رولف همكي: المسرح العربي مواطناً عالمياً

26 أكتوبر 2015
همكي في تونس، 2015
+ الخط -

يهدف الكتاب إلى تقديم قراءة عن المسرح العربي في لحظة "الربيع العربي"؛ هكذا يقدّم رولف همكي، في حديثه إلى "العربي الجديد"، عمله الذي صدر سنة 2013 بالألمانية، وظهرت ترجمته العربية منذ أيام عن "دار الجنوب" في تونس على هامش "أيام قرطاج المسرحية".

بعد النسخة الفرنسية، يكشف أنه يطمح أن يَصدُر الكتاب بالعربية أيضاً، وهو ما يسمّيه بـ "مغامرة انغلاق الدائرة".

عن وقع العمل في ألمانيا إبّان ظهوره، يقول: "حظي بمتابعة جيدة، فقد تناولته معظم وسائل الإعلام. يرجع ذلك إلى سببين؛ الأول صعود الاهتمام بالعالم العربي لأسباب سياسية، والثاني هو خلوّ الألمانية من كتاب متخصّص مثله"، لكنه يشير إلى أن الترجمة الإنجليزية جعلته يكتشف، ويفاجأ، بخلوّ لغة شكسبير هي الأخرى من دراسة موسّعة وراهنة عن المسرح العربي. يتابع "ثم اكتشفت من ناشري التونسي أن المكتبة العربية أيضاً تخلو من عمل مثله".

يقول همكي: "قد يبدو العالم العربي بعيداً جغرافيّاً عن ألمانيا، ولكن قضية اللاجئين أثبتت بأن ما يحصل هنا ينعكس هناك". يلاحظ أن "محاولة فهم العالم العربي من قبل الألمان قامت عموماً على ترجمة الأدب، ومن النادر أن نجد أعمالاً تتناول الفكر العربي المعاصر أو التحليل السياسي أو المسرح، في ما عدا بعض النصوص المُترجمة".

عن تناوله لموضوعه، يقول "عالجته من موقع شخصي. كان ذلك بين 2012 و2013. حاولت أن أحافظ على عنصر الاكتشاف والشغف بالموضوع، وفي النهاية لا أنكر أنني لم أذكر أسماءً، رغم أهميتها، وقد استدعيت أقلاماً لتشاركني في الكتابة لتخفيف هذه النظرة الشخصية بعض الشيء". الهدف العام للكتاب، كما يصرّح، هو فتح الباب أمام تعدد الأصوات العربية وكشف أفق المسرح في لحظة تغيير.

يبدو كتاب "المسرح في العالم العربي" استكمالاً لمشروع أكبر لهمكي، حيث أصدر سنة 2010 كتاباً شبيهاً بعنوان "المسرح جنوب الصحراء"، اهتم بتوثيق أهم التجارب الأفريقية، وهو ما يدعونا إلى فهم سياق تجربته هذه.

يقول "هذه المشاريع تأتي على هامش عملي كمبرمج في "مسرح أن دير رور" في مدينة مولهايم (غرب ألمانيا)، هذا المسرح الذي أسّسه منذ قرابة ثلاثة عقود روبرتو شولي، وكانت فكرته قائمة على مفهوم التبادل والتفاعل الثقافي، مسرح يسافر ويكتشف ويقابل الناس ولا يتشبث بالمكان. إذن فالكتب التي نتحدث عنها هي تجسيد من بين تجسيدات أخرى لهذا المشروع".

يضيف همكي: "يتقاطع كل ذلك مع تخصّصي في النقد المسرحي، إضافة إلى أنني دراماتورج في الفرقة، تتم استشارتي في النصوص والتصميم الركحي، أي أنني ناقد من داخل المطبخ المسرحي".

في الجامعة، درس همكي الآداب الألمانية، ومنها تحوّل إلى المسرح، حيث حاول توظيف الأدوات النقدية المتوفرة في الأدب وتطويعها للمسرح. يقول "بدأت بفضل الصحافة الثقافية المكتوبة والمسموعة في ألمانيا والنمسا، قبل أن ألتقي بمشروع شولي والذي فتح لي آفاقاً خارج ألمانيا ولغتها. وقد استفدت كثيراً من تمرّسي باللغات الأوروبية الكبرى، ومكنني ذلك من أن أفتح المشروع على ثقافات أبعد".

يعترف همكي أنه من دون الفرنسية أو الإنجليزية لم يكن ممكناً أن ينجز عمله، إذ يقول "لدخول وفهم المسرح العربي لا يمكن للعين الألمانية أن تفك الكثير من الشيفرات أو أن تستوعب التفاصيل والخلفيات، وهذا الأمر يمكن تعميمه، فمن دون الفرنسية والإنجليزية لا يمكن التحرك في العالم العربي".

عن السمات العربية للمسرح التي التقطها خلال اشتغاله على الكتاب، يلاحظ أنه لا يمكن تحديد اتجاه عام، يقول "هناك جزر مسرحية، إذ لا يصل الكثير من المشهد التونسي إلى سورية، وكذلك الأمر بين مصر والعراق أو بين المغرب ولبنان. من موقع نظرة خارجية، يعقّد ذلك فهم المسرح العربي، فلا يمكن وضع عناوين شاملة له أو استنتاج سياقات عامة".

تنطلق زاوية نظر همكي إلى المسرح العربي من المتغيّرات التي أفرزها "الربيع العربي". عن انعكاس ذلك على المسرح، يقول: "جرى الانتقال بسرعة من مسرح المعارضة إلى مسرح التعبير". يوضّح: "كان الدور الذي يلعبه المسرحي العربي هو الحديث باسم الشعب المقصِيّ من عملية التعبير، ليجد نفسه الآن يشتغل أكثر على حساسيّته الفنية".

لكن همكي يشير من جهة أخرى إلى أنه يحسّ بـ"وجود الكثير من الرقابة الذاتية اليوم، أي أن الرقابة الخارجية التي كانت تمارسها السلطة على الفن تحوّلت في جزء كبير منها إلى رقابة داخلية، وهو ما يجعلني أقول إن المسرح لم يستفد مباشرة من الحريّات. ففي خطابه قبل 2011، كان هناك الكثير من التحرّر، ولكنه استفاد من تزايد حركية المجتمع".

يواصل همكي قراءته للمشهد "بات المسرحيون العرب، في ظل هذا الوضع، أقرب ما يكون من الذاتي والشخصي، باتوا يتحدّثون كثيراً عن أنفسهم في أعمالهم. المسرح العربي يبدو لي أكثر نرجسية اليوم، وهو ليس بالضرورة أمراً سيئاً، فقد يشكّل ذلك نقطة قوة، وهذه القراءة لا يمكن تطبيقها على مجمل المشهد، ولذلك أشير دائماً إلى البعد الشخصي في قراءتي للمسرح العربي".

المساهمون