رياضة مصرية بمكاسب سعودية: شراكات جديدة بين السيسي والرياض

07 يناير 2018
العدد الضخم لمشجّعي الأهلي يجذب السعوديين (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -


بعد أربعة أعوام من فتح سوق الرياضة المصرية للاستثمارات الإماراتية من دون قيد أو شرط، يبدو النظام المصري راغباً في توسيع التجربة، وهذه المرة مع السعودية، على المستوى الرسمي وللمستثمرين أيضاً. فالمشروع الذي أعلن عنه رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة في السعودية تركي آل الشيخ، لإقامة مدينة رياضية متكاملة للنادي الأهلي، أنجح الأندية الرياضية في مصر، سيكون مقدمة لخطة واسعة لتحقيق مكاسب مالية ضخمة للسعودية ومستثمريها من الرياضة المصرية التي تتمتع بمقومات لا تملكها نظيرتها السعودية، كالاهتمام الشعبي العريض داخل مصر وخارجها بالأندية المصرية الكبرى، والحضور الجماهيري الكثيف، وضخامة الاستثمارات الإعلانية والإعلامية، فضلاً عن تحوّل بعض الأندية المصرية إلى علامات تجارية شهيرة إقليمياً وقارياً كالأهلي والزمالك.

مشروع المدينة الرياضية الذي يضم إنشاء ملعب خاص بالنادي الأهلي وفندق ملحق به ومركز تجاري وعدد من المنشآت الاستثمارية الأخرى، ستكون كلفته على الأقل بأسعار اليوم 9 مليارات جنيه، بحسب مصدر مطلع في إدارة النادي، قال لـ"العربي الجديد" إن المشروع ليس مجرد هدية للنادي لفوز نجم الكرة السابق محمود الخطيب برئاسته، بعدما كان آل الشيخ وغيره من المسؤولين السعوديين يجاهرون بمساندته في الانتخابات الأخيرة، بل إن المشروع تم التجهيز له منذ فترة طويلة، بالتنسيق بين أعلى المستويات السياسية في القاهرة والرياض، وكان السعوديون يرغبون في أن يبدأ تحت إشراف الخطيب فقط، لشعبيته الواسعة في السعودية وعلاقاته الجيدة بالمسؤولين الرياضيين هناك، وما يمثله اسم الخطيب من إضافة تسويقية لاسم النادي الأهلي في العالم العربي.

وأضاف المصدر أن مسؤولي وزارة الشباب والرياضة فاتحوا إدارة النادي الأهلي السابقة حول الأفكار العامة للمشروع منذ مطلع العام الحالي، وأن الإدارة السابقة برئاسة محمود طاهر كانت متحمسة لتنفيذ المشروع ولكن مع عدد من المستثمرين الإماراتيين ذوي العلاقة القوية مع طاهر، الأمر الذي أدى إلى حدوث خلافات في وجهات النظر بين طاهر ووزير الشباب خالد عبدالعزيز، نظراً لتبني هيئة الرياضة السعودية الرسمية ذلك المشروع باعتباره "باكورة توسيع أنشطتها في مصر، الذي قد يمتد ليشمل رعاية بعض الأندية الجماهيرية والعسكرية الناجحة".

وكشف المصدر أن المفاوضات حول المشروع خلال فترة الانتخابات الأخيرة أخذت شكلاً ثلاثياً، بين السفير السعودي أحمد قطان والمرشح لرئاسة النادي آنذاك محمود الخطيب، فيما كان الطرف الثالث، وهو الدولة، ممثلاً بمدير مكتب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، اللواء عباس كامل وبعض قيادات الهيئة الهندسية للجيش. وتم الاتفاق مبدئياً على أن تضع شركة "صلة" السعودية للاستثمار والتسويق الرياضي، التي تربطها بالأهلي اتفاقيات رعاية عدة حالياً، مخططاً لمشروع المدينة الرياضية، يكون منفصلاً عن مشروع الفرع الجديد للنادي في القاهرة الجديدة.

ورفض الخطيب أن يتم الإعلان عن المشروع خلال فترة الانتخابات حتى لا يوصف بأنه مرشح قوى خارجية بعينها، ما دفع المسؤولين السعوديين إلى إعلان تأييدهم، كل على حدة، للخطيب، من دون الإفصاح عن الاتفاقات المبدئية بشأن المشروع. وعلم طاهر بذلك فسارع إلى عقد مؤتمر صحافي للإعلان عن بدء تدشين مشروع الملعب باعتباره جزءاً من فرع النادي المقرر إنشاؤه في القاهرة الجديدة، حتى يقطع الطريق على الخطيب للاستفادة الإعلامية من المشروع السعودي، وحتى يكون له الفضل الأول في طرح مشروع الملعب، لكنه لم يعلن آنذاك الجهة المرشحة للدخول في شراكة مع الأهلي لإنشائه.

وبعد فوز الخطيب واستقرار الأوضاع في الرياضة المصرية عموماً عقب انتهاء الانتخابات وتنفيذ قانون الرياضة الجديد، بدا الوقت والمناخ مناسبين للإعلان عن المشروع رسمياً، وهو ما حدث مساء الأحد الماضي. إلا أن الإعلان عن تمويل السعودية للمشروع وتنفيذها له من دون توضيح حجم الاستثمارات وحجم الاستفادة والشكل القانوني للتنفيذ بل وحتى مكان المشروع، طرح تساؤلات عديدة بشأن جدية السعوديين، وما إذا كانوا فعلاً يهدفون للاستفادة باستثمارات طويلة الأجل في مصر، أم أنها مجرد مغازلة على سبيل التجربة يمكنهم الانسحاب منها في أي لحظة.

مصادر داخل النادي الأهلي وفي وزارة الشباب والرياضة أجابت عن بعض هذه الأسئلة، مؤكدة أن السعوديين يتعاملون مع المشروع باعتباره "غير قابل للفشل" وأن السفير السعودي قطان يباشره بشكل شخصي مع الجهات المعنية والموزعة بين النادي والوزارة ووزارات الاستثمار والعدل والدفاع، فضلاً عن رئاسة الجمهورية، فمجموعة المستثمرين السعوديين المشاركين تدفع بقوة لإنجاح المشروع، ولديها مخطط متفائل مستقبلاً لتعميمه على ناديي الزمالك والإسماعيلي وبعض الأندية العسكرية والتابعة لشركات حكومية، خاصة في قطاع البترول.

وأوضحت المصادر أن العام الحالي سيشهد إنشاء شركات مساهمة مصرية برأسمال سعودي وبغطاء قانوني تابع للنادي الأهلي، وفقاً للائحة النادي الخاصة التي يعكف الخطيب ومساعدوه على وضعها حالياً لتقرها الجمعية العمومية خلال النصف الأول من هذا العام، لتكون الشركة متخصصة في مجالات الاستثمارات الرياضية وإدارة مشاريع كرة القدم، ومن خلال الشركة التي ستحمل في الغالب اسم الأهلي ومجموعة مستثمرين سعوديين، ستضخ السعودية المليارات المطلوبة لتنفيذ المشروع، كما سيحتفظ مستثمروها بحقوقهم في الأرباح وفقاً لتوزيع الأسهم.

ولا يوجد حالياً نص تشريعي، سواء في قانون الرياضة أو اللائحة الاسترشادية للأندية المطبقة على النادي الأهلي، يسمح بتمويل السعودية ومستثمريها للمشروع مباشرة، وهو ما يفسر، بحسب المصادر، عدم إعلان الخطيب وتركي آل الشيخ عن التفاصيل الكاملة لآلية التمويل، لعدم دخولها حيز التنفيذ حتى الآن، وبقائها غامضة لحين تمرير نص يسمح بإنشاء الشركة المساهمة في اللائحة الخاصة بالنادي.


وأكدت المصادر أن آل الشيخ والخطيب اتفقا على تشكيل لجنة قانونية تضم رئيساً سابقاً للبورصة المصرية والمحامي خالد أبوبكر وأحد مستشاري النادي لبحث الآلية الأفضل لتأسيس الشركة المساهمة وتقنين أوضاعها في اللائحة الجديدة، حماية لها من الطعن ولتصرفاتها من البطلان، ولطمأنة المستثمرين السعوديين الذين ما زالوا يتخوفون من ضخ أموالهم في السوق المصرية، على خلفية ملاحقة العديد منهم قضائياً خلال السنوات السابقة نتيجة مخالفات مالية وقانونية، وهو ما أشار إليه آل الشيخ في تصريحات صحافية أخيراً بإعرابه عن أمنياته بعدم عرقلة المشروع بالمشاكل البيروقراطية.

وذكرت المصادر أن المسؤولين السعوديين "معجبون" بنمط التشارك بين الإمارات والجهات الحكومية ورجال الأعمال المصريين في مشروع شركة "بريزينتيشن للتسويق الرياضي" التي تملك حالياً حقوق الدعاية والرعاية للاتحاد المصري لكرة القدم وبطولاته وعدد من الأندية، ويرغبون في تكرار هذا النمط التشاركي مالياً وإدارياً، ولكن في مشاريع إنشائية وليست دعائية فقط.

ويأخذ المسؤولون السعوديون في الاعتبار المقومات الخاصة في مصر وللنادي الأهلي تحديداً والقادرة على أن تدر مكاسب ضخمة لكل المساهمين، كالعدد الضخم للمشجعين والمتابعين داخل وخارج مصر، والإقبال الشديد على شراء تذاكر المباريات، ومتابعة المباريات تلفزيونياً، فضلاً عن متابعة القناة الخاصة بالنادي، وكذلك العوائد المالية التي يحصل عليها النادي من اشتراكات أعضائه وتذاكر المباريات وحصيلة البث التلفزيوني لمشاركاته المحلية والقارية والدولية، التي سيصبح المستثمرون السعوديون طرفاً رئيسياً في تحصيلها إذا أصبحت كل مباريات النادي تُلعب على الملعب الجديد.
ورجحت المصادر أن يحمل الملعب الجديد، كالشركة، اسم الأهلي إلى جانب اسم مجموعة استثمارية سعودية، أسوة بتعاقدات إنشاء الملاعب والرعاية القائمة في الولايات المتحدة ودول أوروبا، وذلك لمدة 15 سنة على الأقل، على أن يُطرح الاسم بعد ذلك للبيع من قبل الشركة المالكة التي يتشارك فيها الأهلي مع المستثمرين.

أما الدور الرسمي للنظام المصري في هذا المشروع، فينقسم بحسب المصادر إلى 3 محاور؛ الأول هو إشراف الهيئة الهندسية للجيش على عمليات إنشاء وتشطيب المشروع بشكل كامل، بحجة ضمان إنجازه بأسرع وقت ممكن، وخبرة الهيئة التنفيذية في مشاريع الملاعب خلال السنوات الأخيرة، علماً أنها ستكون المظلة التي سيعمل من خلالها العديد من شركات المقاولة المصرية الحكومية والخاصة.

والمحور الثاني هو منح الشركة المكوّنة من النادي الأهلي والمستثمرين قطعة أرض مناسبة للمشروع، وما زالت المفاوضات قائمة حول المكان المناسب لذلك، وتجرى المفاضلة بين منطقة قريبة من مقر النادي الأهلي الجديد في القاهرة الجديدة، وبين طريق العين السخنة، وبين العاصمة الإدارية الجديدة، نظراً لضخامة المنشآت المستهدف إنشاؤها في المشروع، ما يستحيل معه إلحاقه بأي فرع للنادي.
وفي هذا الشأن، قال مصدران إن هناك محاولات حكومية لإنشاء المشروع في العاصمة الإدارية الجديدة، ليكون تحت السيطرة الكاملة للدولة من جانب، وليصبح مركز جذب استثمارياً للعاصمة من جانب آخر. إلا أن المستثمرين السعوديين وإدارة النادي يتخوفون من الآثار السلبية لذلك على إمكانية تدفق الجماهير على الملعب والمنشآت الأخرى، في ظل المعايير الأمنية المشددة التي ستطبق على العاصمة الجديدة باعتبارها حاضنة لمنشآت عسكرية وسيادية، ولذلك فهم يقترحون إنشاء المشروع في مكان أقرب للقاهرة وطرقها الحيوية، ما يسهل تأمينه والوصول إليه في آن.

أما المحور الثالث الذي تم الاتفاق عليه بين السيسي وآل الشيخ خلال لقائهما الأخير السبت الماضي، فهو تهيئة الأجواء التشريعية والعملية ليكون مشروع الأهلي "قاطرة" لمشاريع أخرى للاستثمار السعودي في الرياضة المصرية، وليس كرة القدم فقط، وذلك من خلال ترشيح الأندية والرياضات الأكثر قابلية للنجاح الاستثماري على المستثمرين السعوديين من خلال الهيئة العامة للرياضة.

وهذا الدور قريب الشبه بالدور الذي كانت تقوم به وزارة الاستثمار في آخر عقد من حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك في ترويج بيع أسهم وخصخصة شركات قطاع الأعمال العام على المستثمرين العرب والسعوديين بشكل خاص، إلا أن الفارق الرئيسي هو أن الأندية المصرية لن تباع رسمياً للسعوديين أو الإماراتيين، بل سيتم استغلال التشريعات الجديدة، التي أتاح السيسي بها لجميع الجهات الحكومية، بما فيها الجيش، إنشاء شركات استثمارية بالمساهمة مع مصريين وأجانب، لإنشاء شركات وصناديق استثمارية تمثل الوعاء القانوني لأموال السعوديين وتمكّنهم من تحقيق الاستفادة القصوى أيضاً.