زواج الفاتحة.. أسرٌ مغربية تُحرم من حقوقها الاقتصادية والاجتماعية

02 سبتمبر 2015
مؤسسة "يطو" تتكفل بطفلة كانت عرضة لزواج الفاتحة(العربي الجديد)
+ الخط -
ينتشر في المناطق الجبلية المغربية، وبعض المناطق الصحراوية الجنوبية، نوع من الزواج يطلق عليه اسم "زواج الفاتحة". وهو عقد لا يوثّق بين الرجل والمرأة بحضور بعض الشهود من الأهلين، حيث يكتفون بقراءة الفاتحة، ويعتبر هذا بالنسبة إليهم كافياً لكي يُكوّن الرجل والمرأة أسرتهما. وفي تحقيق دام 12 يوماً، قاد "العربي الجديد" إلى مجموعة من القرى المغربية، حيث ظهرت المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تترتب عن "زواج الفاتحة".


تتعدد المشاكل التي تصادف الأسر بسبب هذا النوع من الزواج، رغم أن "مدونة الأسرة" (قانون الأسرة) المغربية، حسمت مع هذا النوع من الزواج في مادتها 16، لكن اضطر البرلمان المغربي إلى تعديل المادة التي منحت مدة لتوثيق هذا النوع من الزواج انتهت مطلع السنة الحالية، وتم تمديد المدة لخمس سنوات إضافية تنتهي سنة 2020.

وفي حديث لـ"العربي الجديد"، أوضح المحامي في هيئة الدار البيضاء، مهدي مساعد، أن هذا النوع من الزواج يعتبر غير قانوني، ولا يمكن عبره ضمان الحقوق الأساسية للأسرة، خاصة الأبناء والأم، حيث يترتب عنه عدم "إمكانية تسجيل الأطفال في دفاتر الحالة المدنية، وذلك يعني عدم قدرتهم على ولوج التعليم، وكذا حرمانهم من الحصول على بطاقة تعريف وطنية بعد بلوغهم سن الرشد، ما يجعلهم في حكم غير معترف بهم من طرف الدولة إن لم تُسوَّ وضعيتهم من طرف الأب، وينتج عن كل هذا ضياع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الفئة". ويفصّل المحامي المتخصص في شؤون الأسرة مشاكل "زواج الفاتحة" بالقول: "إن الزوجة والأبناء يمكن أن تحرمهم أسرة الأب من الإرث، ولا يحق للمرأة أن تطالب بحقوقها من النفقة إن لم يتم إثبات الحالة الزوجية بعقد أمام المحاكم".

من جهتها، رأت المساعدة الاجتماعية ومسؤولة اللجنة القانونية داخل مؤسسة "يطو" سعيدة باجو، أن "زواج الفاتحة"، الذي تكون ضحيته في أغلب الحالات طفلات قاصرات، يحرم الأم والأطفال من جميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وتضيف، في تصريحها لـ"العربي الجديد"، أن هذا النوع من الزواج يعني، مباشرة، تحرر الزوج بقوة القانون من مسؤولياته تجاه الأسرة، بل أظهرت الدراسات التي قامت بها مؤسسة "يطو" حسب المتحدثة ذاتها، أن أكثر من 80% من الزيجات من هذا النوع، يهجر فيها الزوج أسرته، تاركاً وراءه أطفالاً بدون هوية، ولا يحق لهم الاستفادة من خدمات الدولة، خاصة التعليمية والصحية.

وتضع باجو المشاكل الاقتصادية والاجتماعية على رأس الأسباب التي تجعل من هذا النوع من الزواج منتشراً بقوة في مجموعة من المناطق المغربية، حيث تفضّل الأسر بسبب الفقر وبُعد المؤسسات التعليمية عن مقار سكنهم، تزويج بناتها بمقابل مادي يساعدها على العيش، و"يخلّصهم"، حسب قناعاتهم، من أعباء تكاليف معيشتها داخل الأسرة.


وتشدد المساعدة الاجتماعية سعيدة باجو، على أن "زواج الفاتحة" وتزويج القاصرات، ينتج عنهما مشاكل أخطر، منها وجود مواطنين مغاربة بدون هوية قانونية، ولا يمكن بأي حال الاعتراف بهم أمام المؤسسات دون إثبات نسبهم إلى الأب أولاً، ثم التسجيل في دفاتر الحالة المدنية، الذي يمنحهم رقماً مرجعياً يعدّ ضرورياً في المغرب للحصول على بطاقة التعريف الوطنية.

وعن مسألة الحصول على بطاقة تعريف وطنية وعلاقتها بالمشاكل التي تنتج عن "زواج الفاتحة"، رصدت "العربي الجديد"، داخل منطقة "تاغبالت"، نواحي مدينة "زاكورة" (جنوب المغرب)، وجود أكثر من 70 فرداً من أبناء القرية غالبيتهم من ضحايا أسر "زواج الفاتحة"، الذين يعانون اليوم من أزمة عدم قدرتهم على الإستفادة من الخدمات العامة. وتبيّن أن هؤلاء استطاعوا في العام 2007، الحصول على هويات وطنية رغم عدم حصولهم على رقم مرجعي في سجلات الحالة المدنية.

توجهت "العربي الجديد" نحو مقر جماعة (بلدية) "تاغبالت"، وكشف نائب رئيس البلدية عن تورط أحد موظفي البلدية سنة 2007 في إصدار وثائق تخوّل مجموعة من المواطنين الحصول على بطاقات تعريف وطنية، رغم عدم حصولهم على أرقام سجل الحالة المدنية.

أما تبعات هذا الموضوع، فتشرحه المواطنة رقية منادي، من منطقة "تاغبالت"، التي تتوفر معها بطاقة تعريف وطنية حصلت عليها في الفترة نفسها، وتلفت إلى أنها أرادت تجديد بطاقتها لكي تستفيد من بطاقة "رميد" الموجهة للرعاية الصحية المجانية في المغرب، لكنها فوجئت بطلب المصالح المعنية لنسخة من رسم ولادتها، رغم وجود بطاقة تعريف وطنية معها صادرة بتاريخ 2007، لتكتشف، حسب إفادتها لـ"العربي الجديد"، أن البطاقة التي تحملها بين يديها لا قيمة لها، ولا يحق لها بأي شكل من الأشكال ضمان حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل حصلت بعد إلحاح منها على وثيقة مؤرخة بتاريخ 28 يناير/ كانون الثاني 2014 تؤكد عدم تسجيلها في سجلات الحالة المدنية.

فاطمة أوبنعلي، سيدة من مواليد عام 1960، ضحية أخرى لـ"زاوج الفاتحة"، حيث تؤكد لـ"العربي الجديد"، عدم قدرتها على حفظ ممتلكاتها بسبب وجود بطاقة تعريفية معها غير سليمة. والأمر نفسه بالنسبة للسيدة مينة بوحلان، من مواليد عام 1972، والتي لا يحق لها المطالبة بمجموعة من الوثائق المغربية الرسمية.


وفي تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، تقول وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، بسيمة الحقاوي، إن الحكومة المغربية "تتوفر اليوم على سياسة عمومية للمساواة وإكرام المرأة والفتاة وتحقيق شروط الإنصاف وتكافؤ الفرص لولوج الخدمات الاجتماعية وضمان الحقوق الاقتصادية".

وتشرح الوزيرة أن مصالح وزارتها وقفت على مجموعة من أسباب تزويج القاصرات و"زواج الفاتحة"، حيث كشفت الدراسات أن الفقر، وصعوبة الدراسة ومتابعة التكوين المهني، بالإضافة إلى الحصول على فرص للشغل، من أهم الأسباب.

وتشدد الوزيرة المغربية على أن الحكومة المغربية تواكب مجموعة من البرامج للقضاء على هذا النوع من الزواج، ومن أبرزها تشجيع ومواكبة دور الطالبة التي تستهدف الحد من التسرب المدرسي، كذا المصادقة على قانون يتعلق بإحداث هيئة المناصفة لمحاربة كل أشكال التمييز... ومصادقة البرلمان المغربي على مشروع قانون يتعلق بالإتجار في البشر.
دلالات
المساهمون