روسيا توسع نفوذها الاقتصادي في آسيا... وتركيا تتجنب المواجهة

09 يونيو 2014
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين/getty
+ الخط -

المواجهة التي تستمر فصولها هذه الأيام على الأرض الأوكرانية بين روسيا والغرب، ليست الوحيدة التي تخوضها موسكو لاستعادة نفوذها الدولي، فثمة معركة أخرى لها طبيعة اقتصادية وسياسية تخوضها روسيا على الجبهة الآسيوية، ضد مجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية.

وأنهت القمة الرابعة لمجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية أعمالها في مدينة بودروم التركية يوم 5 يونيو/حزيران الجاري، بتوقيع إعلان "المجلس التركي لطريق الحرير الجديد".

وتم تأسيس هذا المجلس في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2009، في ناخيتشيفان بأذربيجان، وتدخل فيه الجمهوريات السوفييتية السابقة: أذربيجان وكازاخستان وتركمنستان وقرغيزستان، إضافة إلى تركيا.

وجرى في إطار أعمال هذه القمة لقاء ثلاثي، ضم رئيس أذربيجان، إلهام علييف، والرئيس التركي، عبد الله جول، ورئيس تركمنستان، غوربانغول بيرديمحمدوف، تم خلاله مناقشة إمكانية نقل مصادر الطاقة من بحر قزوين إلى أوروبا.
كما كان مطروحاً على جدول أعماله استكمال المباحثات حول إنشاء منطقة تجارة حرة بين هذه البلدان، إلا أن شيئاً حصل جعل القادة يسحبون مسألة المنطقة الحرة عشية انعقاد القمة، كما حصل في قمة جابالا بأذربيجان في أغسطس/آب 2013.

وفكرة إنشاء منطقة تجارة حرة، سبق أن نوقشت باهتمام، في جميع اجتماعات المجلس السابقة، بل كان قد جرى الحديث قبيل قمة أذربيجان عن أن وثائق إنشاء المنطقة الحرة باتت جاهزة للتوقيع، كما يشير موقع "بلوكنوت.رو".

وكانت مصادر مطلعة قد أعربت عن ثقتها بأن قرار إنشاء المنطقة الحرة سيتخذ في قمة بودروم الأخيرة بتركيا، وإذا بالمسألة تسحب من التداول في اللحظة الأخيرة. ولا يخفى على متتبع أن لروسيا يداً طولى في المنطقة، لأنها تشمل أراضي دولٍ ناطقة بالتركية تنافس بوضوح الاتحاد الجمركي الأوراسي الذي أنشأته روسيا، ليكون منطقة نفوذ اقتصادي وسياسي.

وتم الإعلان عن "الاتحاد الجمركي الأوراسي" في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2007، في دوشانبيه بطاجيكستان، ويضم بيلوروسيا وكازاخستان وروسيا، وهناك دول تقدمت للانضمام إليه، هي طاجيكستان وأرمينيا، وأبخازيا وأوسيتيا اللتان انفصلتا عن جورجيا بعد حرب أغسطس/آب 2008، كما أن سورية تقدمت في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2013، بطلب الانضمام إلى هذا الاتحاد.

في مواجهة الطموح الروسي الأوراسي، يرى الخبراء في الخطوة التركية تعدياً على مصالح روسيا في محيطها الناطق بالتركية.

وفي السياق، لم تستبعد وسائل إعلام أذربيجانية أن يكون الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أقنع نظيره الأذربيجاني، إلهام علييف، بضرورة سحب فكرة المنطقة الحرة التركية من جدول الأعمال خلال زيارته لأذربيجان، وفقاً لموقع "برافدا.رو"، في أغسطس/آب 2013.

وكان ينتظر من الزيارة أن تحقق اختراقاً نوعياً في العلاقات مع باكو، على الأقل كون الرئيس اصطحب معه ستة من أهم وزرائه، إلا أن أية آفاق عن انضمام أذربيجان إلى الاتحاد الجمركي أو التكامل الأوراسي لم يعلن عنها.

شيء مشابه، جرى قبيل انعقاد القمة الأخيرة في بودروم، فقبيل القمة، قام وزير التنمية الاقتصادية الروسي، أليكسي أوليوكاييف، بزيارة إلى أذربيجان.

ودعا المسؤول الروسي خلال الزيارة أذربيجان للانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، إلا أن باكو لم تسارع إلى إعلان موافقتها، إنما على العكس من ذلك أعلن وزير الاقتصاد والصناعة الأذربيجاني، شاهين مصطفاييف أن أذربيجان، لا تنوي الانضمام إلى أي اتحادات، سواء الأوراسي الاقتصادي أم الاتحاد الأوروبي، لأن هذه الاتحادات ليست اقتصادية فحسب إنما سياسية أيضاً.

رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، لم يقاوم كثيراً، على ما يبدو، وسحب بند المنطقة الحرة من جدول أعمال قمة بودروم.
فتركيا بغنى عن إثارة أي توتر في علاقتها مع الشريك الروسي، ذلك أن حجم المصالح المشتركة أكبر من أن تفرط به أنقرة، فمن المتوقع، أن يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 100 مليار دولار مع حلول العام 2015، حسب تقارير وسائل إعلام روسية في تغطيتها لزيارة بوتين إلى أنقرة في ديسمبر/كانون الأول 2012، التي تم خلالها توقيع حزمة من الاتفاقات الكبيرة، كان أهمها في مجال الطاقة.

كما يزداد إقبال السياحة الروسية على تركيا، خاصة بعد تراجع الطلب على مصر، نتيجة الصراعات السياسية التي تشهدها، وتردي الأوضاع الأمنية فيها.
4.3 مليون سائح روسي زاروا تركيا سنة 2013، من بين 35 مليون سائح استقبلتهم البلاد، وفقا لتقارير إعلامية.

ولذلك، فلا يبدو غريباً أن تبارك أنقرة لقيرغيزستان، في قمة بودروم، نيتها الانضمام إلى الاتحاد الجمركي الأوراسي، في إطار "الفضاء الاقتصادي المشترك"، فقد نقلت وسائل الإعلام عن رجب طيب أردوغان قوله أثناء لقائه الرئيس القرغيزي، ألمازبيك أتامباييف: "إنها خطوة إيجابية أن تريد قيرغيزستان الانضمام إلى الاتحاد الجمركي، فالأخير يفتح أمامها إمكانات كبيرة ويجعلها أقوى".

وأعلن عن "الفضاء الاقتصادي المشترك" في التاسع والعشرين من مايو/أيار 2014، وسيصبح ساري المفعول في الأول من يناير/كانون الثاني 2015، وهو يضم اليوم "روسيا وكازاخستان وبيلوروسيا"، وقد أثار حفيظة الولايات المتحدة الأميركية حينها ورأت فيه محاولة لاستعادة الاتحاد السوفييتي.

أمّا الرئيس الكازخستاني، نورسلطان نازارباييف، فقد أفاد، في كلمته في القمة الأخيرة أن أنقرة أيضاً عبّرت عن رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الجمركي الأوراسي، وأشار إلى ضرورة الاستفادة من التجربة التركية في السياحة.

وهكذا، كسبت روسيا خطوة على جبهتها الآسيوية، بعد صمودها على الجبهة الأوروبية، وتراجع خصومها خطوتين.

على خلاف روسيا اليلتسينية، تشتغل روسيا البوتينية على توسيع مناطق نفوذها وحماية محيطها الحيوي، وتستخدم الأوراق التي تملكها بكفاءة إلى الآن.

المساهمون