روسيا قد تفقد سوريا أيضاَ

10 مارس 2014
+ الخط -

حدث أوكرانيا وقع على روسيا، بوتين، كالزلزال، لم يكن يتوقع هذا الانهيار السريع، وظنَّ أن الأمور باتت في يده هناك. فالأمر لا يتعلق، فقط، بالسيطرة على السلطة فيها، عبر الرئيس يانوكوفيتش، بل بالارتباط بمصالح أوروبا التي لا تريد استثارة روسيا. ألمانيا، التي تطوّر علاقاتها معها، وباقي أوروبا التي ما زالت تعتمد على الغاز الروسي الذي يمرّ من أوكرانيا. ومن ثم الميل الأميركي إلى المهادنة معها. لكن، لم يتوقع بوتين أن يكون الشعب الأوكراني هو الذي سيفرض التغيير، فهذا ليس في حساب أحد. لهذا، أصبح التحليل الذي يحكم ما جرى ينطلق من "الرد الغربي على تعنّت روسيا في سوريا". ولا شك في أن القوى الدولية تعمل على الاستفادة من كل تغيير يحصل، لأنها تريد تقوية مواقعها بالتأكيد، أَو زيادة قدرتها على المساومة كذلك، خصوصاً أن "الميل الغربي" يهيمن على الأحزاب السياسية المناهضة لروسيا، والتي تجد قاعدة شعبية لها، نتيجة اعتقاد بأن "الشراكة مع أوروبا" سوف تحسّن الوضع الاقتصادي في أوكرانيا. ولهذا، يبدو أن الحراك "غربي"، بالتالي، يكون التفسير "الميكانيكي" أن "الغرب" هو الذي حرّك الأوكرانيين، من أجل التخلص من النفوذ الروسي، وكسب أوكرانيا، ما يعني إضعاف روسيا.

في كل الأحوال، الوضع الدولي لا يحتمل تصعيداً للصراعات، نتيجة الأزمة العميقة التي تعيشها كل البلدان الرأسمالية، بما فيها روسيا، ونتيجة تشابك المصالح الرأسمالية بين كل هذه البلدان. لهذا، ستكون المفاوضات والمساومات العنصر الأساس في معالجة الحدث، وليس التصعيد الحربي الذي لا يقدر أحد على نتائجه. لكن، لا شك في أن ارتباك روسيا في أوكرانيا سوف يؤثر على الوضع السوري، حيث كان واضحاً أن توافقاً تاماً يقوم بين كل من روسيا وأميركا، ينطلق من الوصول إلى حل وفق مبادئ جنيف 1. والعقدة التي ظهرت في جولات جنيف 2 تتمثّل في أن السلطة لا تريد الحل المقرر في تلك المبادئ، وهذا متوقع، نتيجة أنه ينطلق، أصلاً، من إزاحة بشار الأسد وحاشيته، فهذا هو معنى تشكيل هيئة حكم انتقالية لديها كل الصلاحيات التنفيذية.

ويبدو أن التكتيك الروسي كان يعتمد على "تبليع" الأمر لبشار الأسد، وأخذ موافقته على ذلك. أي تحقيق التقدم في الحل برضاه، وهذا مستحيل لسلطة مافياوية، قررت "القتال إلى النهاية" منذ البدء. وهو أمر يعني أن الروس يتعاملون بسذاجة مفرطة، وبغباء شديد، مع الوضع السوري. وفي هذا السياق، زادوا من دعمه عسكرياً، وسمحوا بزيادة دور إيران عبر إرسال مقاتلين من حزب الله والفصائل الطائفية العراقية، ومن الحرس الثوري، بحجة حماية النظام من السقوط، بعد أن فقد المقدرة على الدفاع عن مواقعه نهاية سنة 2012.

الآن، في معادلة الصراعات الدولية، سيكون الأمر معقداً على روسيا، بعدما تورطت في أزمة أوكرانيا. هل ستبقى تتعامل بسذاجة مع سلطة تريد البقاء "إلى الأبد"، فتخسر سوريا كذلك، أم تقوم بما هو مطلوب منها، وفق التوافق مع أميركا؟ أي أن ترتب وضع السلطة، بما يسمح بنجاح جنيف 1. وهذا يقتضي التخلص من بشار الأسد بالضرورة، وليس من تقدم في الحل من دون ذلك. وخصوصاً أن وضع السلطة، وكذلك وضع القوى المستجلَبة من حزب الله وإيران والعراق، ليس على ما يرام، وهي تتلقى ضربات قوية، على الرغم من كل فوضوية الكتائب المسلحة. وأيضاً، إن حزب الله بات مُربَكاً في الوضع اللبناني، والمالكي يشهد ثورة مسلحة ضده، وإيران تلهث من أجل التفاهم مع أميركا، بعدما أصاب الشلل اقتصادها.