تُطرح قضية زواج الشباب الجزائري من الأجانب بكثير من السخرية والتهكّم من قبل الجنسين عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفضاءات الحوار العامة، في حين تكشف القصص الواقعية عن حجم البؤس الذي يجعل هذا الزواج، حلمًا للشباب الناقم على أوضاعه الاجتماعية والراغب في تحقيق ذاته خارج الوطن.
قضية ساخرة
شهد مطلع السنة الجارية "قضية ساخنة"، حيث انتعشت التعاليق الساخرة في مواقع التواصل الاجتماعي، إثر انتشار فيديوهات على اليوتوب والكثير من المواقع الإخبارية، في شهر يناير/ كانون الثاني، تنقل مشاهد حفل زواج شابة جزائرية تدعى فريال من مدينة وهران (غرب الجزائر) بشاب أميركي تعرّفت عليه على فيسبوك.
وكانت فيديوهات حفل الزواج الذي أقيم في مدينة وهران، فرصة مناسبة لكثير من الجزائريات للسخرية من الشباب ووصفهم بـ عديمي المسؤولية والكسالى الذين يبحثون عن أجنبيات لإنقاذهم من البطالة وتحقيق حلمهم بالعيش في دول غربية. وبدأن بالتفاخر بقدراتهن على جذب الأجانب مثلما فعلت فريال، ردًا على بعض الشباب الذين يصفون فتيات الجزائر بـ "انعدام الأنوثة وقلّة الجمال".
بعد موجة التهكّم التي دامت لأسابيع عديدة بين الجنسين، بسبب زواج جزائرية من أجنبي عبر الشبكات الاجتماعية، وسبر الآراء التي تناقلته القنوات التلفزيونية الخاصّة، بدأت موجة جديدة أكثر حدّة لصالح الشباب الذين أسرفوا في السخرية من البنات، واتهامهن بـ "الخشونة" والتكبّر وفرض شروط تعجيزية للزواج وغلاء المهور، بمجرّد نقل وسائل إعلام وطنية في شهر أبريل/ نيسان، خبرًا مفاده سماح روسيا للجزائريين بالدخول إلى أراضيها دون تأشيرة.
أطلق هذا الخبر سيلًا من منشورات التغزّل بجمال الروسيات، والتخطيط للهجرة والسفر والاستفسار عن تكاليف الإقامة هناك، وشروط الزواج بـ"الشقراوات"، ومنهم من ذهب إلى البحث عن تطبيقات رقمية لتعلّم الروسية وإرسال طلبات صداقة عبر الفيسبوك للروسيات. ورسم الشباب سيناريوهات ساخرة للجزائريات بعد مغادرتهم للبلاد.
ولم تدم فرحة الجزائريين الطامعين في الهجرة إلى روسيا والزواج والاستقرار هناك، كثيرًا، بعد نشر خبر توضيحي؛ مفاده أن القرار يخصّ فقط مقاطعة فلاديفوستوك وهي منطقة شبه خالية، وتتميّز بانخفاض شديد في درجة الحرارة، ليعصف الخبر بحلم ارتباطهم بـ "شقراوات القارّة الآسيوية".
الواقع شيء آخر
هذا الوجه الساخر من قضية زواج الجزائريين بالأجنبيات، وإن كان يعبّر عن وضع اجتماعي صعب للشباب العاطل عن العمل والناقم على الأوضاع في البلاد، إلا أن القصص الحقيقية تعكس بشكلٍ أوضح حجم اليأس الذي يصل إليه الشباب ويدفعهم لفعل أي شيء من أجل الزواج بأجنبية تُساعدهم في الحصول على إقامة خارج الوطن. وكانت قصة الشاب الجزائري محمد مع امرأة مجرية تدعى أنياس قد صدمت ملايين المشاهدين الجزائريين، عندما ظهرت في برنامج تلفزيوني على قناة تونسية سنة 2011، امرأة تبلغ 57 سنة من العمر، مطلقة وتعيش مع أولادها وأحفادها في المجر، تطلب مقابلة حبيبها محمد من مدينة النعامة في الجزائر، وهو شاب يبلغ 27 سنة ومتخرّج من الجامعة.
محمد وأثناء حضوره في البرنامج، دهش في البداية عندما رأى المرأة التي قامت باستدعائه، وكشف أنه فعلًا على علاقة بالمرأة وينوي الزواج بها، وأنه قد أرسل لها وثائقه لترتيب إجراءات السفر والاستقرار في الدنمارك لأنه يعيش ظروفا سيئة في الجزائر. وأثارت تفاصيل القصّة استياء بعض الشباب الجزائري بسبب ما وصفوه بـ"زواج المصلحة"، في مقابل تفهّم آخرون وضعية الشاب الذي قرر الزواج بامرأة تكبره بـ30 سنة كاملة من أجل تحقيق حلم الهجرة إلى أوروبا.
ويلجأ كثير من الشباب الراغبين في الهجرة إلى التواصل عبر الإنترنت مع أجنبيات مطلّقات أو أرامل من أجل الزواج والسفر، لسهولة إقناعهن مقارنة بالأجنبيات الشابات اللواتي ترفضن في غالب الأحيان الارتباط بالشباب الجزائريين الذين لا يملكون وثائق إقامة في دولة أجنبية، خوفًا من استغلالهن والتخلّي عنهن فيما بعد.
بهذه الطريقة أقدم الشاب إلياس (30 سنة) من محافظة قسنطينة (شرق البلاد)، مهندس في الإعلام الآلي، على الزواج من امرأة بريطانية تبلغ 53 سنة. وتقوم بعض الأجنبيات المتزوّجات من شباب جزائريين على نشر صورهم عبر صفحات فيسبوك أحيانًا، وهو ما يجعلهم محط سخرية من قبل مستخدمي الإنترنت، وينخرط في حملة السخرية هذه أزواجهم أحيانًا، أين يظهر تعليق إلياس على نشر زوجته لصورتهما باللغة العربية: "لا تلوموها إنها عجوز غيورة".
عقد الزواج في تونس
في حالة تمكّن الجزائريون من السفر إلى بلدان غربية، فإن أغلبهم يتزوّجون وفقًا للقانون هناك، ومن بين هؤلاء تقول راضية متزوّجة من فرنسي وأم لثلاثة أطفال: "سافرت بدعوة من أختي المقيمة في باريس، وتزوّجت هناك، الأمر أسهل بكثير من التعقيدات الموجودة في الجزائر".
وفي الحالات التي لا يتمكّن فيها الجزائريون من الخروج والسفر قبل إتمام إجراءات الزواج، يتوجّهون إلى تونس من أجل استقبال الأجنبيات والزواج هناك حيث لا يستغرق إتمام الإجراءات أكثر من يومين إلى ثلاث أيّام على الأكثر. ويلجأ الشباب إلى هذا الخيار لتجنب الإجراءات المعقدة التي يواجهونها في الجزائر حيث تستغرق إجراءات الزواج من أجنبية أكثر من شهرين وأحيانًا تصل إلى 8 أشهر أو سنة كاملة.
وتشترط الجزائر لعقد الزواج صدور رخصة من مصالح الوالي، بالإضافة إلى إجراءات أمنية تتمثل في التحرّي عن الأجنبيات والأجانب وهو الأمر الذي يتفاداه الجزائريون خوفًا من الوقوع في تهمة التستّر على متاجرين بالمخدّرات أو جسوسات وغيرها.
الشاب العاطل عن العمل يثير الشكوك
قبل لجوء الشباب الجزائريين للزواج من الأجنبيات الأكبر منهم سنًا، كانوا يلجؤون إلى الزواج بجزائريات مغتربات ومقيمات في دول أوروبية لتساعدهم على الهجرة والاستقرار هناك وخاصة في فرنسا، ولأن حالات نجاح هذا الزواج نادرة جدًا، أصبحت المغتربات ترفضن الارتباط بشاب من الجزائر غير مستقر وعاطل عن العمل.
الأمر نفسه يواجهه الشباب من قبل الشابات الأجنبيات اللواتي ترفضن المغامرة والارتباط بشاب لا يملك وثائق الإقامة في دولتها. هنا يقول كريم شاب جزائري مغترب في إسبانيا، لموقع "جيل": "بعد نهاية فترة إقامتي في برشلونة لم أرغب في التورّط بالزواج من إمرأة تكبرني سنًا وترفض الطلاق فيما بعد، لذلك اتفقت مع إسبانية أن تتزوّجني وأمنحها مبلغًا من المال وبعد حصولي على الوثائق نتطلق، رغم ذلك أخلفت الاتفاق وعطلت إجراءات الطلاق".
زواج الاستقرار موجود
هذا الواقع لا ينفي وجود حالات يكون فيها الزواج من الأجانب مبنيا على أسس الاستقرار ونتيجة قصص حبّ حقيقية. وعادة ما يكون أبطال هذا الزواج من الجزائريين والجزائريات الذين يسافرون للدراسة أو العمل في دول غربية وأعمارهم لا تتجاوز 18 سنة على الأكثر، حيث يندمج هؤلاء بسرعة مع المجتمع الغربي ويحدث أن يقرّروا الارتباط بأجانب من أجل تأسيس عائلة هناك. محمد طالب جزائري سافر بعد حصوله على البكالوريا لدراسة الطب بالولايات المتّحدة وهناك تزوج من أميركية كانت تدرس معه واستقرّ معها، الأمر نفسه تكرّر مع سمير الذي تزوّج من روسية عملت معه في مؤسّسة تجارية، يبلغ اليوم عمر أصغر أبنائه 15 سنة، والتحدّي الكبير الذي يواجهه هؤلاء هو عدم العودة للجزائر. يتحدّث كمال عن أخيه سمير لموقع "جيل": "لم أر أخي منذ 25 سنة كاملة".
هذا التحدي يجعل الآباء يرفضون زواج أبنائهم من الأجنبيات أو بناتهم من الأجانب، هنا يوضّح رضا (35 سنة) في حديث إلى "جيل": "أملك الجنسية الفرنسية، وعشت هناك 13 سنة كاملة وجمعتني قصّة حب بفرنسية لكن والدتي قبل وفاتها قالت أن لعنتها ستلاحقني إذا إرتبطت بامرأة أجنبية". ويجيب رضا عن سؤالنا حول سبب ذلك: "لأن عمّي تزوّج من فرنسية ولم يعد إلى الجزائر حتى توفيّ هناك وهي خافت أن أفعل الشيء نفسه".
على خلاف ذلك فإن الشباب الذين يسافرون في عمر متقدّم نسبيًا إلى الدول الغربية من أجل العمل أو الدراسة أي ما بعد سن 25 تجدهم يرفضون الارتباط بالأجنبيات وأكثر تعلقًا بعاداتهم وتقاليدهم ويفضّلون العودة للزواج من جزائريات واصطحابهن إلى هناك رغم متاعب وصعوبات الحصول على وثائق الإقامة.
ومن حالات الزواج النادرة جدا تلك التي يرغب فيها شاب جزائري مستقرّ في بلاده، الزواج بأجنبية وجلبها للاستقرار في الجزائر، وهو العرض الذي ترفضه الأجنبيات الغربيات. منير، (25 سنة)، صاحب وكالة سفر، أصرّ على الزواج من إيطالية رغم معارضة والديه، وبعد أربع أشهر من زواجها واستقرارها في الجزائر هربت وعادت إلى بلادها.