تؤكد الفنانة الفلسطينية، ريم كيلاني، في ألبومها الجديد، "لِمَ أحبّها؟"، طابعاً موسيقياً غلب على معظم أعمالها، يقوم على صوتين رئيسيين؛ الشرق والجاز. ريم، المولودة في مدينة مانشستر البريطانية لعائلة فلسطينية، عاشت جزءاً من طفولتها في الكويت، لكنها ارتبطت دائماً بموطنها الأصل. وهكذا جاءت موسيقاها من تلك العوالم المتعددة الممزوجة بالحنين والذكرى، بالمعاناة والحلم.
يحتوي الألبوم على أربع أغانٍ، أتت من خلفيات موسيقية متنوعة ساهمت في تشكيل هوية كيلاني الموسيقية. واحدة من الكويت، وأخرى من فلسطين، وأغنية بلحن جاز شرقي، والأخيرة من البلوز. الأخير نمط موسيقي تأثرت به كيلاني أيضاً؛ إذ تتيح ألحان البلوز تفجير الغضب بصورة لحنية حيوية وراقصة.
تستعيد ريم في الأغنية الكويتية، "البارحة جزت عيني يا سعود"، سنوات طفولتها في الكويت بثوب من الحنين. تنتمي كل أغنية إلى نمط موسيقي مختلف، وفي "البارحة" مارست هوايتها في مزج التراث وإعطائه طابعاً براقاً وحديثاً. والأغنية الكويتية تبدو في لحنها أشبه بالأهازيج، فتغني جميع أجزائها بجملة لحنية واحدة لا تتغير. عدا أن ريم اعتمدت في غنائها على التلوين اللحني، لتعطي إيحاءً بالتنويع، مع كل جملة موسيقية وفي كثير من الألفاظ، سواء بطريقة النبر على الحروف، أو الميزان اللحني.
ومنذ البداية، تدخل الإيقاعات بمزيج منتظم، ويدخل البيانو في تدفق حيوي بأسلوب الجاز. وتتآلف الخانات اللحنية بصورة إيقاعية في نغمات البيانو. كذلك، تتغيّر خلفية البيانو بالتناسب مع التلوين اللحني لكل جزء غنائي على حدة. فاللحن التراثي يتعرض إلى قراءة مختلفة أيضاً في الأسلوب الموسيقي والغنائي، ولا يكتفي أبداً بظهوره مندمجاً مع موسيقى الجاز، من خلال التوزيع الموسيقي، بل بالأساليب الغنائية، والتحولات والتغيرات النبرية على الكلمات. بينما في الأهازيج، تتكرر النبرة اللحنية نفسها.
اقــرأ أيضاً
أدّت "البارحة" فنانتان كويتيتان شهيرتان؛ عائشة المرطي، ثم ليلى عبد العزيز، وأثّرت بصورة واضحة في السياق الغنائي الكويتي، كما تركت أثرها على الفنانة الفلسطينية ريم الكيلاني، لتعيد تقديمها في طابع أكثر حداثة، ليس فقط لاستخدامه آلة البيانو الغربية، وبعض أساليب الجاز، بل أيضاً في إضفاء زخارف لحنية تصبح مع كل شطرغنائي شخصية لحنية بحد ذاتها.
وسبق لريم كيلاني تقديم أغانٍ مصرية وتونسية؛ إذ غنت لسيد درويش، إضافة إلى أغنية تونسية هي "يابو زمر". ويبدو تأثير الجاز والبلوز واضحاً في شخصيتها الغنائية. وتكتب كلمات بعض أغانيها وتلحنها بنفسها، إضافة إلى أن مشروعها الغنائي يعتمد على دمج أغاني التراث بأشكال موسيقية مختلفة، خصوصاً الجاز. وهي بصورة خاصة، تعيد تقديم التراث الموسيقي الفلسطيني في ذلك النسق المندمج بأشكال موسيقية أخرى.
تعود كيلاني في أغنية "يا طالعين على الجبل" إلى تطوير الثيمة اللحنية عبر التلوين، وهي من أغاني التراث الفلسطيني المعتمدة على لحن واحد في كل أجزائها. والأغنية مهداة إلى الفنانة الفلسطينية الراحلة ريم البنا.
غيرت كيلاني أيضاً من النمط اللحني للأغنية. وعلى عكس البنّا التي قدمتها في الصيغة التراثية مع مزجها بإيقاعات ومركبات موسيقية حديثة. غير أن الأسلوب الغنائي ارتبط بالمنظور الأصلي للغناء الفلسطيني بشجنه ومزاجه المتوسطي. يصاحب البيانو الأغنية برهافة، وتسترسل كيلاني في تلويناتها، ليس فقط في الشكل الزخرفي، وإنما أيضاً في الدرجات الصوتية.
أعطت كيلاني اللحن طابعاً ترنيمياً موظفةً سلمه الموسيقي "المينور" ليعطي مدلولاً رثائياً. غير أنّ الطابع الزخرفي وتغيير الدرجات الصوتية يعطي انطباعاً بتحولات درامية، مع تغيير الميزان اللحني، والانخفاض ثم التصعيد والتدرج في المسار اللحني، ثم الوصول إلى تلك الخاتمة الجنائزية من خلال استمرار ضربات منخفضة كمارش جنائزي، وتنتهي بضربتين أشبه بطرقتين.
اقــرأ أيضاً
إلى ماذا تسعى كيلاني، إذن، عبر إعادة اكتشاف ملامح صوتية جديدة لألحان التراث الفلسطيني، وألحان أخرى؟ إذ تتواشج صلاتها بأرضها الأصلية. إن توظيف لحن راقص من الفولكلور الفلسطيني في صيغة ترانيم شديدة الحزن، هو أيضاً على صلة، وإن من دون قصد، بجذورالفلسطيني الممتدة في أرض الشتات، وعلاقته بوطنه الأصلي، عبر الألم.
أطلقت كيلاني على الألبوم اسم أغنية تتساءل عن سبب حبها لفلسطين، رغم ما يتركه هذا الحب من ألم وتعب، وهي أغنية من تأليفها، ولحنتها بأسلوب الجاز الشرقي؛ "Why I Do Love Her".
في الأغنية الممتدة على طول ست دقائق، يقوم البيانو بتوطئة طويلة نسبياً قبل التهيئة للغناء بنغمات إيقاعية. اتخذت الأغنية أسلوباً خطابياً في نسقها الغنائي، ذلك الطابع الإلقائي، ليتصاعد النسق الخطابي في هياج مرتفع النبرة، لكن المدى التعبيري للغناء هو الذي يفترض وجود تلك الملامح الخطابية، وتتصاعد معه النبرة الإيقاعية، لتصل إلى أعلى درجة بطابع يشبه الصراخ، وتنتهي إلى مستوى منخفض يكاد يكون غير مسموع، وهو ما يوحي بالتمزق القائم على هذا الحب.
ينتهي الألبوم في استعادة أغنية لحنها من طراز البلوز، عدا أنها تدمج فيه لحناً من التراث الفلسطيني، وهذه المرة تستخدم النحاسيات إلى جانب البيانو في لحن راقص ومتفجر. الأغنية بعنوان "Mama Don't Allow"، وتتحدث عن صراع أجيال من خلال عدم سماح الأم بالغناء في ذلك المكان، لكنها ستغني وتغني، وفي جو احتفالي ومتهكم يطلق العنان للرقص والإيقاعات الصاخبة، إضافة إلى أسلوب البلوز المشرق والمتحرر.
عبر مشروعها الغنائي، تبحث الفنانة عن مزيج موسيقي يجعل صوت الفلسطيني مسموعاً، صوت الألم والشتات. عدا ان ذلك مجرد تفصيل في نسق فني تمرس على مزج الموروث الموسيقي الفلسطيني والعربي بموسيقى الجاز ومجاورة عناصر موسيقية عالمية. وهي في كل ما تقوله تؤكد ثيمة العذاب الفلسطيني الحائر في سياق هوياتي متعدد، أو بحسب تعبير إدوارد سعيد "خارج المكان"، وهو ما تحاول ريم كيلاني بعثه موسيقياً في سياق عالمي.
تستعيد ريم في الأغنية الكويتية، "البارحة جزت عيني يا سعود"، سنوات طفولتها في الكويت بثوب من الحنين. تنتمي كل أغنية إلى نمط موسيقي مختلف، وفي "البارحة" مارست هوايتها في مزج التراث وإعطائه طابعاً براقاً وحديثاً. والأغنية الكويتية تبدو في لحنها أشبه بالأهازيج، فتغني جميع أجزائها بجملة لحنية واحدة لا تتغير. عدا أن ريم اعتمدت في غنائها على التلوين اللحني، لتعطي إيحاءً بالتنويع، مع كل جملة موسيقية وفي كثير من الألفاظ، سواء بطريقة النبر على الحروف، أو الميزان اللحني.
ومنذ البداية، تدخل الإيقاعات بمزيج منتظم، ويدخل البيانو في تدفق حيوي بأسلوب الجاز. وتتآلف الخانات اللحنية بصورة إيقاعية في نغمات البيانو. كذلك، تتغيّر خلفية البيانو بالتناسب مع التلوين اللحني لكل جزء غنائي على حدة. فاللحن التراثي يتعرض إلى قراءة مختلفة أيضاً في الأسلوب الموسيقي والغنائي، ولا يكتفي أبداً بظهوره مندمجاً مع موسيقى الجاز، من خلال التوزيع الموسيقي، بل بالأساليب الغنائية، والتحولات والتغيرات النبرية على الكلمات. بينما في الأهازيج، تتكرر النبرة اللحنية نفسها.
أدّت "البارحة" فنانتان كويتيتان شهيرتان؛ عائشة المرطي، ثم ليلى عبد العزيز، وأثّرت بصورة واضحة في السياق الغنائي الكويتي، كما تركت أثرها على الفنانة الفلسطينية ريم الكيلاني، لتعيد تقديمها في طابع أكثر حداثة، ليس فقط لاستخدامه آلة البيانو الغربية، وبعض أساليب الجاز، بل أيضاً في إضفاء زخارف لحنية تصبح مع كل شطرغنائي شخصية لحنية بحد ذاتها.
وسبق لريم كيلاني تقديم أغانٍ مصرية وتونسية؛ إذ غنت لسيد درويش، إضافة إلى أغنية تونسية هي "يابو زمر". ويبدو تأثير الجاز والبلوز واضحاً في شخصيتها الغنائية. وتكتب كلمات بعض أغانيها وتلحنها بنفسها، إضافة إلى أن مشروعها الغنائي يعتمد على دمج أغاني التراث بأشكال موسيقية مختلفة، خصوصاً الجاز. وهي بصورة خاصة، تعيد تقديم التراث الموسيقي الفلسطيني في ذلك النسق المندمج بأشكال موسيقية أخرى.
تعود كيلاني في أغنية "يا طالعين على الجبل" إلى تطوير الثيمة اللحنية عبر التلوين، وهي من أغاني التراث الفلسطيني المعتمدة على لحن واحد في كل أجزائها. والأغنية مهداة إلى الفنانة الفلسطينية الراحلة ريم البنا.
غيرت كيلاني أيضاً من النمط اللحني للأغنية. وعلى عكس البنّا التي قدمتها في الصيغة التراثية مع مزجها بإيقاعات ومركبات موسيقية حديثة. غير أن الأسلوب الغنائي ارتبط بالمنظور الأصلي للغناء الفلسطيني بشجنه ومزاجه المتوسطي. يصاحب البيانو الأغنية برهافة، وتسترسل كيلاني في تلويناتها، ليس فقط في الشكل الزخرفي، وإنما أيضاً في الدرجات الصوتية.
أعطت كيلاني اللحن طابعاً ترنيمياً موظفةً سلمه الموسيقي "المينور" ليعطي مدلولاً رثائياً. غير أنّ الطابع الزخرفي وتغيير الدرجات الصوتية يعطي انطباعاً بتحولات درامية، مع تغيير الميزان اللحني، والانخفاض ثم التصعيد والتدرج في المسار اللحني، ثم الوصول إلى تلك الخاتمة الجنائزية من خلال استمرار ضربات منخفضة كمارش جنائزي، وتنتهي بضربتين أشبه بطرقتين.
إلى ماذا تسعى كيلاني، إذن، عبر إعادة اكتشاف ملامح صوتية جديدة لألحان التراث الفلسطيني، وألحان أخرى؟ إذ تتواشج صلاتها بأرضها الأصلية. إن توظيف لحن راقص من الفولكلور الفلسطيني في صيغة ترانيم شديدة الحزن، هو أيضاً على صلة، وإن من دون قصد، بجذورالفلسطيني الممتدة في أرض الشتات، وعلاقته بوطنه الأصلي، عبر الألم.
أطلقت كيلاني على الألبوم اسم أغنية تتساءل عن سبب حبها لفلسطين، رغم ما يتركه هذا الحب من ألم وتعب، وهي أغنية من تأليفها، ولحنتها بأسلوب الجاز الشرقي؛ "Why I Do Love Her".
في الأغنية الممتدة على طول ست دقائق، يقوم البيانو بتوطئة طويلة نسبياً قبل التهيئة للغناء بنغمات إيقاعية. اتخذت الأغنية أسلوباً خطابياً في نسقها الغنائي، ذلك الطابع الإلقائي، ليتصاعد النسق الخطابي في هياج مرتفع النبرة، لكن المدى التعبيري للغناء هو الذي يفترض وجود تلك الملامح الخطابية، وتتصاعد معه النبرة الإيقاعية، لتصل إلى أعلى درجة بطابع يشبه الصراخ، وتنتهي إلى مستوى منخفض يكاد يكون غير مسموع، وهو ما يوحي بالتمزق القائم على هذا الحب.
ينتهي الألبوم في استعادة أغنية لحنها من طراز البلوز، عدا أنها تدمج فيه لحناً من التراث الفلسطيني، وهذه المرة تستخدم النحاسيات إلى جانب البيانو في لحن راقص ومتفجر. الأغنية بعنوان "Mama Don't Allow"، وتتحدث عن صراع أجيال من خلال عدم سماح الأم بالغناء في ذلك المكان، لكنها ستغني وتغني، وفي جو احتفالي ومتهكم يطلق العنان للرقص والإيقاعات الصاخبة، إضافة إلى أسلوب البلوز المشرق والمتحرر.
عبر مشروعها الغنائي، تبحث الفنانة عن مزيج موسيقي يجعل صوت الفلسطيني مسموعاً، صوت الألم والشتات. عدا ان ذلك مجرد تفصيل في نسق فني تمرس على مزج الموروث الموسيقي الفلسطيني والعربي بموسيقى الجاز ومجاورة عناصر موسيقية عالمية. وهي في كل ما تقوله تؤكد ثيمة العذاب الفلسطيني الحائر في سياق هوياتي متعدد، أو بحسب تعبير إدوارد سعيد "خارج المكان"، وهو ما تحاول ريم كيلاني بعثه موسيقياً في سياق عالمي.