زرع رؤوس لجثث الرؤساء

22 نوفمبر 2017
+ الخط -
ضجّت وسائل الإعلام بخبر عجيب يقول إنّ العلماء نجحوا في إجراء عملية زراعة رأس على جثة، وهم على استعداد للقيام بها على شخص حي، فأصابني هاجس مفاجئ، وخشيت على بلادنا العربيّة من نكسات جديدة في مجال الانتقال الديمقراطيّ، فقد يطمع بعض زعمائنا في حكمنا مدى الحياة وبعد الوفاة...

لا تعني المسألة الدول العريقة في مجال الديمقراطيّة، بل تخصّ حصريّا الدول الغريقة في الاستبداد، حيث أُفشِلت ثورات شبابها ليظلّ من يحكمنا في السلطة أبديّا، سواءً كان يمشي على اثنتين، أو ثلاث، أو أربع، أو مُقعداً على كرسيّ متحرّك، أو طريحاً على فراش المرض، أو محتضراً يقاوم الموت، أو جثّةً برأس مزروع (وهذا هو الجديد)...

والأمثلة في وطننا الكبير وافرة والحمد لله. وقد ارتفعت أصوات في الجزائر لحثّ الرئيس بوتفليقة على الترشّح لولاية خامسة في انتخابات 2019... وليس مستبعدا أن يفعلها الرئيس التونسيّ قايد السبسي، استجابة لطلبات المقرّبين الذين يزيّنون له البقاء في قرطاج لفترة ثانية... فحظّا سعيدا لهما ما دامت بعض الرؤوس النيّرة تشير عليهما بذلك، والحال أنّهما مريضان وقد تجاوزا التسعين ربيعا، بما في ذلك الربيع العربيّ.


وقد رأيت في المنام، أنّ الشعوب العربيّة خرجت في مسيرات حاشدة لمطالبة زعمائها بالبقاء في السلطة إلى قيام الساعة، حيث رفعوا لافتات تشيد بالطبيب الذي زرع تلك الرأس البشريّة على جثّة لأوّل مرّة في التاريخ، ورأيت الشرطة تلاحق عددا قليلا من المتظاهرين الذين شوّشوا على تلك المسريات، ورفعوا لافتات مناوئة تحمل صورا لزعماء برأس أسد، أو أفعى أو حمار، ثمّ ألقوا القبض عليهم لحسن حظّ الشعوب التوّاقة إلى الحريّة.. وقيل في نشرات الأخبار إنّ مسيرات المناشدة قد نجحت، وإنّ التقدّم العلميّ فتح باب الأمل لحفظ الرؤوس الثمينة التي ستستمرّ في حكمنا عقوداً أخرى بفضل حنكتها وطول خبرتها وعمق تجربتها..

كما رأيتُ في المنام أنّ دولة شقيقة عبّرت عن استعدادها لتوريد رؤوس بعض القادة الغربيّين الذين خرجوا من السلطة بسبب الديمقراطيّة والانتخابات لزرعها في بيئتنا العربيّة على سبيل التجريب قبل تطبيق ذلك الأمر على الرؤوس المعنيّة بالبقاء في الحكم.. ثمّ داهمتني الكوابيس فرأيت رؤوسا كثيرة في قاعة للبيع بالمزاد العلنيّ والعرب يشترون ويدفعون بسخاء..

وفي هذا السياق، اشترت دولة شقيقة مؤخّرا روبوتا وأعطته الجنسيّة، ولعلّه يشارك في الحكم الآن بعد انقلاب عجيب، حيث لا يفهم أحدٌ ما يجري في تلك البقعة من عالمنا العربيّ، بسبب كثرة الرؤوس وتدافعها على سرير المُلك.. والبقاء للأذكى أو للأغبى.. لا يهمّ، فقد استوى الحال.

حدّثت الطبيب عن تلك الكوابيس، فلم يصف لي الدواء، وإنّما طلب الشرطة على الفور!
42AEC1D7-8F5A-4B18-8A1C-9045C7C42C2B
عبد الرزاق قيراط

كاتب وباحث تونسي من مواليد 1965. من مؤلفاته كتاب "قالت لي الثورة" سنة 2011. وكتاب "أيامات الترويكا" سنة 2014. له مقالات متنوعة بصحف ومواقع عربية عديدة.