زواج محظور لعدم تكافؤ النسب

30 أكتوبر 2017
+ الخط -
لم يخف صديقي محمد لواعجه، وهو يحدثني عن قصة حبه التي انهار سقفها لمجرد اختلاف نسبه عن نسب حبيبته، فهي فتاة هاشمية النسب، وهو شاب يمني محسوب على القبيلة، ويصعب على الهاشميين مصاهرة شاب لا ينتمي لطبقتهم الاجتماعية، فبعد عام ونيف من التعارف وإبداء الإعجاب بين محمد وحبيبته، قرّر أن يخوض معها حديثا أكثر جدّية بشأن إمكانية الزواج من عدمه، إلا أنّه صدم بردها الذي وقع على أذنيه كالصاعقة: "إن كنت هاشميا يمكنك أن تطلب يدي من أهلي، فأسرتي لا تقبل أي مصاهرة خارج الإطار الهاشمي".
لم يكن صديقي مدركا أبعاد الطبقية المترسبة في عمق الذاكرة الثقافية اليمنية، ولم يكن يعلم أنّ هناك معوقات تقليدية بوسعها وأد حبه العفيف، لكنه تلقى درساً مهماً، وقرّر وضع حد للحلم الذي خطه على بلاط فاتنته الهاشمية، كما حدّثني بنفسه.
في الواقع، كل الديانات السماوية والقوانين الوضعية في العالم تجرّم العنصرية وتناهضها، وجاء الدين الإسلامي لإرساء قيم المساواة والعدل بين الناس، شعاره "لا أفضلية بين عربي ولا أعجمي، ولا أبيض أو أسود إلا بالتقوى". وفي هذا الصدد، فقد زوّج محمد بن عبدالله زينب بنت جحش (الهاشمية) لزيد بن حارثة (شيخ مسن محسوب على ما يعرف اليوم بالمهمشين)، وزوّج فاطمة بنت قيس القرشية لأسامة بن زيد، والمحسوب على المهمشين أيضا، وهي دروس جسدت العدالة في أبهى صورها.
اليوم، وبعد مرور أكثر من 1400 عاما من الرسالة المحمدية، عادت مجتمعات عربية كثيرة، بما فيها اليمن، إلى عصور الجاهلية الأولى، بممارسة ثقافة عنصرية تميز بين الناس، وفقا للنسب واللون والمهنة، خصوصا فيما يتعلق بالزواج.
للهاشميين أو من يعرفون بالسادة في اليمن قوانين وضعوها لأنفسهم، وهي قوانين استعلائية، عزلتهم عن باقي فئات المجتمع، إذ يرفضون أن يزوّجوا بناتهم لذكور من خارج طبقتهم، ولكنهم يسمحون لأبنائهم أن يتزوجوا بنات القبائل، لأن الذكر يورث السيادة، أما الأنثى فلا تورثها قط، وزواجها من غير هاشمي يعني ضياع النسب كما يزعمون. أيضا في حال موت الرجل الهاشمي، لا تتزوج زوجته من بعده، وتظل حبيسة ماضي زوجها على حساب إنسانيتها.
ليست المشكلة اليوم في استعلاء الهاشميين على بقية مكونات المجتمع، كون الاستعلاء بات مفهوماً راسخاً في وعيهم منذ مئات السنين، لكنها، أي المشكلة، تتلخص في غياب الدولة وتغاضيها عن شتى أشكال العنصرية التي تكاثرت وتوسعت على مرأى ومسمع من مؤسسات الدولة المختصة. كان حريا بها أن تعزّز مفاهيم، كالعدل والمواطنة المتساوية، وأن تعمل على تذويب المفاهيم التي تكرّس الطبقية بين فئات المجتمع، إما بإصدار التشريعات والقوانين التي تجرّم العنصرية أو بإقامة الندوات والفعاليات الثقافية التي تعزّز المساواة وتشجع عليها.
ذلك التباين الطبقي وما رافقه من تفتيت للنسيج المجتمعي بات اليوم من أعتى المعوقات أمام الدولة المدنية، فقد تزايدت حدة العنصرية، وطفحت روائح السلالية على ما سواها في عموم اليمن، نتيجة غياب الدولة وظهور كيانات ميليشاوية متحاربة حلت محلها، وأذكت نيران التشرذم بين اليمنيين.
ليست قضية محمد الأولى، ولن تكون الأخيرة في ظل تغوّل الطبقية في المجتمع، بل هناك قضايا مأساوية في هذا الصدد، أذكر أنّ هناك حالات طلاق عديدة حدثت بسبب اكتشاف متأخر لاختلاف النسب بين الزوجين، ما تسبّب في هدم بيوت عامرة بالحب وعصف بقصص حب عديدة نشأت تحت وطأة المشاعر البريئة، وماتت بلدغات العنصرية المقيتة.
ما تقدّم كله يشي بأن اليمن ما برحت ترزح تحت وطأة الجهل، وأنّ القادم أسوأ في ظل غياب الدولة، وتصدر المليشيات الدينية والقبلية للمشهد العام في بلادي، ولا عزاء للقلوب العامرة بالحب في زمنٍ لوثته معايير النسب والمكانة الاجتماعية.
7FF1708D-D31B-4B91-BD04-B489B196FEBD
7FF1708D-D31B-4B91-BD04-B489B196FEBD
عبد العزيز البدوي (اليمن)
عبد العزيز البدوي (اليمن)