ريف السويداء... مسرح معارك بين "داعش" والنظام السوري

07 اغسطس 2018
الجنوب السوري في أدق مراحله (محمد أبازيد/فرانس برس)
+ الخط -

تحوَّل ريف السويداء الشرقي في الجنوب السوري الى مسرح صراع جديد بين قوات النظام من جهة، وبين مسلحين تابعين لتنظيم "داعش" من جهة أخرى في محاولة من هذه القوات سحق التنظيم في جيب جغرافي، مقلق لمحافظة السويداء التي لم تستفق بعد من صدمتها جراء "مجزرة الأربعاء الدامي" بضحاياها الـ250، خصوصاً أن مصير مدنيين بينهم نساء وأطفال اختطفهم التنظيم من قرى بشرقي المحافظة ما زال مجهولاً.
وبدأت قوات النظام مساء الأحد، برفقة مجموعات "المصالحة" من فصائل كانت محسوبة على المعارضة في درعا والقلمون الشرقي شمال شرقي العاصمة السورية دمشق، عملية عسكرية، ضد مُسلحي تنظيم "داعش" المتمركزين في بعض مناطق البادية السورية القريبة من السويداء، جنوبي سورية. وتُسمع في السويداء، أصوات دوي المدفعية، المترافقة مع قصف للطيران الحربي، يستهدف مواقع التنظيم، ببادية السويداء، شرقي المحافظة.

من جانبه، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس الاثنين، أن "الاشتباكات لا تزال متواصلة على محاور في باديتي السويداء الشرقية والشمالية الشرقية، بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من طرف، وتنظيم داعش من طرف آخر، وذلك في إطار العملية العسكرية التي بدأتها قوات النظام في المنطقة مساء الأحد، وذلك بعد استقدامها لتعزيزات عسكرية ضخمة".

وأشار المرصد إلى أن "قوات النظام حققت تقدماً في محورين اثنين، وسيطرت على مواقع وتلال في الريف الشمالي الشرقي، بالتزامن مع تقدمها وسيطرتها على مواقع ثانية شرق قرية الشبكي في ريف السويداء الشرقي". ووضع النظام ثقله العسكري في معركة شرقي السويداء، إذ من المتوقع نشوء مقاومة كبيرة من التنظيم المدرك لأهمية هذه المعركة في تحديد مصير مسلحيه في البادية.

وكشفت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن "أبرز تشكيلات النظام العسكرية، المشاركة في المعارك، هي الفرقة الخامسة عشرة (قوات خاصة)، والفرقة الأولى، والفرقة العاشرة، وتتقدم هذه الفرق، نحو مواقع خاضعة للتنظيم، في شرق قرى عراجة، والكراع، والرضيمة الشرقية، وغيرها من قرى ريف السويداء الشرقي المشتعل".

كما ذكرت مصادر أخرى أن "ما يُسميها النظام بمجموعات (المُصالحة) التي كانت تابعة للجيش السوري الحر، تشارك إلى جانب قوات النظام، المدعومة من الطيران الروسي في معارك السويداء الحالية، إذ أرسل المدعو أحمد العودة، متزعم فصيل (شباب السنة)، العشرات من عناصره لمُساندة قوات النظام، تقودهم إحدى الشخصيات المقربة من العودة، واسمه سامر الحمد".

وأحمد العودة، تربطه قرابة عائلية مع رجل الأعمال السوري المقرّب من الإمارات خالد المحاميد، كان يُخضعُ لسيطرة فصيله، مدينة بصرى الشام بريف درعا الشرقي، قبل أن يسلمها بداية يوليو/تموز الماضي لقوات النظام، والجانب الروسي من دون مواجهات، بعد بدء حملة الأخير العسكرية في درعا. وهو ما استجرّ عليه اتهامات بـ "الخيانة" من قبل الشارع السوري المعارض. كما أكدت مصادر إعلامية موالية للنظام وصول حوالي 100 مقاتل آخرين من عناصر الجيش الحر في منطقة القلمون الشرقي إلى ريف السويداء الشرقي، للمشاركة في المعارك ضد "داعش"، وغالبيتهم من فصيل "لواء مغاوير الصحراء".



ولا يزال "داعش" يتحرك في مناطق واسعة من البادية السورية، ويملك خطوط اتصال بين مجموعاته المنتشرة في هذه البادية، من الجنوب إلى الشرق السوري، الذي يفرض فيه التنظيم سيطرة واضحة على مناطق في ريف دير الزور الشرقي وباديتها. وكان النظام نقل مسلحي "داعش" المقدّرين بالمئات من أحياء دمشق الجنوبية، إلى ريف السويداء، في صفقة لا تزال تثير استياء الشارع السوري الموالي الذي تابع مجريات "لعبة" مركبة بين النظام والتنظيم، إذ لا يكاد يختفي الأخير من منطقة حتى يظهر في أخرى. وهناك شكوك حول صفقة جرت أخيراً بين التنظيم والنظام في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، حيث "تبخر" فجأة مئات المسلحين من التنظيم من المنطقة، ولم يُعرف مصيرهم بعد، في حين أكدت مصادر أنهم نُقلوا أيضاً إلى البادية السورية. ومن الواضح أن التنظيم اختار البادية التي تشكل نصف مساحة سورية لتكون ملاذ فلول مسلحيه ولارتباطها جغرافياً بصحراء الأنبار في غرب العراق، ما يعطي التنظيم قدرة على المناورة.

في موازاة ذلك، ما زال مصير المختطفين والمختطفات لدى تنظيم "داعش" من أهالي قرى شرقي السويداء "مُعلقاً"، حسبما أفادت شبكة "السويداء 24". وكان مُسلحو "داعش"، قد أعدموا منذ أيام أحد المختطفين، واسمه مهند أبو عمر (19 عاماً)، وهو من أبناء قرية الشبكي، مع تعثر المفاوضات، التي أكدت مصادر مطلعة أنه بات يقودها ضباط من الجانب الروسي مع التنظيم، مع مطالبة "داعش" بإطلاق سراح مُسلحيه، الذين تم احتجازهم، الأسبوع الماضي، في معارك حوض اليرموك غربي درعا. ويشكل ملف المختطفين قلقاً متزايداً للنظام الذي يخشى من تحول الاستياء الشعبي في السويداء جراء ما جرى في "الأربعاء الدامي" إلى تمرّد كبير يؤثر على نفوذه في هذه المحافظة التي بقيت على الحياد طيلة سنوات الصراع.

وكشفت مصادر مطلعة أن "المفاوضات متواصلة بين ممثلين عن النظام وبين تنظيم داعش فيما يتعلق بملف المختطفين والمختطفات". وذكرت أن "النظام رفض شروط التنظيم التي تنص على نقل عناصر من حوض اليرموك إلى بادية السويداء مقابل إفراجه عن المختطفين من المواطنات والأطفال والفتيان والذين يبلغ عددهم نحو 30 شخصاً من أبناء المحافظة". وأشار المصدر إلى أن "عملية التفاوض تتمحور الآن حول تسليم التنظيم للمختطفين مقابل تسليم مسلحي السويداء جثث وجرحى التنظيم الموجودة لديهم على خلفية هجمات الأربعاء الدامي".

وفي ذات السياق، أبدت "قوات سورية الديمقراطية" "قسد"، استعدادها التام لأي عملية تبادل مع عناصر "داعش" المعتقلين لديها مقابل أهالي السويداء المختطفين لدى التنظيم. كما أبدت الوحدات الكردية استعدادها للمشاركة في معارك بادية السويداء، فأعلن رئيس الوحدات سبان حمو، أخيراً عن استعداد قواته للتوجه إلى السويداء وحماية الدروز من هجمات التنظيم. ويندرج استعداد الوحدات الكردية للقتال مع قوات النظام في جنوب سورية في سياق مسعى هذه الوحدات تأكيد قدرتها على مواجهة التنظيم في شرقي وشمال شرقي سورية ولكن تحت غطاء من طيران التحالف الدولي. وليس من المتوقع قبول النظام للطلب الكردي، خصوصاً أنه لا يزال يعتبر "قسد" مليشيا تنازعه السيادة على جزء كبير من مساحة سورية.