رولان رياشي: نصف مليار دولار كلفة الإهمال المائي اللبناني

11 يوليو 2016
رولان رياشي (العربي الجديد)
+ الخط -
نصف مليار دولار سنوياً تدفع من جيوب اللبنانيين ثمناً للمياه من جراء إهمال الدولة اللبنانية لهذا القطاع، 50% إلى 80% من المياه تهدر وغيرها من المعلومات، يكشف عنها الخبير في اقتصاد المياه الدكتور رولان رياشي، في حوار مع "العربي الجديد"...
وهذا نصه: 

*كيف انعكس التغيير المناخي على وضع المياه في لبنان؟
لقد تراجعت نسبة المتساقطات 15% في الأعوام الـ 40 الماضية وأيضاً تقول الدراسات إن النسبة سوف تتناقص إلى 15% أخرى حتى العام 2040. بالإضافة إلى ذلك فإن مياه الينابيع منذ 50 عاماً حتى اليوم تضاءلت نسبة إنتاجها 25%. أما تدفق الأنهر فقد تراجع 50% في الأعوام الـ 50 الماضية. من هنا يبدأ البحث عن كيفية استخدام المياه في لبنان.


*هل هناك هدر للمياه في لبنان؟ أم أنه يوجد استراتيجيات لحصر الخسائر الناتجة عن التغيير المناخي؟
يوجد هدر كبير مرتبط بشبكات المياه المتهالكة التي تهدر بين 50% و80% بسبب تهرُّئها أما المشكلة الثانية فهي متعلقة بتلوث المياه، وصولاً إلى مشكلة تصريف المياه للخارج، بحيث يستفيد من يمتلك الآبار وآلات التكرير وتعبئة مياه الشرب من هذه المياه تجارياً لتصديرها. وطبعاً المصدرون هم من كبار التجار وغالبيتهن مدعومة سياسياً وحزبياً، والأسماء معروفة.


*إذن، ما حجم الخسائر الإجمالية التي يتعرض لها قطاع المياه في هذا البلد؟
يتكبّد اللبنانيون ما يعادل نصف مليار دولار سنوياً خسائر في المياه بسبب غياب الخدمة العامة. وتشكل المياه عند الفقراء ما يعادل 5% إلى 10% من إنفاقهم السنوي، فبين مياه الاستخدام ومياه الشرب واشتراك الدولة نصل إلى هذه النسبة المرتفعة. وهذه الخسائر مالية ولكن هناك خسائر أخرى منها صحية بسبب التلوث ومنها بيئية للسبب نفسه. وهذا الرقم يتضاعف مع مرور السنوات.

*هل هناك مشروع لخصخصة المياه في لبنان؟
تعاني مؤسسات الدولة المعنية بقطاع المياه من شغور وظيفي بنسبة 90%، وهذا منطق النيوليبرالية، وهذا المنطق مفروض بشروط مقابل القروض المالية التي يتم تقديمها للبنان، وأحد هذه الشروط التخفيض من مصاريف الدولة على القطاع العام والخدمات، وذلك لتأمين تسديد الدين العام... ونتيجة هذا الإهمال المتمادي ستكون الخصخصة.

*قانون الملكية في لبنان يسمح بتملك ما هو على الأرض وما هو تحت الأرض، وصولاً إلى قعر الأرض، فهل لهذا القانون تأثير سلبي على المياه الجوفية؟
في عهد الانتداب استحدث الفرنسيون قوانين الملكية ومنها قانون المياه، بحيث يستطيع مالك الأرض حفر بئر وسحب 100 ألف ليتر في اليوم الواحد من دون دفع رسوم أو تكاليف، فقط "العلم والخبر" كفيل بأن يكون كل شيء على الأصول. وهذه القوانين استفاد منها أصحاب الأراضي الكبيرة يومها، وما زالوا يستفيدون حتى يومنا هذا. في حينها كان البئر على عمق 10 أو 15 متراً ليس أكثر، أما اليوم فهي على عمق مئات الأمتار. ويوجد في لبنان أكثر من 80 ألف بئر تتوزع على أصحاب الأراضي الزراعية الكبيرة، أصحاب العقارات الضخمة، ومالكي المنتجعات، هؤلاء يشكلون المصروف الكبير للمياه. وهذه الآبار بشكلها الحالي مضرة على أكثر من صعيد إن كان من حيث حجم المياه الجوفية أو غيره، فمثلاً أثناء الحفر تتدفق المياه المالحة وتختلط مع المياه الصالحة للاستخدام مما أدى إلى ما نعرفه بالمياه المالحة التي يستخدمها المواطنون في المنازل خاصة في العاصمة بيروت وكذلك طرابلس والعديد من المناطق الأخرى.

*ما هو حجم تأثير مياه الصرف الصحي على المياه الجوفية؟ وهل نمتلك محطات لتكرير المياه؟
يمتلك لبنان 37 محطة تكرير كبيرة و60 منها صغيرة، وكلها معطلة بسبب تشعب الصلاحيات العامة، والخلاف بين المؤسسات الرسمية حول من هو المخول بتشغيلها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هذه المحطات مبنية عن طريق مجلس الإنماء والأعمار وبالتالي تدرج ضمن القطاعات المعتمدة على الجهات المانحة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن 35% من الأبنية لديها شبكة للصرف الصحي، والـ 65% المتبقية لا تعالج، مما يلوث المياه الجوفية في لبنان، وبالتالي الأنهر والينابيع. كما أن المواد الكيماوية التي تنتجها المعامل وتحولها إلى مجاري الأنهار أو حتى إلى الأرض تضاعف حجم التلوث في المياه الجوفية.


*كما نرى اليوم فإن السدود تشكل حالة خلاف بين أطراف الحكومة اللبنانية. ما هي مشكلة السدود؟ وهل السدود مخرج للحل؟ أما تضاعف الأزمة؟
كل السدود المطروحة للإنشاء اليوم كانت مشاريع مدروسة منذ أربعينيات القرن الماضي إما من خلال الانتداب الفرنسي أم من خلال البعثة الأميركية التي أتت إلى لبنان في خمسينيات القرن الماضي، والتي كانت تبحث عن أرضية لفرض نفسها أمام المد السوفياتي في المنطقة. هذه البعثة بنت سد القرعون في لبنان، وقامت بدراسة لجميع الأنهر واقترحت إنشاء السدود، وتركت خلفها خرائط بالأبيض والأسود، واليوم المشاريع نفسها تطرح للتطبيق والخرائط صارت ملونة لا أكثر.
المشكلة أن هذه السدود ربطت بخطاب مهيمن وهو أننا نمتلك الكثير من المياه في لبنان، وجميعها تهدر في البحر، وسياسة بناء السدود جديرة بحل هذه الأزمة. ومن يحمل هذا الخطاب هم سياسيون ومهندسون والمديرون العامون وبشكل أو بآخر المسيطرون على خيرات البلد.

أما عن "سد جنة" ففي دراسة قام بها قبل مركز البحث الجيوفيزيائي الألماني والتابع للدولة الألمانية بشكل مباشر، تقول الدراسة إن مشروع سد جنة بحال نفذ يشكل ضرراً كبيراً على المياه في نبع جعيتا، وذلك لأن حوض نهر إبراهيم وحوض نهر الكلب هما حوض واحد، هذه الدراسة قديمة لكنها حقيقية. وبحسب دراسة طلبتها وزارة الطاقة والمياه بطلب من وزارة البيئة، كانت النتيجة أن سد جنة يكلف 100 مليون دولار سنوياً، والمتمسكون بإنشاء السد يقولون إن السد قادر على تجميع 38 مليون متر مكَعَّب ويتنج مئة ميغاواط من الكهرباء، أما دراسة أخرى للمعهد الألماني للدراسات والتابع للدولة الألمانية فتقول إنه بالحد الأقصى يمكن لسد جنة تجميع 8 ملايين متر مكَعَّب من المياه وهو غير منتج للكهرباء.
وعن سد القرعون فمنذ إنشائه حتى اليوم لا يقدم مياهاً للشرب أو للاستخدام، وذلك بسبب تسليط مياه الصرف الصحي نحو السد ونحو الليطاني، وهنا معدلات التلوث أعلى بكثير من القدرة على استيعابها.

*كيف تتم الإفادة من مياه الليطاني وسد القرعون؟
في لبنان 120 ألف هكتار هي أراض مروية و240 ألف أراض مزروعة، الليطاني والقرعون يرويان 4000 هكتار من 120 ألف هكتار مروية، وبالتالي فالليطاني مثلاً لا يروي حالياً سوى 3% من الأراضي الزراعية، وهذا الرقم صغير.

*ما هي الحلول لمشاكل المياه في لبنان؟
أولاً إعادة الاعتبار للمياه الجوفية، وهذا خزان جوفي موجود فلماذا إقامة السدود؟ ثانياً التوظيف في الدولة وملء الشغور، ثالثاً مد شبكة مياه جديدة وحديثة تحديداً في بيروت وبذلك يتوقف الهدر، رابعاً بناء المزيد من خزانات المياه وتكلفتها قليلة جداً مقابل بناء السدود. وكذا تنظيم الآبار وتعديل قانون الملكية وفرض شروط وضرائب على أصحاب هذه الآبار.
دلالات
المساهمون