قبل ثلاث سنوات، التقى الشاب عبد الرحمن الحوراني (29 عاماً) بفتاة أحلامه التي كانت في السابعة عشرة من عمرها. في ذلك الوقت، لم يكن قادراً على منع نفسه من المرور في الشارع الذي تقطن فيه بمدينة درعا جنوبي سورية، الذي كان خاضعاً في ذلك الوقت لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة، وظلّ يحلم بالارتباط بها.
كثيرون من الشبان التقوا بفتيات أحلامهم ورغبوا في الزواج، كحال الحوراني، إلا أنهم واجهوا مصاعب كثيرة. يقول عبد الرحمن: "لم تكن الظروف مناسبة للارتباط إذ إن المنطقة في حالة حرب مع القوات النظامية، ومعرضة للقصف وخطر الاقتحام في أية لحظة. لا يعلم الشخص إلى أين سينزح إن لم يقتل، عدا عن سوء الأوضاع الاقتصادية وعدم توفر فرص عمل. وبعد إنهاء الاقتتال وفرض تسوية عام 2018، تقدمت لخطبتها ثم التحقت بالخدمة العسكرية الإلزامية في القوات النظامية، على أن يكون الزواج بعد انتهاء الخدمة. لكن الواقع كان مختلفاً لأن ظروف الخدمة سيئة جداً والموت يحاصرنا، عدا عن تدني الرواتب الذي لا يكفي لتغطية الاحتياجات الشخصية".
ويرى الحوراني أن الزواج أصبح "ضرباً من الجنون"، إذ يقول إن امتلاك منزل أصبح شبه مستحيل. كما أن بدلات إيجار المنازل أصبحت مرتفعة جداً مقارنة مع الرواتب، ما يجعل غالبية الشباب المقبلين على الزواج يعيشون مع عائلاتهم. حتى إن تجهيزات المنزل وتكاليف حفل الزفاف تحتاج إلى ملايين الليرات السورية".
أما طارق (34 عاماً)، وهو من ريف درعا الشرقي، والذي طلب عدم ذكر اسمه كاملاً، فيسأل: "ما ذنب الفتاة التي سأتزوجها لكي تعيش في حالة القلق الدائم التي أعيشها منذ نشر النظام حواجزه وفرض تسويات في درعا لم يلتزم بها أبداً، وراح يعتقل الشباب على الحواجز وداخل مؤسسات الدولة؟"، مضيفاً أنه شارك في التظاهرات قبل نحو 9 سنوات".
ويقول لـ "العربي الجديد": "في الوقت الحالي، أشعر بتهديد دائم. ربّما تستعد القوات النظامية لكسر باب بيتي واعتقالي، لكن ذلك سيكون على جثتي لأنني سأقاومهم حتى الرمق الأخير. لا أستطيع تصور الأمر مع وجود زوجة وطفل. الفكرة مستبعدة بشكل نهائي إلى أن تستقر الأوضاع ولا نعود مهددين بالموت أو الاعتقال".
ويلفت طارق إلى أن "الكثير من الشباب يتمنون الزواج وإنجاب الأطفال وعيش حياة مستقرة. إلا أن الأوضاع في درعا لا تسمح بذلك. غالبية الشباب اليوم مطلوبون للخدمة العسكرية لدى القوات النظامية. وكثيرون ممن التحقوا بالخدمة عقب التسوية عام 2018 بدأوا بالانشقاق من جديد في مناطق لا فرص عمل كافية فيها. ومن يعمل، غالباً ما يكون دخله غير كاف لإطعام أسرة".
من جهته، يقول أيهم السعيد، الذي يقيم في مخيم درعا، لـ "العربي الجديد": "اختار معظم شباب درعا العزوف عن الزواج. ومن يتزوج منهم فهو ينتمي إلى الطبقة الميسورة بعدما ارتفعت تكاليف الزواج بشكل كبير. أحد أصدقائي الذي تزوج مؤخراً دفع 500 ألف ليرة سورية (نحو 976 دولاراً) كمقدم، و500 ألف ليرة كمؤخر، عدا عن تكاليف الذهب والأثاث وحفل الزفاف. كل ذلك يقدر بأكثر من مليوني ليرة سورية (نحو 4000 دولار)". ويلفت إلى أن "سن الزواج لدى الفتاة كان 20 عاماً. ومن تجاوزت الخامسة والعشرين ولم تتزوج تعد عانساً أو تقل فرصها في الزواج، وقد يتقدم للزواج منها رجل خمسيني أو أرمل ولديه أطفال. إلا أن الحرب والغلاء الفاحش وعدم قدرة الشبان على الزواج، رفعت سن الزواج لدى الفتاة إلى ثلاثين". ويُقدّر عدد الفتيات اللواتي لم يتزوجن بعد في المنطقة بأكثر من 25 في المائة.
ويتابع السعيد أن هذا التراجع أصبح يشكّل ضغطاً نفسياً واجتماعياً على الفتيات وعائلاتهن. وغالباً ما يمارس الأقارب ضغوطاً على العائلة، التي تمارس بدورها ضغطاً على الفتاة للقبول بأول عريس يتقدم لها، خصوصاً إذا ما تجاوزت الـ 25 من العمر من دون أن تتزوج خوفاً من ألّا يتقدم إليها آخرون، حتى وإن لم تكن راغبة بالعريس. بالتالي تجرّب الفتاة حظّها. وفي حال الطلاق بسبب عدم التفاهم، تزداد الضغوط النفسية والاجتماعية عليها". ويقول السعيد إن "الكثير من قصص الحب لا تتوج بالزواج نتيجة صعوبة الواقعين الاقتصادي والأمني، ما يحرم الشباب من أبسط حقوقهم في تكوين أسرة".
إلى ذلك، يرى المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران" أبو محمد الحوراني، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن الشباب في درعا يدفعون ضريبة منذ أكثر من تسع سنوات بسبب الحرب، عدا عن الأزمة الاقتصادية وانهيار القيمة الشرائية لليرة السورية، وقلة فرص العمل التي تكاد تكون معدومة، ومحدودية الدخل، ما يدفعهم إلى إرجاء مشروع الزواج، أقله حتى يتمكنوا من تأمين تكاليف حفل الزفاف". ويضيف: "في بعض المناطق في درعا، يرتبط الزواج بجني المحاصيل الزراعية، كما هو الحال في منطقة حوض اليرموك في الريف الغربي من محافظة درعا. العائلات التي لديها إنتاج زراعي أو أن عدداً من أفرادها خارج البلاد قد يستطيعون تزويج أبنائهم. لكن تبقى نسبتهم الأقل في المجتمع". ويلفت إلى أنّ "عائلات الفتيات تفضل الشباب غير المطلوبين أمنياً. لكن بعضهم يشيرون إلى أن الجميع يتشاركون المصير نفسه. فالعائلة التي تريد تزويج ابنتها قد يكون لديها شاب مطلوب للخدمة العسكرية أو أمنياً". ويذكر أن هذه الظروف الأمنية قد تدفع الشباب إلى عقد زواج عرفي أو بحسب المتعارف عليه "عقد شيخ. ومن يرد تثبيت زواجه وتسجيل أطفاله فعليه توكيل محام، وهذا الأمر مكلف مادياً".
يشار إلى أن الفصائل المسلحة في مناطق المعارضة في درعا قد أنجزت في يوليو/ تموز عام 2018، ما يسمى "تسوية أمنية" بدعم من الروس، أبقت على غالبية شباب درعا في مدنهم وبلداتهم، على أن تتم تسوية أوضاعهم، الأمر الذي لم يتحقق بالنسبة للغالبية حتى اليوم.