تفاجؤها آلام الولادة، فتتوجه إلى المستشفى بحثاً عن مساعدة الأطباء، يصرّ الطبيب على أن يجري لها جراحة توليد، ترفض راغبة في ولادة طبيعية، يرفض الطبيب، ويقرر إخراجها من المستشفى الحكومي، تلد السيدة على أبواب المستشفى، ولادة طبيعية.
قصة واقعية جرت يوم أمس الأول الجمعة في مدينة كفر الدوار المصرية في دلتا النيل شمالي العاصمة القاهرة، المدينة ذات الطابع الريفي العمالي، لا يوجد بها غير ذلك المستشفى الحكومي المهمل، مثل معظم المستشفيات الحكومية المصرية، والمواطنون البسطاء يلجأون إلى تلك المستشفيات رغم سوء الخدمة الصحية المقدمة فيها، بسبب الأحوال الاقتصادية المتردية.
يعرف المصريون الكثير من القصص والوقائع عن أشخاص دخلوا المستشفيات الحكومية يعانون أمراضا بسيطة، وخرجوا بأمراض أخطر، بل خرج بعضهم محمولا على الأعناق إلى مثواه الأخير.
ترفض سيدة مارة في الطريق أمام المستشفى، قررت من باب المروءة مساعدة سيدة في حالة ولادة على قارعة الطريق، أن يقوم مواطن بتصوير السيدة التي تلد، ليس هذا مقبولا في المجتمع المصري المحافظ، لكن الرجل يصر على استكمال التصوير، قائلا: "من حق المجتمع كله أن يعرف حقيقة ما يجري في المستشفيات المصرية تجاه المواطنين".
المواطن المصري صاحب اللقطات المصورة يدعى "حسنين جمال" تصادف وجوده أمام مستشفى كفر الدوار العام، كون زوجته نزيلة في المستشفى، ولا يرغب الأطباء في علاجها، حسب قوله في لقطات فيديو صورها للسيدة التي تلد على أبواب المستشفى.
انفجر الرجل غاضبا عندما فوجئ بطرد المستشفى للسيدة التي تعاني آلام الوضع، هو بلا شك متأثر بحالة زوجته التي تعاني في الداخل، يقول لزوج السيدة التي يصورها: أنا تقدمت ببلاغ ضد مدير المستشفى الذي يرفض علاج زوجتي، تعال تضامن معي ضد المستشفى، وافضح ما فعلوه بزوجتك.
في الخلفية آخرون يتهمون الطبيب بالمتاجرة في مهنته، يقول أحدهم "أين أنتم يا دعاة حقوق الإنسان؟"، بينما يقول آخر "الطبيب يرغب في أن يجري ولادة قيصرية، بينما السيدة ولدت بشكل طبيعي".
المعروف أن تكلفة الولادة غير الطبيعية أكبر من تكلفة الولادة الطبيعية، لكن القانون المصري ولوائح نقابة الأطباء المصرية تجرّم إجراء جراحة لمريض لا يحتاجها. والمعروف أيضا أن المستشفيات العامة في مصر تقدم خدمة مجانية، لكن هذا في القوانين فقط، بينما على أرض الواقع يدفع أهل المريض الكثير من المال للأطباء وطاقم التمريض، كما أنهم ملزمون بشراء الأدوية ومستلزمات الجراحة أو النقاهة من الخارج، لأنها في العادة غير متوفرة في المستشفى.
في الخلفية أيضا تقول سيدة عن المستشفى: "من يوم ما فتحوها وهي مستشفى معفّنة"، بينما يقول زوج السيدة التي تلد، موجها حديثه إلى الأطباء: حرام عليكم يا يهود، معندكوش (أليس لديكم) عيال؟! وفي الثقافة المصرية، وصف شخص بأنه يهودي لا يعني ديانته، وإنما يقصد به أنه صهيوني، وهي تهمة شنيعة في الشارع المصري، ولغته الدارجة.
كالعادة يظهر مسؤول حكومي على قنوات التلفزيون الموالية للنظام الحاكم لينفي القصة، وبينما لا يجد المسؤول ما يبرر به الواقعة المثبتة بلقطات فيديو لا تقبل النقض، يقرر أن يتهم من فضحوا قطاع الصحة بالتهمة الرائجة في مصر حاليا: "إنهم إخوان"، في إشارة إلى أن اللقطات ملفقة، أو أن من قاموا بتصويرها "لو كانوا إخوانا" فليس لهم حق الاعتراض على تدني الخدمة أو الجريمة النكراء الموثقة التي قام بها المستشفى، أو كأن المصريين لا يعرفون جيدا أن الواقعة حدثت وتحدث وستحدث في كثير من المستشفيات المصرية التي لا يختلف حالها كثيرا عن مستشفى كفر الدوار العام.
الواقعة التي جرت الجمعة الماضية، وكان عليها شهود بالعشرات من المارة، أحدثت جدلا واسعا، وتداخلت فيها الكثير من الجهات والأجهزة، وبات يضرب فيها المثل على تدني الخدمات الصحية في البلاد، وهي للحقيقة متدنية منذ سنوات طوال، لكن هل يتغير الواقع بسبب واقعة جديدة؟
الحال في مصر يؤكد أن شيئاً لا ولن يتغير، لكن لننتظر، فربما.