموعته الأخيرة، وبدا مفارقاً عرض فيلم "الرائي لأحزان النايات" في حفل الافتتاح، وبدلاً أن يتناول معدّو الفيلم تجربته بملامحها الواضحة وأسلوبها المعروف لكل من قرأها، ذهبوا إلى إنشاء ينكر حضور الشاعر ويسيء إليه عبر نص يتحدث عن "حبات الضوء" و"جيد السماء" و"رائحة القهوة" و"أسراب الحجل تحطّ على ينبوع القصيدة"، ولا يقول عن قصيدته شيئاً.
مناسبة القول إنه لم يكن مطلوباً من أي جهة رسمية أن تحتفي بشاعر طالما رفض هباتها كلما عرضت عليه، وأن تكرّمه بوصفه أحد أبرز المجربين في فضاء قصيدة النثر العربية في ملتقى كان معظم المشاركين فيه مغرقين في التقليدية أو ممن يتشكّك المرء بشعريتهم أساساً.
بعيداً عن ذلك كلّه، يكمل صاحب "شمس قليلة" (2006) هجاءه لواقعنا وسلطاته المهترئة وخروجها من التاريخ، وهو لا يجد سوى التذكّر أو محاورة الغائبين أو جلسات الشراب سبيلاً لتأمّلاته، فيقول في قصيدة "الأوبرج": أدرْ كُلَّما زادَ الفقدُ/ لا نريد الحزنَ/ سكارى نحن بالجمعِ/ بالكادِ نَرى أو نُرى/ وبغير الماضي لا أحدٌ يدلُّ علينا/ ولا أحدٌ يعرف دربنا".
رغم اشتغال العناني على العديد من المضامين والثيمات التي قاربها في مجموعاته السابقة، لكنه يجترح تقنيات لم نعتدها من قبل عبر اعتنائه أكثر بالصورة الشعرية في تقديم مشاهد/ حالات كان يلجأ في ما مضى إلى التعبير عنها بالتقاط مفارقة خاطفة أو في تراكيب لغوية تتقصّد التكثيف وتعريف الشيء بضدّه، مثلما يفعل في قصائد "الشعراء" و"الأوبرج" و"الراقصة"، وفي الأخيرة يدوّن: "وعلمينا كيف ندخل في/ صورةً مُغامِرةً/ قليلةَ الكلام/ بلا دُمى/ أو وردةٍ مقتولةٍ بين السّاقين/ فكلُّ من ماتوا/ ماتوا لأنّهم صاروا بلا جسدٍ/ جرّهم خيطُ النّيام المتعبين إلى الهلاك/ ولم ينظروا إلى أجدادِهم في الكهف/ ولم يأخذوا/ إرثَهم من الرَّقصِ/ حول النّار أو حول لذاذة الأنوثة المُتفتِّحة".
جاءت المجموعة في قسمين؛ الأول بعنوان "جهة لا بأس بعريها"، والثاني "تلويحة الغرقى". يبدو أنّ من وضع اسم المجموعة –غالبًا ليس العناني- لم يبذل جهدًا للبحث عن عنوان خاص بها، ليكتفي بنسخ اسم القسم الأول ووضعه على الغلاف.
ثماني قصائد يحتويها الكتاب تُضاف إلى نشيد ابتدأه منذ "خزانة الأسف" (2000) ليرثي من خلاله العالم، الذي كلما هتك أسراره وهجا خرابه أحسّ أكثر بالفاجعة التي تصوغ قصيدته "موسوعة الألم" حين يكتب في أحد مقاطعها: "سوف يأتي الطُّوفان/ ولا فُلك عندي/ لا طير/ ولا بذرةَ من شيءٍ/ ويجرُّ بياضَه فوقَ الأرضِ/ فعلامَ تجلسُ مع نفسِكَ وتدلُّ الناس على سواك/ يا عدم".